الصحافة السودانية تعيش حالة حصار!

محجوب محمد صالح

رغم أن ثورة المعلوماتية والتقنيات الجديدة قد تجاوزت حدود الزمان والمكان وأحالت العالم إلى قرية واحدة ?حقيقة لا مجازاً? ورغم أن العولمة قد سادت العالم سياسياً واقتصادياً مما أدى إلى تآكل سيادة الدولة القُطْرية فصدرت قوانين تطبق عالمياً على كل الدول وأُنشئت محاكم دولية امتد اختصاصها إلى داخل الدولة القُطْرية ?رغم ذلك كله فإن بعض الدول تعيش حبيسة الماضي أسيرة لممارسات عفا عليها الدهر وانتهى عمرها الافتراضي? فما معنى أن تفرض دولة ما رقابة على صحافتها الداخلية في وقت هي تعلم تمام العلم أن الأثير باتا مفتوحاً أمام الجميع وأنه يخاطب الناس داخل البيوت مخترقاً الحدود بلا استئذان، ناقلاً الحدث بصورته لحظة وقوعه متابعاً له بالشرح والتحليل ومعقباً عليه بما يشاء ? ولا تستطيع أي دولة أن تغلق تماماً مسالك هذا الوافد الجديد.
إن فرض الرقابة على الصحافة الورقية في بلد ما تحت هذه الظروف عبث لا طائل وراءه وجهد ضائع ونتائجه السالبة أكثر من أن تحصى وليس له من نتيجة واحدة إيجابية وضرره يعود على المجتمع وعلى الدولة وعلى الصحافة دون أن ينجح في تحقيق (التعتيم) الذي تهدف إليه السلطات الحاكمة.
الصحافة التي تُمارس ضدها هذه الإجراءات تضار من هذه السياسات بالطبع لأنها تفقد ثقة القارئ فالأحداث تقع والناس يسمعون بها والقنوات الفضائية تنقلها لحظة بلحظة ومواقع التواصل الاجتماعي تتابعها وتلاحقها والهواتف النقالة تبعث برسائلها بل وصحافة العالم الخارجي تنشرها تفصيلاً ? ثم يتلفت القارئ صباحاً فيجد صحيفته المحلية خالية من تلك الأحداث لأن مقص الرقيب جال في صفحاتها وصادر كل سطر يشير للحدث وكأنما الذين يرسمون هذه السياسات القاصرة يعتقدون أن الحدث إذا اختفى في صفحات الصحف المحلية فقد اختفى من الوجود ? القارئ يفقد ثقته في صحيفته ومصداقيتها لأنها لم تعد مصدر النبأ بالنسبة إليه وليس مكان التعليق الحر الذي يتجاوب مع واقعه وتتحول الصحافة إلى مجرد وريقات تحمل كلاماً فارغاً.

الصحافة السودانية ذات التاريخ الطويل تعاني الآن من هذا الواقع المرير فما عادت تعبر عن واقع الحياة في السودان وأزمتها اليوم أزمة مركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وهي تعيش حالة حصار يتهدد مستقبلها بصورة غير مسبوقة.

وهي لا تعاني من الرقابة القبلية فحسب بل إن الحصار يطال كل مراحل صدورها فالكتاب والصحافيون يمنعون من الكتابة والنُسخ المطبوعة تصادر من المطابع والصحف تُمنع من الصدور بقرار إداري ولم يحدث في تاريخها الحديث الحافل بالمضايقات من السلطات أن تعرضت لكل هذه العقوبات في وقت واحد ? والمنع من الكتابة يصادر حقاً أساسيا للمواطن بل هو واقع ينتهك حق الصحافي في ممارسة مهنته، ومصادرة الصحف بعد طباعتها هي عقوبة القصد وراءها إلحاق خسائر مالية بمهنه تعاني أساساً من موقف اقتصادي سيئ وإغلاق الصحيفة بقرار إداري بعيداً عن مبدأ الاحتكام القضاء هو حكم بالإعدام على الصحيفة.

والآن ورغم كل هذه الأزمات ذات الطابع السياسي باتت الصحافة السودانية مواجهة بأزمة أشد خطورة هي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهدد المؤسسات الصحافية السودانية بالانهيار وقد ظهرت مؤشرات هذا الانهيار جلية عندما اضطرت بعض الصحف للتوقف عن الصدور بل وتصفية أعمالها بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها وهي جزء من الأزمة الشاملة التي يعيش فيها السودان منذ فقدت عائدات نفط الجنوب الذي انفصل عنه، وقد انخفضت قيمة الجنيه السوداني إلى نصف ما كانت عليه ونتيجة لذلك تضاعفت تكلفة إنتاج الصحيفة وما عاد عائد بيعها يساوي إلا جزءاً يسيراً من تلك التكلفة وعائد الإعلان متواضع ومرشح لمزيد من الانخفاض بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد وتوزيع الإعلان أصلاً لا يتم على قاعدة من الإنصاف والقارئ المحاصر اقتصادياً بالغلاء المتزايد لا يحتمل زيادة سعر الصحيفة، والنتيجة الحتمية لهذا الحصار السياسي والاقتصادي أن توقفت صحف عن الصدور وشرعت في تصفية أعمالها وهناك صحف أخرى مهددة بنفس المصير ولجأت صحف أخرى (لتخفيض العمالة) ضغطاً للإنفاق مما أدى إلى تشريد العشرات من الصحافيين، والعاملون منهم ما باتوا يضمنون الحصول على رواتبهم، ونحن عندما نتحدث عن الصحافة السودانية إنما نتحدث عن مؤسسة تجاوز عمرها القرن من الزمان لعبت دوراً رائداً في التوعية والتنوير وفي بناء الحركة الوطنية وتحقيق الاستقلال وفي الدفاع عن الحقوق والدعوة للحوار الوطني وللاستنارة وللعدالة والتنمية ولكنها تجد نفسها الآن تواجه حصاراً يهدد حياتها فهل نسمح لهذه التداعيات أن تقود لانهيارها تماماً؟ هذا سؤال يشغل بال الكثيرين وليس في الأفق بوادر إجابة شافية له.

محجوب محمد صالح
كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. اذا اردنا اسقاط نظام دكتاتوري يجب علينا ان نقوم بهذه المهام الاربعه
    -تعزيز الشعوب المضهده في تصميمها وعزيمتهاوثقتها بنفسها ومهارات المقاومه
    -تعزيز جماعات وموسسات الشعوب المضهده الاجتماعيه المستقله
    -خلق قوه مقاومه داخليه قويه
    -وضع خطط تحرر استراتيجيه حكيمه وكبيره وتنفيزها بمهاره

  2. الاستاذ محجوب صحافه ايه وانت واحد من رجالات الصحافه السودانيه التى ربت اجيال واجيال على عدم الانتماء لوطن اسمه السودان فتحنا اعيننا وانتم تتطبلون للعسكر تارة للساده تارتا اخرى , دوركم هزيل فى توعيه الناس فى معرفه الحقوق وكيفية التمسك بها بل انتم اهل الصحافه متخازلون فى مساله الحقوق اين نقابتكم منذ عهد الاستقلال الاول الى الان لا مكان لكم فى الخرطه الحياتية السودانيه , شغلكم وضح بعد العولمه والمقارنه واضحه , بالله عليك طالع سحر السودانى وما يفعل فى الراكوبه .

  3. عيب نلوم الأستاذ بدون معرفة تاريخه يجب ألايحاسب على أخطاء غيره / أدناه قليل مماذكر

    في لقاء له بصحيفة الشرق الأوسط عقب حصوله على جائزة عالمية :-

    (( * هل تذكر اول نشاط صحافي قمت به.. خبر كتبته؟

    ـ لا اذكر أول خبر كتبته.. ولكن اول مقال كتبته كان عمري «12» عاما في صفحة الطلاب بصحيفة «السودان» اختارتني الصحيفة وانا طالب في المرحلة الوسطى للمشاركة في تحريرها، فقد انتقدت نظار المدارس في ذلك الوقت، وكان رد الفعل ان جلدني المدير «40» جلدة، ومنذ ذلك الوقت استمر جلدي حتى الان، ارتباطي بالصحافة ارتباط رأي، ولكني بدأت الممارسة بالخبر، وكان التزاوج بين الخبر والرأي هو الهدف الاساسي لنا انا وبشير محمد سعيد من اصدار صحيفة «الايام»، لاننا قدرنا ان المرحلة تتطلب الخروج من صحافة الرأي فقط.

    * كم مرة تم اعتقالكم في مشواركم الصحافي؟

    ـ خلال النظم الديمقراطية تعرضنا الى التحقيقات والمحاكمات بسبب اخطاء نشر عادية، تعرضنا للغرامات، وقمنا يتسوية قضايا قبل ان تصل الى النهاية، اما خلال النظم العسكرية فاننا تعرضنا الى الاعتقالات التحفظية، والزامنا بالحضور الى جهاز الامن وغيره من السلطات بشكل يومي يمكن ان تسميه شكلاً من اشكال الاعتقالات ايضا، لقد تعرض احد الصحافيين السودانيين في احد هذه النظم، قام بسرقة مستند مالي من بنك السودان له قيمة خبرية ونشره فقدم الى المحاكمة بتهمة «الحصول على مال مسروق»، لانه لا توجد مادة في القوانين السارية انذاك تدين الصحافي في حال تسريبه مستنداً رسمياً. ))

  4. الاستاذ الجليل محجوب محمد صالح
    تحية اجلال لشخصك الكريم و قلمك الشريف
    نتفق معك ان الصحافة و الصحفيين يتعرضون لضغوط اقتصادية و رقابية هائلة ، و لكن يجب الا يفوت على الحصيف ان جزء كبيرا من هذه الضغوط حادثة بفعل النظام و رغبته فى دفع الصحف و الصحفيين للهروب من المعركة على حد قول الاستاذ برقاوى فى احد مقالاته الحديثة . و يقينا ان النظام يضيق ذرعا بملاحقات الصحافة و الصحفيين و سوف يكون الاكثر سعادة باضراب الصحفيين و اغلاق الصحف و لو من قبيل اغلاق الباب البجيب الريح .
    الصحافة تشكل المؤسسة التى تضخ الاوكسوجين فى رئة الحقيقة. و هي النور الذى يضئ الانفاق المظلمة . و اضراب الصحفيين او اغلاق الصحف سوف يؤدى الى خنق الحقيقة و من ثم موتها ، و الى سيادة الظلام .
    و عليه يجب معالجة النواحى الاقتصادية التى تواجه الصحافة و الصحفيين بما يمكن من الاستمرار و التطوير .
    وفى هذا نقترح انشاء صندوق دعم الصحافة و الصحفيين على ان يوضع تصرف لجنة مستقلة يشكلها الصحفيون و تتكون موارده المالية من المصادر الاتية :
    1-2 % من ايرادات الصحف و المجلات المحلية .
    2- 1/2 % من ايردات ديوان الزكاة .
    3- 1/2 % من ارباح البنوك و الصرافات .
    4- أي ايرادات اخرى يقررها اتحاد الصحفيين .
    و يتبرع الاغبش و بلا مقابل باعداد النظام المالى و الاداري و الهيكل التنظيمى و الوظيفى و اعداد المهام و المسئوليات للعاملين و اعداد الميزانية التقديرية للصندوق ، وذلك اعترافا بالجميل لهذا القطاع النبيل الذى اعطى فاوفى .

  5. شخصت العلة ياهرم الصحافة السودانية وأستاذ الاجيال,,, التحية لك وإنت دوما في قلب المعركة ضد
    – ضد الاستعمار وضد نظام عبود ومايو مرورا بحضيض الانقاذ الحالي شكرا علي هذا المقال -الصرخة- من أجل حرية الكلمة والصحافة ومن أجل واقع صحفي أفضل ,,, شكرا لك ياهرم فإنت منار يضئ في زمن ردئ ..زمن ضياء الدين بلال والهندي وأحمد البلال وتيتاوي وغيرهم من الدمامل التي طفحت علي جسد الصحافة
    ………..

  6. شكرا لك ياهرم الصحافة على هذا المقال الجيد الذى يدق جرس الانذار بقرب نهاية الصحافة الورقية فى السودان … ولكن اسمح لى ان اسألك :لماذا تريد ان تكون الصحافة السودانية متقدمة ومرتاحة خلافا لكل شىء فى السودان ..اين الزراعة ؟ واين الصناعة؟واين السكة حديد ؟ واين الخدمة المدنية ؟واين القضاء؟ بل اين التعليم والعلاج ؟ كل هذه المؤسسات انهارت واصبحت فى خبر كان فى ظل هذا النظام المدمر
    ثم اين كانت الصحافة السودانية طوال الربع قرن الماضى !؟ انها كانت تطبل وتزمر لهؤلاء المجرمين وتزين لهم اعمالهم وممارساتهم القمعية حتى تفرعنواواصبحوا لايطيقون كلمة نقد واحدة واصبحت الصحف السودانية عبارة عن نشرات حكومية .. والآن تريد ان تدعى الاستقلالية بعد خراب مالطا؟ فات الأوان للاسف .. ومن اعان ظالما سلطه الله عليه.. اما نحن فلا نريد اى صحافة سودانية حاليا لأننا لانثق فيها اصلا وخليها تنهار مع المؤسسات التى عملوا مع النظام على انهيارها وتفكيكها.. وكفاية علينا نعرف اخبار السودان من الاعلام الخارجى كما تعودنا دائما.. لأنه اكثر مصداقية وامانة من الاعلام السودانى..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..