مقالات سياسية

تعيش (حالتنا) الوطنية العظيمة !!

* فى امسية الخميس 20 اغسطس من عام 1998 دكت خمسة صواريخ كروز امريكية انطلقت من سفن فى البحر الأحمر مصنع (الشفاء للادوية البشرية والبيطرية) بمدينة الخرطوم بحرى، وذلك ضمن عملية عسكرية محدودة أطلقت عليها امريكا اسم (عملية الوصول اللانهائى)، استهدفت قواعد تنظيم القاعدة وحركة طالبان فى افغانستان ردا على عملية تفجير السفارتين الامريكتين فى كينيا وتنزانيا التى اسفرت عن وقوع 224 قتيلا من بينهم 12 امريكيا وجرح حوالى 5000 آخرين، ولقد تم قصف المصنع الذى كان مملوكا لصلاح ادريس بدعوى انه يساعد أسامة بن لادن رئيس تنظيم القاعدة فى صنع (غاز الاعصاب) رغم ضعف الأدلة التى قدمتها أمريكا على ذلك، ولقد رفضت الحكومة الامريكية الاعتذار عن القصف مرارا وتكرارا حيث انها لا تزال تعتقد بوجود علاقة بين المصنع وصناعة غاز الارهاب .. ولكن ليست هذه هى القصة !!

* القصة هى أننى فى نهار يوم السبت التالى مباشرة للقصف، وبعد ان طال انتظارى لعربة النفايات لتأتى وتأخذ النفايات من أمام المنزل ولم يحدث ذلك، ذهبت الى قسم النفايات بمركز صحى الهجرة الذى يقع على مقربة من المنزل وقابلت احد المسؤولين مشتكيا اليه تأخر العربة المستمر وعدم حضورها لأسبوعيين متتاليين الأمر الذى أدى لتراكم النفايات .. وسردتُ على مسامعه قصة طويلة جدا عن الضرر الذى يمكن أن يحدث من تراكم النفايات، كان خلالها يستمع بهدوء غريب، وما ان توقفت عن السرد ولقد ظننت انه وقع فى نفسه موقعا حسنا لدقة المعلومات الصحية التى تضمنها، حتى باغتنى قائلا: ” يا زول البلد فى حالة حرب، نفايات شنو الجاييى تتكلم عنها؟”

* حاولت جاهدا بعد هذه الإجابة العبقرية للرجل لـ(التحلل) من مسؤولياته، أن اوضح له ان العدوان الغاشم قد انتهى بتدمير مصنع الشفاء، ولقد أعلن ذلك الرئيس الأمريكى بيل كلنتون نفسه فى مؤتمر صحفى مباشر بعد الغزو الصاروخى، كما أننى لم اسمع بأن دولتنا الفتية أعلنت الحرب على أمريكا أو حتى التعبئة العامة، إلا ان كل ذلك لم يُجد نفعا وظل الرجل متشبثا بموقفه حتى آخر حرف نطقتُ به، فلم أجد شيئا أفعله سوى التوكل على الحى الدائم والذهاب الى حال سبيلى، ولكن أصدقكم القول أننى بتُ بين الشك واليقين أن الرجل ربما يكون محقا فى ما قاله فأى نفايات أتحدث عنها بينما ستتحول كل البلد الى نفايات إذا أعلنت أمريكا الحرب عليها !!

* تذكرت هذه القصة التى مر عليها 17 عاما عجافا وأنا أرى اتحادنا العظيم (الاتحاد العام للصحفيين السودانيين) وهو يجاهد بكل ما لديه من طاقات وإمكانيات وجهود وجلاليب وعِمم ضخمة ناصعة البياض وشالات مزخرفة على اروع ما يكون، على كافة الاصعدة والجبهات الوطنية والخارجية، يقود الوساطات بين الفرقاء السودانيين فى الداخل والخارج، ويجتهد فى لملمة الشمل، وإسكات طبول الحرب المدوية، وإخماد نيرانها المستعرة، ويشكل حضورا لافتاً فى كل المؤتمرات العالمية الداعية والداعمة لاحترام حقوق الانسان وترسيخ حرية التعبير مدبجاً الخطب النضالية الرهيبة، ويشارك أخيرا فى مؤتمر الحوار الوطنى بكل ما فى دفاتر فكره المتقد من أفكار وطنية عظيمة وكل مافى قواميس لغاته من كلمات رنانة ذات أثر بليغ فى نفوس المستمعين، الأمر الذى يستحق عليه أبلغ عبارات الشكر والثناء والاجلال والإكبار والتعظيم .. ولا شك أن هذه (المشغوليات الوطنية الجسيمة) هى ما شغلت اتحادنا العظيم عن المطالبة بحقوق الصحفيين المهضومة فى بطن هذا الشخص او تلك الجهة !!

* تخيلت نفسى واقفا أمام رئيس هذا الاتحاد العظيم متحدثا عن حقوق الصحفيين الضائعة وملقياً على مسامعه خطبة طويلة عن الحقوق والأمانات وهو يستمع بهدوء شديد، وما أن انتهى من حديثى حتى يباغتنى قائلا: ” يا زول البلد فى حالة حوار وطنى جامع، حقوق صحفيين شنو الجاييى تتكلم عنها، وأمانات شنو، وقروش شنو، ده وقت حقوق وقروش؟”

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. استاذ زهير السراج احترامي وتقديري لما تكتبه فقط انوه وصلنا الي هذه الحاله لان النقابات باضراباتها الكثيرة بعد صمت 16سنة في الديمقراطية الثالثه مطالبة بمطالبها لتحقق فورا وكان لدي الديمقراطية لديها عصا موسي مع اننا لتونا خارجين من حكم شمولي وبين من اضربوا نقابة البياطرة وكان النقابات تحالفت مع الانقلاب القادم او كانها هيات له المسرح فكيف نبكي الان وقد اهدرنا حقوقنا بعقوقنا واكثر ما اخشاه ان مد الله في الايام ورحلت الانقاذ ان تدور نفس النقابات ولو من القبور مطالبة بحقوقها لربع قرن او يزيد …انني علي يقين ان ما فعلته الانقاذ بالنقابات كان محسوبا بدقه لانها راس الرمح الحلقة الجهنمية وما استكانت الانقاذ الا بعد اطمانت واستانست النقابا فهل نعي الدرس لما هو قادم ام نلحق بركب الاقليم المضطرب

  2. شكرًا على المقال المختصر والمفيد، بمناسبة النفايات توجد فى الحى الذى أعيشه فيه ومن أميز الاحياء العاصمة ، نفايات متجمعة منذ العيد عيد الأضحى وعندما ذهبت شاكيا للمسئول وشركته له مفصلا عن الذباب والفئران والكوليرا الخ … ولم ارى اي ردود فعل لشكوتى ، ذهبت للعمال وبالمناسبة هم جالسين بدون عمل ووقفت اتفق معهم لجمع النفايات ، وعندها حضر المسؤول وأغلظ لى القول باننى اعلم الأولاد ان يعملوا فقط للذى يدفع لهم ، صديقي يبدوا ان نفس الشخص الذى قابلته ذلك اليوم تم نقله للحى عندنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..