(شووون نوووق)

البيوت كثيرة جداً، أذكر منها البيوت الآمنة والمطمئنة التي يعيشها أهلها في سعادة دائمة وهناء مقيم.. الساكنة والمسكونة بشقيها الإنسي والجني.. المشقوقة.. المايلة والآيلة للسقوط ويريد أن ينقض.. البيوت المحمية من الآفات الزراعية.. بيت الشِعر وهو صدر وعجز القصيدة.. بيت الشَعر عبارة عن خيمة نُسجت من وبر الحيوان ليستريح فيها الإنسان.. بيت الدود وهو القبر.. بيت المندي اسم مطعم مشهور.. بيت الداء هو شر الوعاء (البطن).. بيت الكباب به أحلي المشويات.. بيت المال بنك ومستودع المسلمين وأحد أحياء أمدرمان.. بيت الصحة، بيت الدواء اسمان لصيدليتين.. بيت الكلاوي يعني كل ما هو مفيد.
(أهل البيت) خاص بأفضل البشر.. بيت العيلة.. بيت العرس.. بيت العزاء..بيت الجيران.. بيت العمدة.. بيت الطين قصر خرافي لشخصية مشهورة.. بيت الشيخ.. بيت العنكبوت.. بيت الداية.. بيت الحكيم.. بيت النظارة.. بيت السيف (الغِمِد).. بيت الزجاج.. بيت الميرغني، بيت المهدي. أسرتيهما.. بيت القصيد.
في الأمثلة الآنفة بلا استثناء لا يمكن إطلاق المنزل بديلاً للبيت مع أن أنهما مترادفتين، والمانع من نطقهما التعذر والثقل.. وعند تقدمك بطلب وظيفة ترى بين طيات الشروط: إجادة اللغة الفلانية أو العلانية كتابة وتحدثاً، والكلمات المترادفة لا تتفق الكتابة مع النطق، مثال ذلك يصعب عليك قول: بيت العرس لـ (منزل) العرس.. وبيت العنكبوت لـ (منزل) العنكبوت.. وبيت الدود لـ (منزل) الدود وهكذا دواليك.
(شووون نوووق) حسب علمي باللغة النوبية له أكثر من معنى، الكلمتين بالترجمة الحرفية شوو: الخطاب، الجواب، الشوق، الحب، (الحجاب ـ التميمة).. نوووق معناه البيت.
(شووون نوووق) عبارة عن (محفظة) ذات جيوب متعددة مصنوعة من الجلد، يعلق بحبل متدل داخل ثياب المرأة المسنة (الأمهات والجدات والقاعدات من النساء) لحفظ الأشياء الثمينة كالمجوهرات والنقود، ولا أعرف لذلك سبباً لأن السرقات كانت نادرة إن لم تكن معدومة.. أبوابنا كانت مفتوحة لا توصد.. بهائمنا ترعى بلا خوف ولا وجل وسط الذئاب الحقيقية.. حبوبنا وثمارنا من نخيل وفواكه في العراء بلا حراسة.. ولأن (الجواب) كان كل المشاهدة وليس نصفها في ذلك الوقت كان يحفظ فيها ولذا سمي بذات الاسم.. الجواب كان له طعم خاص ولساعي البريد مكانة كبيرة.. الجواب كان بمثابة كل وسائل التواصل الحديثة اليوم، المرئي منها والمقروء بل أكثر محنة وشوقاً، قلوب الناس أصبحت قاسية كالحجارة بل أشد قسوة والصورة والصوت حلتا مكان الزيارة وقربتا المسافات وبعدتا القلوب.
(شووون نوووق) كان المكان الآمن والدافئ لـ (الجواب) ويحمل إلينا كل جميل وبشرى سارة، أسرار.. صور.. فلوس.. (دهبل اتنينقا واعددقي.. عديلة وو بوستة ـ بوسطة ـ انكاقيقي) اللواري والمراكب والحمير المخصصة لتوصيل البريد كانت مكان حفاوة وتقدير.. دور متناقض، تفاؤل وتشاؤم.. في ذاك الزمن الجميل والأغر والأمين (كيس) البريد بمحتوياته النفيسة بالساعات يترك على قارعة الطريق دون مساس.
أسرار البيوت قديماً كانت مصانة لأن قلوب الناس كانت صافية.. نقية.. سليمة غير مثقوبة..
أتمنى عودة النساء للأيام الخوالي وترك شنط الكتف واليد العجيبة والثمينة من الفراء وجلود النمر والأسد والتمساح والرجوع لجلد البقر والخراف والماعز لصنع (شووون نوووق) ولمنع ظاهرة خطف (الموبايلات)، وقتها حتماً ستعود الطيبة والمحبة التي فقدناها ردحاً طويلاً من الزمن، فهل أنتن فاعلات؟!.. أتمنى ذلك.
[email][email protected][/email]