ربيع عبد الخالق محجوب الثامن والثمانين: وليشهد عذابه طائفة من النميريين

التمس منصور حالد من على برنامج “الذاكرة السياسية” بقناة العربية (أغسطس 2014) من الناس أن يحسنوا فهم “تصرفات” الرئيس جعفر نميري في أعقاب عودته للحكم بعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971. فرآه الناس غليظ النفس حتى سفك الدم بغير وازع. ومن رأي منصور أن سبب أو مبرر تلك الغلظة لأن الانقلابيين الشيوعيين أهانوه. ف”بدل أن يقبض عليه ويأخذوه إلى محل محترم، قُبض عليه وطُلب منه أن يجيء بملابسه، ووضع على عربية عربية نقل حافي القدمين وأخذوه للقصر. لو كنت في محل نميري ما افتكر دي حاجة بستقبلها بتحية (وأشر منصور هنا بتحية عسكرية خافتة). فكل تصرفات نميري في ما بعد يجب أن تُفهم في إطار هذا الحادث. ويبدو أن الناس ما قدروا يفهموا لابد عملية زي دي تخلي نميري (يفتك؟) بالآخر”. وأضاف منصور عاملين آخرين لغضبة الرئيس النميرية. فلم يقبل نميري قط أن لا يختفي خصمه (عبد الخالق محجوب) إلا في القصر الجمهوري نفسه من دون جهات البلد وتحت إشراف قائد الحرس العقيد ابو شيبة. وزاد من من التطور المأساوي المترتب على تصرفاته لاعج حزنه على الضباط الذين لا قوا حتفهم في بيت الضيافة بيد شيوعيين في زعمه.
هذه هي الاعتبارات التي رتبها منصور ليصدر الناس حكماً موضوعياً على “تصرفات” نميري و”تطوراتها المأساوية”. ولن نغالط منصور في وجاهة الاعتبارات التي قال بوجوب أخذها للحكم الموضوعي على نميري “السفاح” العائد. ولكن ما استحق منا هذه الوقفة عند عبارته أن هذه الاعتبارات نفسها هي التي سبق لمنصور استهجانها في كتابه “النفق المظلم” قبل 30 عاماً. فجوهر رأي منصور في هذا الكتاب أن طغيان الرئيس وظيفة لسوء خلقه. وبلغ هذا الرأي منه أن سمى معايب الرئيس الخلقية ب”النميرولوجيا” أي علم عاهات الرجل النفسية وطبقاتها. وضرب مثلاً بالوقاحة التي تعامل بها مع أستاذنا عبد الخالق محجوب حين جاؤوا به إليه مأسوراً يوم 28 يوليو 1971. فقال عن غلظة قلب الرجل وكفره ما أعربه بتصرف أدناه من النص الإنجليزي للكتاب:
(ومما له مغزاه الطريقة التي تعامل بها مع عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي المأسور عنده. فقد جاؤوا بعبد الخالق في جلابيته للقيادة العامة وأيديه موثوقة بعمامته. وكنت حضوراً مع عمر الحاج موسى وأبو القاسم هاشم ننتظر مهاتفة من القاهرة عن قبول يحي عبد المجيد لمنصب وزارة الري الذي عرض عليه . . . وسأل أبو القاسم هاشم، المتماسك كعادته، عبد الخالق بأدب وبرود عن دواعي الانقلاب. وأخذ أبو القاسم وعبد الخالق في الحديث حين دخل مامون عوض أبوزيد رئيس جهاز الأمن القومي. ولما اكتشف رئيس الجهاز أن عبد الخالق رهن الاعتقال تهلل وهتف:”قبضناه!”. لم يبد في أمره سخيمة شخصية ولكنه فرح رجل أمن صنع انقلاباً في مايو. كان محجوب مرهقاً، مُستهلكاً، وشفاهه متشققة. فسأل عمر الحاج موسى ماءً فصبه في كوب وناوله له مرة ومرتين وثلاث. ولما كانت أيدي عبد الخالق مقيدة أضطر عمر للإمساك له بالكوب حتى يشرب منه. ولما أرتوى سألني سيجارة. وأشعلت له واحدة ووضعتها بين شفتيه. وواصل أبو القاسم هاشم مناقشته الهادئة معه سائلاً له لماذا دبر الانقلاب. فقال عبد الخالق شيئاً مفاده إنه دفع ضريبة الوطن خلال معركة الاستقلال. وأضاف: “أنت لا تعرفني ولكن أسأل مجايلي عمر.” وواصل أبو القاسم، لم يبرحه تماسكه ولا وقاره، عن لماذا وقف حزبه ضد اتفاقية الحكم الذاتي للسودان الموقعة بين مصر وبريطانيا في 1953 . فسأل عبد الخالق سيجارة ثانية أخذها مني. وعند هذه النقطة دخل نميري وأبو القاسم محمد إبراهيم. فحدق نميري في الرجل موثق الأيدي وجز أسنانه ولم يقل شيئاً. ثم أخذ نصف الكوب الموضوع بعصبية وأفرغه بوجه عبد الخالق. وأراد أبو القاسم أن يبز رئيسه فنزع السيجارة من بين شفتي عبد الخالق. وهنا طلب عمر الحاج موسي أن يأخذوا عبد الخالق بعيداً من هناك ليمنع نميري من استعراض المزيد من طبيعته الثأرية. والحادثة مذهلة لأن ثمة ضابطين هما مامون وأبو القاسم هاشم عانا من نفس الإهانة التي مر بها نميري. وكان ثمة ضابطاً ثالثاً هو عمر الحاج موسى الضابط الأصولي. كانت ردة فعل مامون ردة فعل إنسان، وردة أبو القاسم هاشم وقورة، وردة عمر إنسانية. فليس بوسعنا نسبة ردة نميري لقساوة قلب العسكريين. فلم تبد تلك الغلظة من أبو القاسم هاشم ولا من عمر. وليس بالوسع ردها للإهانة فلم تظهر مثلها على مامون. فلا بد أن ثمة شيئاً بعيد الغور في الرجل. فالرجال العظماء يظهرون الأريحية والنبالة عند النصر. فاشتهر عند تاليراند، الدبلوماسي الفرنسي الشهير، أنه قال عن نابليون:”كيف ساءت تربية رجل عظيم مثله”. فالإجابة على ما جرى من نميري في ذلك اليوم ربما تأسس في عبارة المؤرخ الفرنسي). إنتهى النص.
ليس على منصور جناح أن يعتبر بما يعتبر في الحكم الموضوعي على نميري وتصرفاته المأسوية: الإهانة التي جرجره بها الضباط الشيوعيون إلى معتقله أم الإهانة التي تجاوزها أبو القاسم هاشم وعمر ومامون ليطابقوا وصف منصور للرجل العظيم تحت الإبتلاء. ولكن “خج” الاعتبارات المتناقضة هكذا بغير بيان يطعن في مؤهل منصور كمفكر. وكما تكونوا “يُفَكر لكم”.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بروفيسور : عبد الله علي إبراهيم

    تحية واحتراماً

    نعود للمقال ، الذي قرأه كل من يسعه القراءة ، ونعلم أن سرد الدكتور منصور خالد هو سرد من حضر الوقائع ، كلها في معسكر الشجرة أو قرب خيمة الإعدامات الجزافية . وأعلم علو اليقين بأن الكتيب الذي كتبه ” فؤاد مطر ” عن ” الحزب الشيوعي السوداني نُحر أم انتحر ” وأذكر جيداً الصورة الضوئية لرئيس مايو ، وتحت المنضدة شراب مُسكر !.

    أرى أن الدكتور منصور باحث ومُفكر ، وتلك ليست منحة يوزعها من أراد ومن لم يرد ، فللرجل اسهاماته المقدرة في فهم تناقضات السياسيين السودانيين ، ونظرائهم من العسكريين . يذكر التاريخ أن المحكمة العسكرية برئاسة عرم حاج موسى هي التي برأت نميري ، وتقرر رفده من القوات المسلحة ، الأمر الذي استدعى زيارته مع عمه في قبة المهدي ليتوسط الصادق المهدي لإرجاعه للقوات المسلحة !!.
    ذات الرجل الذي تم نعته لاحقاً من بعد انقلاب محمد نور سعد بـ الكاذب الضليل !!
    *
    إن الدكتور منصور حين يشخص أمراض أحد السياسيين الذين تقلدوا رأس الدولة السودانية ، فمن يكن المفكر إذا لم يُعن له أن يُحلل الشخصية التي قادت مهرجان الدم المسفوح في خيمة الشجرة .

    هل يمكن أحد أن يصدق أن الموسيقار ” جمعة جابر ” قد جاءوا به لخيمة الإعدامات ، لولا أن شاهده أحدهم ، ونقله بعربة عسكرية ، لكنا شهدنا مجزرة أخرى ، ولحجب التاريخ أن يكون ” جمعة جابر ” عام 1987 نائباً لرئيس المجمّع الموسيقي العربي.

    ليس هنالك من تثريب على مفكر أن يصف الدكتور منصور الأحداث ، ويحاول تحليل الشخصيات أمام التحديات الصعبة ، وتلك يمكنك أنت أن تقوم بتحليل شخصيات كل الذين شاركوا في مهزلة محاكم الشجرة ، وكيف أن رئيس المحكمة العسكرية التي حكمت على عبد الخالق محجوب ، قضي الكثير من عمره بعد ذلك معتكفاً في بيته إلى أن انتقل للرحاب .

    تماماً كما اختفى المهلاوي من السودان بعد فضيحة إعدام محمود محمد طه ، ونقل قضية تهمة تحرير منشور سياسي إلى ردة عن الدين الإسلامي ، فهذا عدم تأهيل قانوني ومعرفى بأسس القانون ، جعل من محاكمة محمود محمد طه مهزلة ضمن مخازي ممحاكم الطوارئ ، وكيف اختبأ ” المهلاوي ” إلى اليوم بعيدأ في منفاه الذي اختاره في الإمارات .

    وعندما سؤل ” الكد ” عن لماذا لم يسلم نفسه في أيام محاكمات الشجرة ، فقال أن نميري كان سيعدمه ، بعد أن ذكره في التلفزيون السودان ( SOME THING Al KiDD ” ، فخالد الكد كان يعلم مسلك نميري ،
    وللقضية أكثر من باب لنتناولها ، وأعلم علم اليقين أن الحزب الشيوعي هو الذي لم يقدم أية دراسة عن 19 يوليو ، وأثبت عدم تأهيل كوادره ، وتلك مصيبة ، لأن التنوير في السودان دخل بوساطتهم ، ثم ودعهم ذلك الألق الفكري إلى اليوم !!!!

  2. لانو الورقة بتاعتك عن الاستاذ محمود محمد طه كان فيها كلام كبير زى المانيوية والحاجات دى ..بنتوقع الاخوة الجمهوريين وبالذات الدكتور القراى يعملوا مداخلات وتعليات على الورقة دى اثراء للنقاش .

  3. المجتمعات الزراعية لم تنتج مفكرين طوال تاريخهاو منها المجتمع السوداني.
    منصور خالد رجل قارئ و كثير الإطلاع,لكنه لا يرقي إلي مستوي المفكر.المفكر هو من ينج الأفكار لا من يجتر مقولات الآخرين و ينسبها إلي نفسه.

  4. “ولكن “خج” الاعتبارات المتناقضة هكذا بغير بيان يطعن في مؤهل منصور كمفكر. وكما تكونوا “يُفَكر لكم”.”
    فى دى صدقت ياقنوط وتصعير خدك للصوص الدين دليل على ذلك

  5. اعلم ياقنوط ميسورى هذا المبداء:
    فى داخل كل متعلم ومثقف سودانى هناك ديكاتور صغير نائم, يجعله عندما يصحى فى الوقت المناسب: فى زمن الانتهازية والدهنسة والتملق يصحو لايرى احد ذو شان سواه
    فسيب العنتظة والتنعطع وابدا بتشخيص حالتك ياوهم

  6. الهذيان المانوي مرة أخرى: نميري شر مطلق يتشفى في الشهيد عبد الخالق.
    المشهد الثاني: نميري شر مطلق يتشفى في الشهيد محمود محمد طه و يقول أنه قرأ كل القرآن و السنة و تفاسيرهما و لم يجد ما يشفع له.
    الفصام المانوي: الأول “عبد الخالق” شهيد شرور النميرى
    الثاني “محمود محمد طه” شهيد خطأ إستعماري أذل قضاة الأنكحة و المواريث
    الملخص: ع ع إبراهيم يعاني من فصام قل ما يوجد اللهم إلا في الكائن “الحيوان” المانوي الذي قد يبذل كل الجهد و في النهاية يصير مجرد غثاء

  7. ( وكما تكونوا “يُفَكر لكم”. )

    كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين فى الميزان .

    هكذا كانت خالتى جمال . تنطق بما قل ودل .

  8. اول مرة تصدق يا عبدالله على إبراهيم في تناقضات منصور خالد بتاع حوار الصفوة وبتاع الحركة الشعبية بتاعة المهمشين

  9. وكما تكونوا “يُفَكر لكم”.

    هذ العبارة تجسِّد تجسيداً كاملاً للمشكلة السودانية, بمعني اخر اننا معشر الشعب السوداني, سلوكنا وطرائق تفكيرنا هي جرثومة مشاكلنا.

    اما ما يخص منصور خالد, انني اتفق معك علي انه غير ثابت(متقلب), ويمكنني ان اطلق عليه انه مثقف تنازع نفسه شيئان:
    1/ شخصية لا تطيق مفارقة الاضواء ونعيم السلطة.
    2/ له نفْس لوَّامة,تؤنبه علي مشاركته السلطات الغاشمة.

    هذان الخاصيتان المتصادمتان, تتفاعلان معاً لتنتجا اقوال وتصريحات متضاربة ومتناقضة بواسطة منصور خالد

    لا يمكن ان نطلق صفة مفكر عليه البتة, فاوضح شخصية سودانية يمكن ان نطلق عليه مفكر هما د. جون قرن ومحمود محمد طه

  10. هل تأتيك الشجاعة فقط لمهاجمة منصور خالد؟؟..هل حدث ان انتقدت ذلك الانقلاب المشؤوم ودور المغامر والمقامر عبد الخالق محجوب فيه…هذا العبد الخالق قد وصفه صلاح احمد ابراهيم بمنظم الهاركيري الجماعي (الهاركيري طريقة انتحار الفرسان وكبار قادة الجيش باليابان في حالة الهزيمة)… وما فعله في 19 يوليو هو حقآ هاركيري جماعي…عبد الخالق محجوب مسؤول عن المصير الذي آل اليه هو شخصيآ ومصير العشرات الذين اعدموا بسبب مغامرته غير المحسوبة وحبه للسلطة…من العبث محاولة اسطرة رجل كان فقير الخيال ضيق الافق فشل حتى في تأمين انقلابه والاحتفاظ بالسلطة والاعتبار بوصية لينين للعصابات الشيوعية بأن الاحتفاظ بالسلطة اصعب بكثير من الوصول اليها…يعني حتى لم يستفد من قراءته للينين منظر العصابات البلشفية ومن تبعها بغير احسان

  11. اول مرة تصدق يا عبدالله على إبراهيم في تناقضات منصور خالد بتاع حوار الصفوة وبتاع الحركة الشعبية بتاعة المهمشين

  12. وكما تكونوا “يُفَكر لكم”.

    هذ العبارة تجسِّد تجسيداً كاملاً للمشكلة السودانية, بمعني اخر اننا معشر الشعب السوداني, سلوكنا وطرائق تفكيرنا هي جرثومة مشاكلنا.

    اما ما يخص منصور خالد, انني اتفق معك علي انه غير ثابت(متقلب), ويمكنني ان اطلق عليه انه مثقف تنازع نفسه شيئان:
    1/ شخصية لا تطيق مفارقة الاضواء ونعيم السلطة.
    2/ له نفْس لوَّامة,تؤنبه علي مشاركته السلطات الغاشمة.

    هذان الخاصيتان المتصادمتان, تتفاعلان معاً لتنتجا اقوال وتصريحات متضاربة ومتناقضة بواسطة منصور خالد

    لا يمكن ان نطلق صفة مفكر عليه البتة, فاوضح شخصية سودانية يمكن ان نطلق عليه مفكر هما د. جون قرن ومحمود محمد طه

  13. هل تأتيك الشجاعة فقط لمهاجمة منصور خالد؟؟..هل حدث ان انتقدت ذلك الانقلاب المشؤوم ودور المغامر والمقامر عبد الخالق محجوب فيه…هذا العبد الخالق قد وصفه صلاح احمد ابراهيم بمنظم الهاركيري الجماعي (الهاركيري طريقة انتحار الفرسان وكبار قادة الجيش باليابان في حالة الهزيمة)… وما فعله في 19 يوليو هو حقآ هاركيري جماعي…عبد الخالق محجوب مسؤول عن المصير الذي آل اليه هو شخصيآ ومصير العشرات الذين اعدموا بسبب مغامرته غير المحسوبة وحبه للسلطة…من العبث محاولة اسطرة رجل كان فقير الخيال ضيق الافق فشل حتى في تأمين انقلابه والاحتفاظ بالسلطة والاعتبار بوصية لينين للعصابات الشيوعية بأن الاحتفاظ بالسلطة اصعب بكثير من الوصول اليها…يعني حتى لم يستفد من قراءته للينين منظر العصابات البلشفية ومن تبعها بغير احسان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..