طفلة تبكي من اجل اوباما

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا خبر طفلة أمريكية عمرها حوالي ثماني سنوات ظلت تبكي بحرقة حين أبلغتها جدتها أن الفترة الثانية لولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما توشك على الانتهاء و انه لا شك ذاهب من منصبه قريبا. و رغم ما بذلت هذه الجدة من جهود لتهدئة حفيدتها بإخبارها أن أوباما لا يستطع البقاء في سدة الحكم اكثر من ولايتين اثنتين كما يقضي الدستور الأمريكي إلا أن تلك الطفلة لم تكن على استعداد لاستيعاب ما تقوله جدتها و ارتفع صوتها بالصياح معبرة عن عدم تقبلها للفكرة حينما أرادت جدتها من قبيل تطييب خاطرها إقناعها أن بإمكانها التصويت لرئيس جديد خلفا لأوباما عندما يجئ موعد الانتخابات قريبا ولكنها رفضت الفكرة جملة و تفصيلا وطلبت من جدتها كتابة خطاب لأوباما لإثنائه عن فكرة ترك الرئاسة لغيره. اشعر اني اجد لهذه الصغيرة العذر في ما بدر منها من انفعال فلعلها استشعرت بحدسها الغض و مشاعرها الرقيقة أن لبلادها رئيسا يملأ العين و يسر القلب و يحق لها أن تفخر به ، فما الذي يدعوه إلى الرحيل إذن؟
و لدت هذه الطفلة و ترعرعت في عهد أوباما و بالتالي صُعب عليها أن ترى رئيسا آخر مكانه ربما لأسباب خاصة بها و هي بعدُ صغيرة لا تدرك الأشياء على نحو جيد. ولكن صغار وكبار أفريقيا و العالم العربي على حد سواء ظلوا يبكون سنين عددا لا لفراق رؤسائهم و إنما لإصرار هؤلاء الرؤساء على البقاء فوق رؤوسهم و جماجم من بقي من أهلهم شاءوا أم أبوا ، فكم من رئيس أفريقي أو عربي طابت له الجلسة على كرسي الحكم فأوعز لمؤيديه ومناصريه بتعديل الدستور لإطالة أمد حكمه و تمديده متى ما شاء له التمديد رغم وضوح دستور بلاده وما تقتضيه قوانينها، فكثير من أمثال هؤلاء الرؤساء يعتقدون انهم قد أوتوا الحكمة و فصل الخطاب و أن البلاد بعدهم سوف ينفرط عقدها و تتقسم إلى دويلات وأن حالتها الاقتصادية سوف تسوء إلى حد يأكل الناس بعضهم بعضا و أن الاستعمار الجديد سيعود اليها بمجرد تركه للحكم و غير ذلك من مبررات واهية لتحقيق هدف البقاء في الحكم ، و يصيب جنون العظمة آخرين كالقذافي الذي بلغ به الغرور حدا جعله يطلق على نفسه ملك ملوك أفريقيا و أتى بأمور تقدح كثيرا في أهليته للحكم وفي صفته رئيسا لبلد تاريخه النضالي معروف كما حاول بعضهم إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء بتنصيب نفسه إمبراطورا لبلاده مثل جان بيدل بوكاسا رئيس أفريقيا الوسطى الأسبق و لم يدرك احدهم انه لم يكن طوال سنى حكمه لا يفهم ما يبديه شعبه من مشاعر تجاهه كالهارب زين العابدين بن على الذي اطلق عبارته الشهيرة ” الآن فهمتكم ” ، الآن و قد كنت قبلها تسيم الناس أنواع العذاب ؟ لم يكن أمام هذا الرئيس غير الهرب حين ازفت ساعة الحسم والحساب. أما الفرعون محمد حسنى مبارك فقد كاد أن يورث احد أبنائه الحكم لولا ثورة الشباب التي أطاحت به وزمرته و ها هو علي عبد الله صالح كالثور في مستودع الخزف يعيث في بلاده تخريبا بمجرد خلعه عن الحكم و هي بلاد لم تكن تحتاج لمن يخربها أصلا ثم يطل علينا نيرون سوريا ليخبرنا انه يعتقد جازما أن التاريخ سيكتب انه كان منقذا لبلاده ، نعم هكذا بلا خجل ومواربة فلم يعد هناك ما يُخجل منه و قد رأى كل العالم و لما يزل يشهد ما حدث ويحدث من فظائع و تقتيل يومي بشكل تجاوز كل حدود ولم يشهد له العلم مثيلا في السنوات الأخيرة. و يعتقد روبرت موجابي الذي بلغ من العمر عتيا و لم يعد يستطيع التمييز بين الأشياء و انهارت عملة بلاده إلى درجة انك تحتاج إلى جوال من العملة المحلية لشراء كيلو من البطاطس انه الأقدر على حكم البلاد رضي البيض أم أبوا فهو يقول استفزازا لهم انه يمسح حذاءه الأسود بمناديل بيضاء( أو كما قال في رواية أخرى).أما الرئيس اليوغندي يوري موسفيني فقد ضاق ذرعا بأكثر المرشحين قدرة على منافسته في الانتخابات المزمع إجراؤها في بلاده هذه الأيام فكان السجن ثم الإقامة الجبرية مصيره و لما تبدأ الانتخابات بعد وهو فائز بها لا محالة كما تدل كل القرائن و بذلك يكون قد بدأ الدورة الخامسة من رئاسته لهذا البلد المنكوب و ثمة أمثلة أخرى من إفريقيا و العالم العربي كما لا يخفى عليكم. أما سفاح العالم الأعظم رئيس كوريا الشمالية الذي يقتل من يشاء كيفما يشاء ووقتما يشاء دون أن يرف له جفن حتى و لو كان المقتول زوج عمته فلا أتصور كيف يكون حال شعبه اذا قدر له التخلص من هذا الوحش الكاسر ، لا مراء أن صيحات فرحهم الهيستيرية ستطبق كل الآفاق وقتذاك.
و تبدو الصورة مغايرة تماما في الجهة الأخرى من العالم فلقد ذهب بيير ترودو من هذه الدنيا وقد أصيب في أواخر عمره بمرض الزهايمر دون أن يدري أن التاريخ قد سجل انه اعظم رئيس وزراء في تاريخ كندا و على الدرب ذاته ذهبت مارجريت تاتشر و لكنها تبقى في ذاكرة مواطنيها أنها المرأة الحديدية وأول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة و أنها حفظت لبلادها توازنها و مكانتها في العالم في اكثر ظروفه تعقيدا قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي وسيذهب أوباما كغيره من رؤساء أمريكا و سيذكر له الناس انه أول رئيس اسود في تاريخ الولايات المتحدة و ليس هذا هو المهم و لكن الأهم هو انه كان واحدا من أكثرهم ذكاء ومن ثم يبقى بكاء هذه الطفلة طرفة تحكى لها حينما تكبر فهي تعيش في بلد مستقبلها فيه مؤمن (بإذن الله طبعا) و لا خوف عليها مما يخبئه المستقبل ، وبالمناسبة فقد حكي أخي مكي نورين أن جده لأمه اعتاد أن يجلس مع مجموعة من سكان حيهم بالرهد للأنس في الفترة المسائية وبينما هم كذلك في احد الأيام اخذ طفل احد الجيران في البكاء بصوت مرتفع فطلب جد الأخ مكي من والده الذي كان حضورا أن يسكته لئلا يفسد عليهم (ونستهم) فكان رد والد الطفل ( يا بخيت اخوي أولاد المساكين كمان في البكا ما يشبعوا خلي الولد يبكي ياخي) أعود و أقول ختاما أننا في العالمين العربي والأفريقي شبعنا بكاء و أن يوم فرحنا آت قريبا لا محالة، أو هكذا نحلم .
يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا yassom واضح انو ديل نفرين بعرفو بعض و بهظروا مع بعض ، إنت المساخة الليك شنو و لمن انت شجاع كدا قوم اقلب الحكومة انت ور يحنا و بعدين ياخي الارزاق بيد الله ما بيد إنسان عشان يقطعها و لا يخليها.

  2. يديك العافية أبو محمد
    في حالة مثل هذه الطفلة فربما أنها تفاعلت مع الرئيس أوباما بصورة عاطفية وإعجابها بشخصيته مظهريا وجذبتها النواحي الكارزمية بسطحية دون أن يكون لها الدراية بمؤسسية اختيار الرئيس والنظم التي تتبع في ذلك لأن ذلك فوق قدراتها العقلية كطفلة في الثامنة من العمر.
    أما المقارنة بينما يحدث في البلدان المتقدمة مواجهة لما يحدث في البلدان المتخلفة فالوسط الثقافي هو الذي يحكم ذلك فإبداء الرأي في الدول المتقدمة مبني على ثقافة تعتمد على المصالح فالفرد يتفاعل مع الوضع السياسي سواء في اختيار رئيس أو تأييد سياسة بناء على حريته والمدى الذي يمكن أن يحفظ له حقوقه ويحقق إشباعه لحاجاته. فالناس هناك تجمعهم مصالح مشتركة نظموا لتحقيقها هي التي تجعلهم يختاروا رئيس ما أو الوقوف بجانب سياسة ماء أو مشروع ما.
    أما الجانب الآخر من البلدان فالعلاقات وإبداء الرأي والوقوف بجانب مسألة أو قضية تحكما ثقافة الوسط التي تعتمد على الأنظمة القبلية المبنية على النظام الأبوي والفرد يتخذ قراره أو وقوفه بجانب قضية سياسية أو اختيار رئيس حسب ما تمليه عليه السلطة الأبوية التي تتنزل عليه من أعلى ولو أردنا تبيان ذلك نجد في الأنظمة الأبوية بدءاً بالأسرة أن المتحكم في الأسرة الأب هو الآمر الناهي ويتوسع ذلك لأعلى في سلطة رئيس العشيرة تدرجا للسلطة العليا في القبيلة التي تتنزل منها الأوامر الأعلى في هذه الحالة نجد أن الأفراد ينساقون لما يتنزل عليهم من أعلى ويحكمهم في ذلك ما يعرف بنظرية القطيع وفق لموروثات وعادات وتقاليد تكون وعيهم الجمعي ليس من السهل الفكاك منها.
    والأمثلة كثيرة بدءاً من تنظيماتنا الاجتماعية أندية أو فرق لكرة القدم أو منظمات جماهيرية نجد أن طاقم الأشخاص الذين يقومون بإدارة هذه النوع من المنظمات تقريباً في أغلب الأحوال ثابت لا يتغير تعقد الجمعيات العمومية والأفراد يصرون دائما لاختيار نفس الأوجه وهكذا يتدرج الأمر حتى نصل إلى أعلى مستويات الإدارة في البلاد.
    تقبلوا عذري إن كانت مداخلتي لم تكن متقنة بما فيه الكفاية نسبة للعجلة في الأمر ولكم تحيات جميعا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..