حسن الطاهر زروق: إختار المنفي بعيداً عن ثري وطنه

“لابد لك أن تختار المنفي لكي تستطيع أن تقول الحقيقة”. هكذا قال الفيلسوف الألماني “نيتشة” منذ أكثر من 120 عاماً, مخاطباً أهل الفكر من زوي العقول الذكية و النفوس الأبية. كما إتخذ الكاتب الفرنسي “البير كامو” ن عبارة نيتشة شعاراً لأزمة الكر في هذا العصر و رأي أن هذه الكلمة الجامعة قد تصدق-في الحياة المعاصرة-علي الكثيرين من عشاق الحرية و طلاب الحقيقة, فلماذا لا نقول أنها تصدق علي السياسي و الأديب حسن الطاهر زروق, الذي إختار المنفي بعيداً عن وطنه عقدين من الزمان خلال الفترة (1970-1980), إذ بدأ حياة المنفي بالعيش في القاهرة لينتقل بعد هزيمة حركة 19 يوليو 1971 إلي بيروت و منها إلي بغداد حيث قضي نحبه هنالك, محتملاً المكاره راضياً, زهاء عشرين عاماً حفاظاً علي إستقلال رأيه و صوناً لكرامة فكره, مفضلاً أن يتوفر علي مواصلة نشاطه العقلي وفقاً لميوله السياسية و الأدبية الإنسانية. أصدر مقالات و بحوث عن الأوضاع في السودان, و تتابعت كتاباته أثناء ذلك و تناولت فنوناً و موضوعات مختلفة من السير و التراجم والسياسة والتاريخ والقصص والمسرح والغناء والموسيقي والإجتماعيات. خيمت علي جهده و أحاسيسه المأساة السودانية و التي بلغت اوجها في المحاكم الميدانية لقادة الحزب الشيوعي. هذي جميهعا و علي تنوعها و غزارتها تكشف عن قوة الملاحظة و سعة الثقافة و تنم عن نفاذ النقد و الصبر و روح الإبتكار. إن في إيمان حسن الطاهر زروق بحرية الإنسان ما يجعله نصيراً طبيعياً للديمقراطية ما يجعله معارضاً لحكم الإستبداد الذي تميز بالقهر في بلده إبان الحقببة المايوية أو في أي صورة من صور دكتاتورية و إضطهاد الناس. بإختياره للحياة في المنفي, فقد أروي حسه للعدالة و حبه للحرية. وهكذا كان إغترابه القسري نِغمة عليه و علي شعبنا و برحيله يفتقد الوطن مناضلاً سياسياً من كبار الساسة الذين أنجبهم السودان. كان عالماً و كاتباً و خطيباً من أدبائنا المرموقين. عاش حياة طويلة حافلو بالأحداث و ترك آثاراً باقية و آراء حكيمة عليمة و نوادر تدل علي خبرة بالحياة والناس و فكر متفتح غني, و ذكاء وقاد و نشاط متنوع ثم رحل بعد أن قضي حياته زاهداً لا يحفل بلحاف وثير أو قصر منيف, و لم يركن إلي عيش ناعم حتي إنقطع عمره في نهاية المطاف.

تعليق واحد

  1. ظل السودان يلفظ خيرة ابنائه البررة وعظيم مفكريه ومبدعيه منذ ان نال استقلاله الذي لم يكتمل واخشي ما اخشي ان نجد انفسنا وقد سقطت ورقة التوت وتنكشف العورات عن جفاف للفكر وانعدام للوطنية وتسيد الخواء لكل ارض النيلين.

  2. يا ريت يا دكتور لو كتبت حلاقات عن الاستاذ المناضل حسن الطاهر زروق و مواقفة و جبهته المعادية للاستعمار و نضاله فى حقبة الحركة الوطنية و دوره و جبهته المعادية لللاستعمار فى استفلال السودان. كثيرون منا لا يعرفون من هو المناصل الوطنى حسن الطاهر زروق فهل تكرم الدكتور الرفاعى بالقاء الضوء على بعض من سيرته و مواقفة ضد الاستعمار ابان الحركة الوطنية. ِ شكرا

  3. طاب الشهيد زروق حيا…وطاب ميتا
    تشكر يا استاذ للتوثيق لمثل هذه الشخصيات السودانية والانسانية الفذة…قد أتاحت لنا الأقدار الالتقاء بهذه الشخصية (المستيرة غاية الاستنارة) في مدينة بغداد ونحن بعد في مرحلة(الطلب)…فيما أذكر أن الرجل كان يكتب مذكراته…كما كما كان يراسل العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية….كان فرع الجبهة الديموقراطية السودانية ناشطا …وكذلك الحزب …في عراق نهاية السبعينات من القرن الماضى…كما كان هناك لفيف من الشخصيات اليسارية والنقابية ومن مختلف الاتجاهات السياسية السودانية الاخرى…..الشهيد زروق (واحدة) من عجائب الدهر في الحفظ…والسرد…والحديث المهذب اللبق والتناول الجادوالتحليل المعمق الذى لا تتجافاه البراهين والاحصاءات والامثلة…أكاد أقول أننى (رغم المرات القليلة )التى أتيحت لى لحضور مجلسه…الا اننى أتحسر على الطريقة التى (ينسرب مخطوفا على عجل) بها المثقف والمتنور السودانى….أعتقد ان كتاباته ومذكراته يمكن أن يسأل عنها ابن أخته (فيصل)…وكذلك الديموقراطيون السودايون ببغداد حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي…
    …الشهيد حسن الطاهر زروق (توفي)ببغداد ولكن جثمانه دفن ببلاده الحبيبة…كما تمنى الشهيد نفسه (سودان المليون ميل مربع)..ولأرسال جثمانه لكي يدفن بثرى بلاده (قصة رائعة)…تحكي صلابة وجسارة (أعضاء الجبهة الديموقراطية) ببغداد…وتلك قصة أخرى أناسها مازالوا أحياء يتنفسون….!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..