فضفضة فارغة في الأدب

استيقظت في هذا الصباح بشيء من الارتياح النفسي ، هدوء ما ، وسكينة من يرغب في كتابة رواية في الواقعية السحرية كماركيز أو كتابة رواية فيها وصف دقيق لقرية تعيش في مناخ مشمس وصحو ، لم أتمكن حتى الآن من مجاراة بعض الكتاب الذين يكتبون بانتظام وفي أوقات محددة كما يتناولون دواءهم ، هذا الروتين الكتابي مقلق جدا ولا يتمشى مع نفسيتي المتقلبة ومزاجي الذي يصعد ويهبط كالترمومتر . في الواقع تركت كتابة القصص القصيرة والرواية منذ وقت ليس بالقصير وتفرغت قليلا لقراءة الروايات لا سيما المترجمة ، لم أكمل بعضها نسبة لأن أسلوبها لا يتفق مع مزاجي ، لا تجذبني الروايات العربية الا قليلا ولا الأدب الروسي الكلاسيكي ، غير أن القصص القصيرة لشيخوف جيدة. امبرتو ايكو لديه رواية ممتازة وهي اسم الوردة ورواية سخيفة لا يمكن اتمام عشر صفحات فيها وهي بندول فوكو . موراكامي يمزج بين طابعين حديث يطغى على الكلاسيكي في رواياته ، آرثر ميلر يهتم بالتفاصيل في مسرحياته ويهتم بمناخ المسرح وبيئته.*
الكتابة ليست شيئا سهلا ، فهي تحتاج إلى خيال خصب متدفق ، بعض الأزمات النفسية قد تكون دافعا للكتابة قد تكون مصدرا للثروة الكلماتية القصصية ، بعض الأمراض العقلية كالرهاب الاجتماعي أو نوبات الهلع …الخ قد تستفز الدماغ بالكثير من الأفكار ، ويتم استنزافها على الورق ، أعتقد أنه لا يوجد كاتب سوي ، أي مستقر في حالته العقلية ، فالمستقر قد يكون حكيما أكثر منه كاتبا ، انها تحتاج الى دماغ نازف وليس مخثرا.*
لا أعتقد أن نيتشة حين كتب هكذا تكلم زرادشت كان في حالة عقلية طبيعية بل كان ينزف ، وحين كتب كافكا المحاكمة كان طبيعيا بل كان قلقا متوحشا في توتره ، إن توتر الكتابة يفضي الى التعرق تماما أو أكثر من عرق العمال.*
ومن يقول بأن هناك فرقا بين الرواية والقصة القصيرة والمسرحية فهو كاذب ، إن من يكتب أحدهم يستطيع كتابة الأخريات ، ﻻنهم ينبعون جميعا من نفس القلق ، من نفس العذاب العقلي ، من نفس النزيف ، لكن قد يفضل أحدهم فئة على أخرى لأنه يتحرر فيها أكثر ، قد يفضل البعض التحرر من الزمان والمكان ، وبعضهم من الشكل ، المسرحية مثلا تحتاج الى شكل – إن لم تكن عبثية – استطاع صمويل بيكيت تحرير المسرحية من الزمان والمكان والشكل ، ولذلك كتب الرواية كما كتب المسرحية بنفس النفس فلم تختلف رواية موت مالون مثلا عن مسرحية في انتظار جودو من حيث انعدام الزمان والشكل ولكن موت مالون اهتمت بالمكان وهو الغرفة التي يحتضر فيها مالون . بلزاك مثلا كان يهتم بالزمان والمكان والشكل ، هنري ترويا كان تقليديا. عموما الرواية تمنح الكتاب اتساعا ومرونة في التعامل مع الشكل والزمان والمكان. القصة القصيرة تتحرر أكثر من الزمان والمكان ولكن ونسبة لأنها قصيرة فالشكل ضروري فيها . ليس ضروريا جدا فالقضية قضية احتراف في النهاية. المهم أن كل كاتب يفضل تحرره الخاص.*
أكتفي بهذا القدر
الكردفاني
29سبتمبر2015
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لحظة الكتابة ليست متطابقة تماماً
    عند معظم الكتاب كما تقول يا كردفاني
    “نجيب محفوظ” مثلاً بحكم تجربته الطويلة
    و مثابرته على إنجاز مشروعه الروائي
    كان لديه و قتاً محدداً للكتابة كل يوم
    لذلك ترك خلفه أكثر من خمسين عملاً ، بينما
    كان الطيب صالح يخاف من مقاربة الكتابة
    ربما كان يتجنبها لذلك أعماله لم تتعد الآحاد
    ثمة كتاب ينتظرون لحظة الوحي
    هؤلاء في أغلب ظني مدعون
    أي وحي !؟!؟…
    الكتابة تجربة و خبرة
    و لعلها صناعة بجانب الموهبة
    أنا أكتب حينما أريد أن أكتب
    ليس لدي دفتر تحضير
    و لا أتحين السوانح
    و لا أرسم الخطط
    فقط أكتب حينما أريد أكتب
    هذا مقال له ما بعده

  2. لا أعرف كيف أعلق على ما قلت، فتلك الفضفضة قد استفزتني!

    لم يبد لي أنك كاتب، و إنما قارئ نهم. فتلك اللغة التي تستعملها لا تصور شخصا انغمس قلمه في هم الكتابة!!

    أقول ذلك لأن الكتابة أيضا لها شكل، و مادتها هي تلك “الكلمات”. فالمفكر قد يقوم بسلسلة أفكاره فيصبها في قالب الكلمات كيفما أتفق، فالمهم عنده الفكرة، غير أن الكاتب المتمرس – لاحظ أن هذا عمل يومي- يختارها بعناية، و يحنو بها على القارئ و يدللها كما يفعل الأب الرؤوم بأطفاله.

    ثم يقوم بمراجعتها فيستبدل بالضعيف القوي، و يستنجد بالواضح لعلة الغموض، و يبتعد عن الاستعراض و التكرار، فهما آفتي الكتابة على الدوام، و الكلام يطول عن “شكل الكتابة”، و هو أطول من ذلك بكثير فيما يخص المعني، فذاك بحر زاخر.

    القصة القصيرة فعلا تختلف عن الرواية، و لا كذب. ما دخل الكذب هنا؟ الا لو كان ذلك ضمن الفضفضة، فأنا أقبل توصيفك. إنها وجهة نظر، و لكنها ليست وجيهة، فكل الكتاب يعرفون أن “نجيب محفوظ” حاز جائزة نوبل عن الرواية، و لكنه لا يستطيع أن يكتب شيئا مثل ” بيت من لحم” للطبيب الكاتب “يوسف إدريس” ملك القصة القصيرة العربية. لدي مقارنة عملتها هنا في إحدى الكليات في الولايات المتحدة-ليس استعراضا- بين جنس الرواية و القصة القصيرة، قلت فيها هذه الخلاصة: كاتب القصة القصيرة مثل المصور الفوتوغرافي، يختار لحظة واحدة مكثفة في الزمن و يقوم بتصويرها بدقة شديدة مختارا الزوايا و المناطق المظلمة، فيسلط عليها ضوء خافت. أما الكاتب الروائي فهو مثل الرسام، يقوم بتحضير و رسم شخصيات الرواية، ثم يقوم بتحريكها على مدار النص، فتنمو و تزدهر و يختار الابطال و يحدد النهاية الزمانية السعيدة أو البائسة.

    الروائي ليس قاصا، فهو يثرثر أثناء القص. و لكن الذي يكتب القصة القصيرة، حساس، و انساني، فكأنه يقوم بتحليل الواقع كما يفعل الروائي، و لكنه أكثر دقة و مهارة، و المفروض أنه أكثر الماما بعلمية الاشتغال بالفروقات اللغوية، و أيضا العناية بمسألة الاختصار و المباشرة في العرض و النمو.

    لم لا تطلع على كتاب ” الفروقات اللغوية” للعسكري. و دمت.

  3. اضافات جميلة من العزيزين فيصل وابن المكان حتى أنني وددت أن يطول حديثيكما وتحليلكما .. فالمقصود من موضوعي هذا هو استفزاز الفكر ومشاركته مع الاخرين .. تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..