الفقر وبيع الأعضاء

حزنت والله وأنا أقرأ خبراً في “الأهرام” أمس عن ضبط الشرطة في مطار الخرطوم لشاب كان في طريقه للقاهرة لبيع كليته بمبلغ “8” آلاف دولار.
ما دفع هذا الشاب وثلة من الشباب الآخرين لركوب الدروب الصعبة بالتأكيد سيكون أصعب من هذه المسالك، وبالتأكيد سيكون الفقر الذي يرزح تحته نصف الشعب السوداني وفق الإحصائيات الرسمية.
الشعب السوداني بلغ منه الفقر مبلغاً أن يبيع أجزاء من جسمه ليعيش بقية الجسد لحين مماته في ظل دولة لا تهتم بالمواطن، وتبيع له خدمات العلاج والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات التي تحترم آدمية الإنسان وتعتبر من أبسط حقوقه على دولة يدفع لها جميع الضرائب.
وللملاحظة فقط لم أجد منتمياً لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ضمن من يرزحون تحت خط الفقر هذا، رغم أن الحزب يحمل النهج الإسلامي والمساواة والعدل والرحمة شعاراً لكنها تظل شعارات معلقة في الهواء لا تنزلها إلى أرض الواقع مؤسسات الحزب والدولة اللصيقة بالمواطنين.
نسب للإمام عليًّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وبالتأكيد لم يقل العبارة دون قصد، ولكن لعلمه بأن الفقر باب واسع يدخل منه الشيطان إلى قلوب ذوي النفوس الضعيفة ويسول لها ارتكاب المعاصي والآثام ويقودها بالتفكير إلى اتيان كل شيء للخروج من دائرته حتى لو كان ببيع “كلية أو عين أو حتى قلب”، إذ أن 8 آلآف دولار يمكن أن تفعل لفقير الكثير جداً مما لا تفعله الدولة من تعليم أو علاج.
بيع الأعضاء تحت سطوة الفقر كنا نشاهده في الأفلام الهندية القديمة كممارسة يفرضها العوز وما كنا نتوقع أن نشهدها واقعاً ملموساً بيننا في يوم من الأيام في السودان الذي كانت تمتد فيه ثمانية مناخات متباينة تكفل لإنسانه الحياة الكريمة قبل أن يتدهور اقتصاده ويصل الحال بالدولار أن يبلغ نحو 11 ألف جنيه متضاعفاً أكثر من 500 ضعف خلال أقل من 20 عاماً.
والغريب أنه في ذات الوقت الذي يبيع فيه الفقراء أعضاءهم ويسرقون دجاجة ليأكلونها ويخطفون حقنة أنسولين من إحدى الصيدليات بعد أن عجزوا عن دفع ثمنها نجد أن هناك من ينهب من مال الدولة المليارات ويقوم ببساطة برد جزء منها عبر فرية التحلل ويمضي دون أن يساءل حتى!!.
يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر)، وينسب لمسؤول في بلدية نيويورك قوله (إذا نفق عصفور في حديقة سنترال بارك لشعرت بالمسؤولية)، فهل يستشعر مسؤولونا مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم الذين يعانون ويلات الجوع والمرض والعوز والحاجة في معظم أنحاء السودان.
كان على وزيرة الرعاية الاجتماعية أن تخرج للعلن وفي يدها استقالتها ودموعها تبلل خديها حسرة على فشلها في النهوض بمهمها في رعاية المواطنين اجتماعياً وتلتمس العز والسماح من كل الفقراء في البلاد خاصة وأن وزارتها تشرف على 23 جهة تعمل على إخراج المواطنين من تحت دائرة الفقر منذ سنوات، ولكن دائرة الفقر تتسع كل يوم لتبتلع آخرين مع العلم أن الداخل إليها لا يجد طريقاً للخروج أبداً.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. قيل إذا رأيت فقيرا فى بلاد المسلمين فاعلم إن هناك غنيا سرق ماله….. لعنةالله على كل من سرق ومازال يسرق من قوت الشعب السودانى وربنا ينتقم منهم جميعا ويجعل ما سرقوهوا أن يدخل عليهم بالساحق والماحق والبلاء المتلاحق ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..