السودانيون في لبنان

السودانيون في لبنان
فيصل محمد صالح
هل هي المصادفة ام تخطيط قدري مسبق ذلك الذي قادني صباح أمس لأعبر من شارع الجامعة إلى شارع الجمهورية على مقربة من مباني الاتحاد العام للطلاب السودانيين المستلبة من اتحاد الكتاب السودانيين في يوليو 1989، حين دخلت في ذلك الشارع الجانبي استرعى انتباهي شاحنتين كبيرتين تقفان امام مبنى تابع للشرطة، وهي محملة بعشرات من النساء والرجال المقبوض عليهم في إطار ممارسة حكومية سودانية معروفة باسم “الكشة”.
وأولى ملاحظاتي هي عدم تطبيق الشرطة لأي “قواعد شرعية” مثل التي تطبقها في بعض المحلات والشوارع والحفلات، فالشاحنة الواحدة كانت تحمل المقبوض عليهم نساء ورجالا معا، ولا أعلم إن كانت الشرطة السودانية قد تبنت سياسة المساواة بين الجنسين أم أن ذلك شيئا جديدا. وكانت الوجوه تكشف عن أغلبية ظاهرة بين المقبوض عليهم لبعض أبناء دول الجوار. ثم عندما وصلت لمباني الجوازات القريبة من البنك الزراعي كانت ستات الشاي والفطور في حالة هلع وجري فقد وصلهم الإعلان بوصول الكشة.
لا أعلم ما حدث بعد ذلك، ولا أظن أننا نحتاج أن نعلم، فالقصة معروفة ببدايتها. ولا أظن أن الشرطة قدمت الشوكولاتة والمشروبات الباردة للمقبوض عليهم، وأعلمتهم بحقوقهم ووفرت لهم حق الاتصال بسفاراتهم إن كانوا من دول الجوار، أو بأسرهم ومحاميهم إن كانوا من أبناء وطن الحبيب!
ثم يمكنك أن تدخل على هذه القصة من أي باب تريد، من حقوق الناس والبشر في تلمس طرق العيش الشريف، وحق اللجوء الذي تقره القوانين الدولية، وحق المشتبه بهم والمتهمين ، لو كانوا كذلك، في معاملة إنسانية تحترم آدمتهم وترأف بنفوسهم المكسورة وضعفهم الذي لا يخفى على أحد. ولا تنسى أن فيهم من أدركه قول الحق تعالى “الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها “، فقرروا أن لا يستسلموا فهاجروا في أرض الله الواسعة هربا من الظلم في بلادهم، فإذا بالظلم يواجههم هنا.
أرجعت البصر كرتين فوردت لخاطري صورة لما تعرض له اللاجئون السودانيون في لبنان من معاملة قاسية وظلم بين استباح نفوسهم وأجسادهم المتعبة وأهان كرامتهم، وعجبت لبلادهم التي لا تتحرك ولا تحاول حمايتهم، في حين فعلت ذلك الصحافة اللبنانية فناصرتهم وتبنت قضتهم وأخرجتها للرأي العام، وأحرجت الحكومتين السودانية واللبنانية واضطرتهم للتحرك العاجل لمعالجة القضية. وحمدت للوساط الإعلامية الحديثة ومنها الانترنت والمواقع السودانية، خاصة “سودانيز أونلاين” أنه تبنى الحملة حتى أوصل صوت اللاجئين كل مكان، بما في ذلك الصحافة والبرلمان اللبنانيين.
لكن أزعجني التعميم المخل الذي جعل كل لبنان مسؤولا عن ماحدث، وحرض على الوجود الللبناني ، حكوميا أو فرديا كان، ودعا لجعله هدفا لحملة مقاطعة، بل للطرد من البلاد. وتخيلت مواقع لدول الجوار تتحدث عن ماساة لاجئيها في السودان وما يتعرضون له، ثم تحمل الشعب السوداني كله مسؤولية ماحدث ويطالبون بطرده من بلادهم ومقاطعته….الخ
الشعوب العربية والإفريقية هي شعوب مقهورة، وغالبا ما يتعرض الشعب نفسه من سلطات بلاده لمعاملة تشبه، وربما تفوق سوءا، تلك التي يلقاها الوافدون والأجانب. لذلك من المعيب أن نجعلها هدفا لحملة كراهية لا تبقي ولا تذر، وقد نجد أنفسنا ايضا موضعا لحملة كراهية مماثلة بسبب أحداث مماثلة، فاين المفر؟
الاخبار
والله لو بيدنا مش نطردن بس والله نحرقن في الشارع. الظاهر عليك انت ما بتعرف الاشكال دي. ارجو منك ان تقوم بزياره هذا الدول ليس كصحفي ولكن كمواطن عادي وبعد ما ترجع تعال احكي لنا .