جَدَليّة مَنْ نَحْنُ فِي السُّودَان؟

يتداول الكثير من السودانيين هذه الأيام ملفا صوتيا لبروف سوداني – لم يرد اسمه – درس و عاش ببريطانيا. تحدث البروف عن سلبيات الشخصية السودانية و مخلص ما قال إن الزمن فينا مهدر في لا شيئ و أن النمطية ضاربة بأطنابها فكلنا يحب أو يكره ذات الشيئ في مجالات الفن و الرياضة و السياسة و ذهب إلى أن هذه النمطية غير قادرة على بناء دولة و أن الأمور لا يجب أن تترك لخبط عشواء بل تكون هناك مؤسسية تضبط السلوك و التوجه العام.

قبل الدلوف في هذه القضية علينا أن نفرق بين البحث العلمي المسنود بأدلة علمية معترف بها و مخرجات تضبطها المعايير العلمية و بين الدردشات أو سمها الونسة التي تميزها الآراء الفردية و اللا مهنية. و كذلك عند استصدار أيما أحكام حيال قضية ما فلابد من استصحاب جملة من الموجهات أهمها عدم التعميم أو التخصيص المخلين إضافة إلى أخذ الزمان و المكان و التأثيرات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تؤثر في القضية المطروحة.
كغيري استمعت إلى المقطع و استحسنت فيه جوانب كما عبت عليه جوانب أخرى. من بعض صور النمطية التي أوافق البروف عليها أننا شعب مجامل ? بتفاوت – على المستويين الرسمي و الشعبي للدرجة التي تضرنا و أمثلة ذلك أن بعضنا ينفجر غاضبا بعد ذهاب الشخص الذي ورطه في زيارة ثقيلة امتدت لساعات غير قادر وقتها في الاستئذان منه لبعض شأنه. من النمطية أن شريحة كبيرة منا تدمن التنظير بينما تقلل من العطاء العملي. و من النمطية المعيبة في مجتمعنا كذلك أننا قلما نقبل النقد حتى و إن كان نقدا بنَّاء بينما نفرح إن مدحنا الآخر و نكيل له الثناء. تتميز نسبة كبيرة من الشخصية السودانية بالحدة المفرطة في ردود أفعاله مع المواقف الحياتية اليومية فالأصوات الحادة القوية ماثلة وحاضرة في المواصلات و البيت و العمل كأنما ندلل على أن أعلانا صوتا هو أكثرنا صحة و منطقا. و حتى استخدامنا للغة الجسدية كمعينات لغوية في التعبير كثيرا ما تشوبها العدائية مع كثير من الأذى المعنوي و قليل من البدني. أوافقه على أن المسؤلين في الغالب لا يفرقون بين الجوانب الرسمية و الشخصية حتى في وجود القانون و الدستور كأن يقسم رئيس الجمهورية بالطلاق أو (ينجر) في لقاء جماهيري بتخصيص مبالغ دون الرجوع إلى امكانية التمويل من الجهة المعنية.

أخالف البروف و هو رجل أكاديمي أنه عقد مقارنة بين المجتمع السوداني و المجتمع البريطاني دون تحسب للظروف المحيطة بكلا المجتمعين. و بريطانيا وصلت إلى ما وصلت إليه من تحضر و سلوك اجتماعي مقبول بعين البروف بعد بربرية و همجية دامت مئات السنوات. ثم إن البروف عمم دون تخصيص فقضية النمطية في الجوانب الفنية و السياسية و الرياضية مدحوضة إذ نجد توزع الانسان السوداني بين الفن الشعبي و الحديث و طربه للكاشف و عثمان حسين و عبدالكريم الكابلي و وردي و محمد الأمين و عقد الجلاد على اختلاف أنماطهم الفنية و أساليب الأداء عند كل و ساحتنا السياسية مليئة بالأحزاب السياسية تقليدية أو حديثة لدرجة أنها تقارب المئة حزب و مثل ذلك الطرق الصوفية أما التبعية الرياضية بين هلالية و مريخية الشعب السوداني فإن اسبانيا تكاد تتوزع بين برشلونة و ريال مدريد و مصر بين الأهلي و الزمالك و تقريبا في كل الدول تجد قطبين اثنين عملاقين في شتى ضروب الرياضة.

أعارض البروف في زعمه على أن السودانين اتفقوا على حب المهدي و إدعاء أن الناس قد التفت حوله في ذاته. كان الشعور العام في ذلك الوقت هو الغبن من المستعمر الذي مارس العنف و الجباية فكانت ثمة حاجة إلى تجميع قوة لمجابهة المستعمر و حتى الأساليب التي استخدمها قادة المهدي في تجميع الناس كان أسلوبا قهريا و قسريا و لكن التاريخ غفل عن ذلك و لا تزال عنصرية آل المهدي ممتدة إلى يومنا هذا و الأدلة ذوات العدد.

أخيرا المجتمع السوداني مجتمع تحكمه ثقافات و عرقيات متباينة فإنسان الشمال يختلف عن إنسان الجنوب و إنسان الغرب يختلف عن انسان الشرق و من الصعب في خضم هذه الاختلافات أن نشير إلى إنسان سوداني يصلح أن يكون نموذجا يمثل كل السودانيين.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. المفكر السوداني الاستاذ الشيخ محمد الشيخ يري ان البنية االعقلية (او الذهنية) السودانية تسيطر عليها بنية العقل التناسلي. وحسب فهمي لطرح الشيخ محمد الشيخ، فان كل
    مجموعات وتجمعات وتنظيمات السودانيين (كما جل السودانيين كافراد) تقع _ رغم اختلافها الظاهر _ في نفس المجموعة: يدفعهم في هذه الحياة غريزة وعقلية التكاثر، والتي تحكم جل او كل قيمهم وطموحاتهم.
    هناك _ حسب الاستاذ الشيخ محمد الشيخ _ بالاضافة الي بنية العقل التناسلي بنيتيان اخريتان تحكمان العقل الانساني هما ١. بنية العقل الراسمالي/المادي، وهؤلاء تحكم طموحاتهم وقيمهم المادة وجمع المال والثراء؛ ٢. بنية العقل الخلاق، وهؤلاء تحكم طموحاتهم وقيمهم مدي تمكنهم من الابداع الخلاق.
    ويري الاستاذ الشيخ محمد الشيخ ان لكل انسان كل هذه البنيات الثلاث في عقلة، ولكن بنية واحدة من الثلاثة تسود، وتعمل علي توظيف البنيتين الاخريتين لمصلحتها. في السودان ومعظم الدول المتخلفة اقتصاديا وتنمويا وحضاريا وسياسيا واجتماعيا، فالبنية السائدة هي بنية (او اذا شئت ديموغرافية) العقل التناسلي، ولها يسخر (حتي) الموسر او المبدع السوداني (+ الاغبش محمد احمد فحل بنية العقل التناسلي) ما لهما من مكتسبات وملكات البنية المادية (من مال وعقار ونفوذ الخ) او البنية الابداعية الخلاقة (من مواهب فنية/ادبية/معرفية الخ).
    هذا هو النموذج. وطبعا لكل قاعدة شواذ _ يقول الاستاذ الشيخ محمد الشيخ.

    لا اتفق مع كل ما يقول (وليس ذلك مهما هنا) ولكن طرحه يبدو لي الاكثر اقترابا لسبر غور تركيبة العقل السوداني.
    حسب فهمي لطرح الاستاذ الشيخ محمد الشيخ، فقد يتبع ادمان السودانيون للخلاف من مركزة الذات (الاكثر حساسية والاصعب تقبلا والاعنف ردا للنقد) في دائرة العقل التناسلي (مقابل مركزة المادة في دائرة العقل المادي/الراسمالي؛ او مركزة العمل المبدع الخلاق في دائرة العقل المبدع/الخلاق).

    ربما يفسر هذا الكثير عن فشل السودانيون منذ الاستقلال!
    فضمور بنية العقل المادي/الرأسمالي المنوط به بناء فائض االثروة الواجبة لبناء دولة رخية ومتماسكة وعادلة تفسح بدورها مجالات وفرص لتطور بنية العقل الخلاق للابتكار في شتي المجالات _ في ظل سيادة بنية العقل التناسلي _ هو اس تخلف السودان، وسائر المجتمعات شبيهة التكوين.
    لا ادري من هو هذا البروف المشار اليه في المقال، ولكن نتيجة هذا التحليل اعلاه نشره المفكر الشيخ محمد الشيخ قبل 25 سنة. ويمكن قرائته مجانا في الانترنت.

    مع التقدير والاحترام.

  2. استمعت للمقطع و ما لفت نظري هو أن كل سافر إلى الدول الغربية يعمل مقارنة بين تلك الدول و السودان فيبدأ بالهجوم على السودانيين بعد المقارنة. هذا الكلام غير صحيح ربنا خلقنا شعوبا و قبائل يعني كل شعب و كل قبيلة بتختلف عن الثانية و الاختلاف ليس في الشكل فقط بل في العادات و التقاليد و اللهجهات و كما ذكرت الأستاذة شريفة أسوأ شيئ إنو الإنسان يعمم في حاجة صغيرة و يشمل كل البلد
    حرارتنا أحسنا لينا من برودة ناس دمهمهم تقيل

  3. ومن سلبيات الزول انه يطلق الكلام على عواهنه دون الاستناد على بحث او استبيات او دراسةويتساوى فى ذلك الامى والبروف .من لم يغادرمسقط راسه ومن يفترض انه تشرب بكثير من التجارب خلال تجواله واحتكاكه بصفوة الشعوب المتقدمة فى شتى المجالات ……اليس ماذكرنا اعلاه يشابه احكام البروف ؟ من الصعب بل من المستحيل ان نقول مثلما قال ونعممها على الجميع باستخدام الحدس اوالانطباع الشخصى علاوة على التعميم المضلل دون ان نعتمدعلى دراسات ميدانية يجريها مختصون تعتمد على عينات عشوائية او مختارة حسب ما تقتضى اهداف البحث واخضاعها للتحليل بوسائله الملائمة وبناء على نتائجها نستطيع ان نقول ان الشعب السودانى كذا او كذا بناءعلى نسب مئوية…لكن مع ذلك ان المتفق عليه ودونما حاجة الى بحث او دراسة هو اننا لا نحترم الانظمة والقيودونفضل ان نقضى حوائجنا خارج اطار (النظام والقانون) وهى سمة ربماتكون بقيةالسلبيات نتيجة طبيعية لها فما نزال مجتمعا تتجذر فينا البداوة رغم تعليمنا ونيل الكثيرين لارفع الدرجات العلمية … والله اعلم

  4. استمعت للمقطع و ما لفت نظري هو أن كل سافر إلى الدول الغربية يعمل مقارنة بين تلك الدول و السودان فيبدأ بالهجوم على السودانيين بعد المقارنة. هذا الكلام غير صحيح ربنا خلقنا شعوبا و قبائل يعني كل شعب و كل قبيلة بتختلف عن الثانية و الاختلاف ليس في الشكل فقط بل في العادات و التقاليد و اللهجهات و كما ذكرت الأستاذة شريفة أسوأ شيئ إنو الإنسان يعمم في حاجة صغيرة و يشمل كل البلد
    حرارتنا أحسنا لينا من برودة ناس دمهمهم تقيل

  5. ومن سلبيات الزول انه يطلق الكلام على عواهنه دون الاستناد على بحث او استبيات او دراسةويتساوى فى ذلك الامى والبروف .من لم يغادرمسقط راسه ومن يفترض انه تشرب بكثير من التجارب خلال تجواله واحتكاكه بصفوة الشعوب المتقدمة فى شتى المجالات ……اليس ماذكرنا اعلاه يشابه احكام البروف ؟ من الصعب بل من المستحيل ان نقول مثلما قال ونعممها على الجميع باستخدام الحدس اوالانطباع الشخصى علاوة على التعميم المضلل دون ان نعتمدعلى دراسات ميدانية يجريها مختصون تعتمد على عينات عشوائية او مختارة حسب ما تقتضى اهداف البحث واخضاعها للتحليل بوسائله الملائمة وبناء على نتائجها نستطيع ان نقول ان الشعب السودانى كذا او كذا بناءعلى نسب مئوية…لكن مع ذلك ان المتفق عليه ودونما حاجة الى بحث او دراسة هو اننا لا نحترم الانظمة والقيودونفضل ان نقضى حوائجنا خارج اطار (النظام والقانون) وهى سمة ربماتكون بقيةالسلبيات نتيجة طبيعية لها فما نزال مجتمعا تتجذر فينا البداوة رغم تعليمنا ونيل الكثيرين لارفع الدرجات العلمية … والله اعلم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..