فلتطبق الشريعة الآن…وليس غدا

بسم الله الرحمن الرحيم

فلتطبق الشريعة الآن…وليس غدا

محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق )
[email protected]

لقد سئمنا والله من هذه الأقوال والمواقف المهترئة التي ينضح بها الحزب الحاكم ، صباح مساء ، حتى أن المتابع للشأن السوداني ، ويلم حقا بتاريخ هذا البلد يكاد أن يجزم بأن هذا الحزب ، بأناسه ، إنما أتوا من عالم آخر غير هذا الوطن.
في مطلع السبعينات كنا ننتقد النظام الحاكم آنذاك عبر خشبة المسرح القومي ومن خلال المنابر الأخرى وكان غالبا ما يستجيب لبعض المطالب لعلمه بأحقيتها ومنطقيتها وأنها حقوق مكفولة للشعب. وبالرغم من أن النظام كان شموليا واستبداديا إلا أنه كان يعتبر ، بالمقاييس الحالية ، مثاليا ، مقارنة بالنظام الحالي ، ذلك أنه لم يشع الفساد في الأرض ولم يشتري الخدمة العامة ولا الذمم والضمائر ولم يبع الجيش ، ولم يفصل الوطن عن بعضه وظل القضاء مستقلا ونزيها نوعا ما وأحتفظ بسيادة البلاد كاملة وأكمل بعض من مشوار العزة والكرامة لهذا البلد ، وكان السياسي سياسيا والتقنوقراط ، كما هو، يؤدي واجبه الموكول به فقط وكل ينال حقه دون تغول . في ذلك الزمان كانت العقول نيرة تضع الوطن في حدقات أعينها وتخفق له قلوبها، ورغم اختلاف الآراء لم يفسد الود والدفء ولم يختلط الحابل بالنابل وفوق كل هذا وذاك، لم تدمر البني التحتية ولا المشاريع القومية ، وكانت الهوية واحدة معروفة ومتماسكة وبالرغم من أنه كان نظاما أشد قوة وبأسا إلا أنه كان ” أرحم” و” أفهم” بكثير للقضايا الوطنية من هذا النظام.
أنا والله لا أفهم ، ماذا يريد الحزب الحاكم .. هل هو يدعو إلي الله أم يدعو إلي نفسه ؟!. نحن نري لسان حاله يقول ” هلم إلينا وأنت ” الكسبان”. وكيف لا والذمم والضمائر والأصوات عنده تباع وتشتري . أليس هذا ما صرح به أحد كبراءهم مؤخرا بقوله ” أن التنظيم السياسي في تعريفهم فيه زيادة لكسب الفرد”. هي بالطبع ليست زيادة في العلم أو الفكر ولا حتى شحنة إضافية موجبة في حب الوطن والذود عنه وإنما هي مجرد كسب مادي و”شخشخة جيوب” مقابل تأييد وحماية النظام . هذا أقصي ما لديهم من العلم وهذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها .
إنني لأري سودانا جديدا قد تكون بالفعل، ليس السودان الذي كان يحلم به الراحل ” قرنق”ولا الذي يريده هذا الشعب وإنما سودان المؤتمر الوطني ، سودان البؤس والشقاء والتخلف العقلي والفساد. ولماذا لا والذين يحكمونه لا يعرفون من الدنيا إلا نصيبهم فيها فقط ولا يعرفون للرحمة بابا ولا لحسن الخلق مدخلا ومتكأ ، ولم يصيبوا أو يتعلموا ولو جزءا يسيرا من تلك الشمائل التي تحلي بها رسول هذه الأمة ، صلي الله عليه وسلم ، بل أن نصيبهم من ” الفظاظة” وشطط الرأي قد بلغ مبلغه وبات التخبط في تصريحاتهم وقراراتهم ملحوظا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
بالعودة إلي موضوع الشريعة ، فقد ظل الحزب الحاكم يردد ،مرارا وتكرارا ولا زال : سـ ” نطبق الشريعة ” وأبقي علي هذه النغمة الرتيبة سنينا وشهورا ،وإلي يومنا هذا، وزاد التهديد والوعيد حتى ظننا أن تطبيق الشريعة بطرحهم هذا هو كمثل الإتيان بالناس إلي حيث ما لا يريدون وهذا ليس صحيحا بالطبع فليتهم طبقوها علي أنفسهم أولا حتى نتيقن أن فعلهم مطابق لقولهم ، فالحاكم أولي بأن يتبع إن أبقي علي الحدود التي حددتها الشريعة للناس ، فالشريعة اعتقاد وتطبيق وهي مكمل لباقي العبادات ولا تحتاج إلي ” مكملات” خارجية أخري مثل إقحامها ضمن البرامج السياسية وتكوين أحزاب ” متخصصة”لها حتى تصبح محل تسويف أو ابتزاز من قبل الساسة ، بل هي أبسط وأيسر من أن تطبق ، لمن يعتقد بها حقا .
من منا لا يرضي بتطبيق الشريعة طالما هو مسلم؟. وكيف لا وأي مسلم بسيط منا يتمني أن يطبق شرع الله- كما أمر- اليوم … والآن… وليس غدا . أقلها أن يحفظ حقه ويأمن علي نفسه وأهله ويمارس كل حقوقه التي كفلها الله لعباده . أليس قول الحق من الحقوق الواجبة علي المسلم لأخيه المسلم ، بل وغير المسلم؟. أليس نصح ولي الأمر ومناصحته من الحقوق الواجبة بين الحاكم والمحكوم؟ أليست حرية الرأي والتعبير والاعتقاد اختيارا وليس جبرا من الحقوق التي كفلها لله لعباده؟ ولكن.. !! … أني لنا أن نتنفس نسيم الحرية ونذق طعم العدالة وحقوقنا كلها مسلوبة والفهم المطروح علينا قول بلا فعل؟!.
في غياب ” وعي” الدولة ? هذا إذا كان هناك ” دولة” باقية بعد ? ونأيها عن تطبيق واجباتها الشرعية أمام الله وأمام الناس ، فإن أبسط ما يقوم به المسلم العادي هو تطبيق شرع الله علي نفسه وأهله ، ثم في حياته اليومية علي قدر علمه واستطاعته ، آملا في مرضاة الله ، دون تدخل أو دعم من الحكومة ويبقي علي الحاكم ، إن أراد ، أن يصلح ” بيته” أولا ويكون مثلا يحتذي . ولأن كل الشواهد التي نراها ونسمعها من الحزب الحاكم الآن تقول بعكس ذلك ، فلا ضرورة إذن للتأكيد علي ما هو مؤكد ، من أننا نعيش ” تخاريف” سياسية من عقول ” مشوشة” ليس لها هدف إلا الحفاظ علي مكاسبها الشخصية وحماية شخوصها من أن تطالها يد العدالة ? ليس عدالة المحكمة الجنائية ? وإنما عدالة السماء التي أتت بها نفس الشريعة التي ينادون بتطبيقها وأصبح المطلوب منا أن نساعدها علي ذلك بالسمع والطاعة ودون مساءلتها? وفقا لأحكام الشريعة ? وإن لم يكن ، فبالتهديد والإكراه. هذا هو الهدف الأوحد للحزب الحاكم ، وكما نري، ليس للوطن ولا لأهله أي نصيب فيه إلا أن ينصاعوا صاغرين .
إن أكبر دليل أدان به النظام نفسه هو أنه أباح الفساد بكل أشكاله وألوانه
ولم يعد ممكنا محاسبته أو معاقبته إلا أن يبدأ بمحاسبة أعلى هرمه ، أو…أن يؤتي بغيره ولا يكون مثله .
ولأن التهديد بتطبيق الشريعة يزداد يوما بعد يوم دون فعل يذكر ، فمن المؤكد أن الحزب الحاكم قد أدخل نفسه بنفسه في جحر ضب لا مندوحة من الخروج منه إلا وهو فاعل ما يدعو إليه لتوه و إلا مات في جحره. تماما كالذي أراد أن يتوب غدا ويرجئ ذلك في كل مرة حتى وافته منيته وهو لم يتب بعد ، أو كمثل ذاك الذي قال وهو ينازع سكرات الموت” إني تبت الآن ” فكان مصيره إلي الهلاك
إن هذا التردد ،إن دل علي شيء ، فإنما يدل علي أن هذا الحزب خائر العزيمة ولا يقوي علي تطبيق الشريعة ? ليس كما يريد هو- وإنما كما أمر الله ، لأنه يعلم تماما أنها ستكون أول من يصيبه ، إن كان جادا ، مع أن الأولي بتطبيقها لابد أن يكون علي الحق قائما وللعدل باسطا ، لا تأخذه في الله لومة لائم وهذا من شيم أهل العزم وأولئك ليسوا منهم.
فليطبق الرئيس وزمرته الشريعة الآن … وفورا وليبدأوا بأنفسهم أولا … فردا فردا ، فدين الله ليس فيه استثناء ، ولا يحتمل الانتظار ولينظروا ماذا أصابوا من مخالفات في حق الشريعة نفسها وفي حق الناس ، ثم يحاسبوا أنفسهم ويقتصوا منها، كل حسب جرمه ، ساعتها سيفرح المؤمنون بنصر الله ويقولون: هؤلاء هم حكامنا الأبرار الأطهار!!.
الله وحده يعلم كيف سيكون حالنا في مقبل الأيام ، إن لم نبادر ونغير ما بأنفسنا فهو تعالي وحده الذي يقضي بالحق ،علي قدر المشيئة والنوايا والأعمال، ونحن نري الأمثلة الحية تتوالي من حولنا تباعا وكيف هي تجري المقادير علي الطغاة وهم يسقطون بيد شعوبهم واحدا تلو الآخر وقد كانوا من قبل يزدرونهم ويمارسون عليهم نفس القهر والصلف والتسلط وكأن الناس من أجلهم خلقوا.
وبعد ، هناك وقت ، طال أم قصر ، هو آت لا محالة وفي هذه السانحة ما علينا إلا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونولي وجوهنا حيثما أمرنا ، ونصبر إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، فهذا هو المخرج الوحيد للفوز والنصر والمدخل إلي الإنعتاق من ظلم الطغاة.
يا الله…يا الله .

الدمازين في :2011/03/24

محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق)
[email protected]

تعليق واحد

  1. المقال جميل وفيه نظرة فلسفية ظاهرة للناس التى كل ما تناصحها يردون الامر لشرع الله والشريعة ويكونون غالبا من اصحاب المظاهر اياها لحى واثواب قصيرة ونمشى ياجماعة المسجد عشان صلاة المغرب ماتفوتنا وبعد مقولتهم هذه تصمت وتدعو صاحب الشرع فى سرك يارب هل هم الذين يحافظون على شرعك ولا انا ومحمداحمد المسكين ولك فائق الشكر ياستاذ عبد المجيد للمقال الجيد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..