الفصل الثاني عشر من رواية جديدة :- (ظلال وريفة)

(يتآمر الحاضر مع الماضي ضد المستقبل) !!؟…
و يظل الأخير أفقاً مؤصداً
الزمن الآفل يسجل حضوراً طاغياً
و الحاضر يفرد جناحيه و يخيم على الأرجاء ….
التاريخ سديم هلامي يتراءى ل”الفاتح سلمان” كقبة سماوية
تبرق نجومها و تخبو
و جسد “رُمانة” خارطة لوطن عريق
عتقته الانتصارات و الإخفاقات
و مشت على تضاريسه الحقب و العهود
أرضه مصدر الخصوبة و التوالد
و تعاقب العصور و الدهور
و ربما الموئل الأول لأصل الحضارات الإنسانية
توالت الآلهة و الديانات السماوية بين اكنافه …..
و رست على شواطئ سليل الفراديس
الممالك و السلطنات
هذا وطن
و ذلك جسد
عراهما الوسن حيناً من الدهر
ثم إلتمعت ومضات متقطعة عبر الأزمنة !!؟….
حفرتُ عميقاً في تربة هذا الوطن
وطبعت بصماتها وشماً لا يزول على ذلك الجسد ؛؛؛
حضارات سادت ثم بادت
تراكمت عبر (الكوشيون) ومملكتي علوة و المقرة ؛؛؛؛
و من خلال تحالف العبدلاب مع الفونج (عبد الله جماع و عمارة دُنفس) ليأسسا معاً (السلطنة الزرقاء) ….
التي نشأت عقب سقوط دولة الأندلس
ظلت قائمة من 1504 حتى الغزو التركي العثماني في 1820
طوال ما ينيف على ثلاثة قرون
و لم يدم طويلاً حكم التركية السابقة
حتى إنفجرت ثورة الإمام (محمد أحمد المهدي) …
بغتة بُتر السيل الجارف من تواتر الوقائع التاريخية ؛؛؛؛
لينتبه “الفاتح سلمان” على قرع متواصل على الباب الخارجي للمأوى
كان موزع ألبان كافوري قد وضع زجاجة الحليب على الجدار و إنصرف
أخذها
وضعها داخل المبرد
ثم عاد إلى مجلسه
يجتر في بطء ذكرى الليلة التالية
لأمسية شارع النيل الماطرة
أمتدت و تمازجت مع أطراف الوطن المتشاسع
بلا تخوم
وظل جسد “رُمانة”
يمتح من وقائعه التاريخية الجسام
خلايا النشأة الأولى
و التكوين الفطري
تداخلت تضاريس ارضه
مع نظيره ذلك الجسد الطازج، الفائر
كالقمر الحار و التفاحة الغجرية
كان يتسلق روابيه
تائهاً بين وهاده
و يخوض غمار مجاريه المائية
محفوفاً بالمخاطر
يحاصره من كل حدب و صوب
كشف المستور و انحسار الأستار عن
المشهد الصادم للعرف العام
لقد وقعت الواقعة
هكذا دون سابق ارهاص
في لحظة ما
انهار جسداهما الناضجان
جسد فائر وآخر مشتعل
ليصنعا نبض الحياة
كأن ما حدث
كان يجب أن يحدث
لا مناص !!؟….
* * *
في اليوم التالي
جاءت تخطر في خيلاء
تحف بها الملائكة
كعروس مجلوة
في صباحية ليلة زفافها الباذخة
جلست قبالتي
تغمرني بإبتسامة مشرقة
و حنان فياض
تشع عيناها
ويلتمع خدها
وتستحيل إلى كتلة من اللحم الصقيل
أنوثة طاغية
يضج النسل في أعراقها
ويتفجر الغنج من بين أعطافها
طال حلوسهما
كاد أن يقاربها
على حين غرة
إنفلتت من بين يديه
ولجت الغرفة التي شهدت وقائع ليلة الأمس
أوصدت الباب
نضدت ثيابها
إرتدت جلباباً فضفاضاً من خزانة ملابسه
إتجهت صوب المطبخ
دلفت من خلال ستارة تحجب مدخله
غابت طويلاَ
ثم خرجت وهي تحمل صينية
محملة بما لذ و طاب من الأطعمة
و المياه الغازية و عصير المانجو الطازج
أكلا سوياً
و ضحكا طويلاً حتى دمعت عيناهما
و همهما سوياً
“اللهم أجعله خيراً”
كما إعتاد أهل السودان ترديد هذه الجملة عقب موجة صاخبة من الضحك
على الأقل بالنسبة له
إحتشد له إحتشاداً
بذات التأهب و الإنتصاب
الذي وقع به الجسد الفائض
كلاهما نهل من ينابيع الإشباع
يتعاطىان معها بآليتي النهم و الإلتهام
مصحوباً باللذة و الإمتاع
ما أعجب أسرار الجسد !!؟…
كنوز من السحر كامنة بين أعطافه
تتوهج و تمور عند لحظة إتحاد الرعشة
ظل مصلوباً في حضرة مقامها
يستحلب مذاق الليلة الفائتة
مفتوناً بحضورها الطاغي
تتفتح أمام ناظريه أفاق عريضة
يستلهم من خلالها
تجليات وطن يهفو للإنعتاق
و التحرر من قبضة العسكرتاريا
التي تعاود مع دورات العقود
الإلتفاف حول أعناقه
لتمتص رحيق العزة و السؤدد
وتجثم على أنفاس تاريخه الماجد
دون أن تدري ؟….
أن ظلاله الوريفة تمتد بلا إنتهاء
لتعرش بأفيائها محمل فضاءات الوطن القارة
هذا وطن يعج بالخيرات
و يتشاسع بلا تخوم
ليسع الجميع و يكفيهم و يفيض
فقط إذا إمتلك قاطنيه الإرادة السياسية الحرة
و القدرة على الإستبصار
و تحرر من حبائل السدنة وعديمي الإنتماء !!؟…
و اطماع الغرباء الراميين لتجزئته
و تحويله إلى قبائل متناحرة
متوجساً من مآلات قادمة ؛؛؛؛
تستنفر المارد الكامن في إهاب الزهد والتقشف ؛؛؛
ليشق عنان السماء
منبجساً من هذه الأرض الطيبة المعطاءة …
ليقيم دولته الكبرى
في قلب العالم الثالث ؛؛؛
* * *
لا زالت الخلاسية الطازجة
في الجلباب الفضفاض
تسترخي على كرسي الجلوس الوثير
عقب إحتساء كوب الشاي المنعنع
في معية عاشقها و معشوقها في آن ،
كان يجلس في قبالتي تماماً
أرصد كل نأمة تصدر عنه
إستعيد في بطء و تلذذ
الإبحاء في عوالم مجهولة بلا أشرعة ،
تتقاذفنا الأمواج
و تتخطفنا المرافئ
و لا يستهوينا الركون إلى مرسى
حتى بزغ الفجر
و غسل بقطرات نداه
و حبيبات العرق
التي تندى بها جسدينا الهامدين
في هناءة غامرة
كأنه قضاء نزل علينا ….
كنا نرغبه ونتمناه ونشتهيه
منذ الوهلة الأولى
أُخذت أخذاً
طائعة و مختارة
كأرض قاحلة
تستمطر السماء
لتحيا بعد موتها
عقب تلك الليلة
تغير كل شيئ
الأحاسيس و المشاعر
الإنفعالات و ردود الأفعال
الأفكار و الخواطر
الجسد الفزيائي
إستحال إلى كبسولة أنوثة موقوتة
آخذة في الانفجار
تتحد خلاياه
و تستنفر مكامن العطاء فيه
رائحة الفحولة
و عطر الأنوثة
تطوقانها و تغرقانها
في نهر من العسل
و تشعرانها بالإمتلاء
و الإشباع و مزيد من الإنجذاب
كالفراشة العاشقة لدرجة الإفناء
لبؤر الضوء و النار اللاهبة
و الآن …..
ها هي صباحية ليلة الأمس
تأكد حضورها الكثيف
و تجد هي ذاتها المجردة
في معية شريكها الوالهان
و المشغوفة به حد الذوبان
سليبة القلاع
بلا مصدات
كمدينة مستباحة الأبواب
يسيبي نساءهما الغزاة
كقشة في مهب الرياح
بلا حزام أخضر
عديمة الإسناد
كانت “علياء”
تترصدها
تحصي خطاها
تلجم جموحها
تكتم صهيلها
خوفاً عليها
من نائبات الدهر
و ريبة طاغية في جنس الرجال قاطبة
حتى الذين يقال عنهم
أنهم يتحدرون من نسل الملائكة
فقد وقعت في شراك أحدهم
دون أن ينصب لها فخاخاً
فهي صاحبة تجربة مريرة
ذاقت فيها الأمرين
كادت بسببها أن تنطوي على نفسها خارج الدنيا !!…
أو أن تعيش الحياة كسيرة النفس
مهيضة الجناح ؛؛؛؛
في البدء
أختارت الإنطواء
و تخلت عن جميع ما يحمي الأنثى من السقوط !!؟….
و قبعت في ركن قصي
تنتظر العدم
و تظل ذكرى باهتة
في تاريخ الهالكين
إلى أن جاءت “فتحية مرجان”
الخلاسية
الهجين
ذات الأعراق المتعددة
خليط من الفور و العربان
وليدة تماذج النازحين
من اصقاع تضاريس السودان
إلى حيث مواطن الخصوبة
في مشروع الجزيرة
الباعث لنبض الحياة
من خلال شريانيها
الأبيض و الأزرق
و حطت رحالها
بالقرب من مسكني
بحي أم بده
الآخذ في الأتساع
صوب كل الجهات
مع كرور الأيام
هبطت في معية والدتها “علياء” كانت برداً و سلاماً
و كعادة أهل السودان
حينما يقدم وافد جديد
إلى مرابعهم
يحتفون به
إيما إحتفاء
و كانت أسرتي
في طليعة الجموع
الحافيين بمقدم
ذلك الوافد الجديد
و هكذا اتسع الأفق
أمام ناظري
بمجرد مجيئها
طارت العصافير حولي
و بسط الفرح
ظلاله الوريفة
فوق هامتي المطأطئة
وبزغت “فتحتية مرجان” في سمائي
كنجمة ثاقبة !!؟…
أضاءت
جوانب حياتي الحالكة
منذ الوهلة الأولى
مثلنا سوياً
حركة مزدوجة الإتجاهات
كانت تمثل لي العودة إلى البداوة
حيث منبع المثل العليا
و الفطرة و الماء القراح
و كنت أنا كطائر السمندل
الذي نفض رماد حرائقه
و أحاطها بروافد المدنية و التحديث
و صيغنا معاً من تجربتنا الفطيرة
علاقة رفقة إنسانية حميمة
جمعت بين الأصالة و المعاصرة
ليست كصحبة البنات المراهقات
و لكن كصلة وثيقة بين الجرح و الضمادة !!؟….

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..