لغة التبرير وقهقهة العالم

بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
*(نحن اليوم نفكر أكثر مما نشعر،
لذلك أعتقد أننا فاسدون إلى حد ما..).
– مكسيم غوركي-
.. أمام بؤس العالم الذي نحن فيه نضطر في كثير من الأحيان أن نبرر لأنفسنا أشياء كثيرة.. فمرة نمتهن الصمت لغة تفصح عن كثير من مكنونات النفس، وثانية نمارس لعبة الحياة، كما لو أنها شيء مبتكر وجديد، على الرغم من أن الرحى نفس الرحى منذ أن وجد الإنسان، ونحن المطحونون أيضاً منذ وعينا وضعنا بمزيد من الإحساس.. فحين لا تجد في زمنك ما يمكن أن يهبك لغة الموت، أو حتى الحياة بصدق، فأنك تبرر لنفسك كل ما تفتعله من أزمات -ذاتية أو وجودية- تبرر هي الأخرى مسألة الخروج من الزمن ومحاولة العيش خارجه.. وتلك تبدو مسألة لذيذة في أحيان كثيرة.
في كل يوم من حياتنا -هذه القاع التي مارس الزمن عليها لعبة التدمير- نخسر أشياء كثيرة.. البعض منا يلجأ إلي نوع من الإقناع (أو خداع النفس) في أن هذه الخسارة يوازيها ربح، مؤكداً أن هذا الربح يأتي من اكتساب (التجربة) .. وفات هذا البعض أن ثمن التجربة هو انسحاق العظام واشتعال الأعصاب.. وإن عمرنا احتراق دائم.
نحن وجدنا في هذا الكون المتسع الشامل لنحيا لا لنعيش فقط.. وإن – نحيا- يعني أن نعانق هذا الوجود بكل ما فيه.. ولكن العملية تبدو لنا خسراناً أيضا، ذلك أن الجزء الأكبر من حياتنا نستنزفه في أشياء لا تثري هذه الحياة بقدر ما هي عامل سلب فيها وفي تركيب وجودنا.. أن شطراً كبيراً من هذه الحياة – حياتنا نحن- نصرفه في الدفاع عن النفس: الدفاع عن النفس مع المجتمع.. مع زملاء العمل، وحتى الأصدقاء!.. ولو تنبه كل واحد منا إلي هذه -الساعات الهباء- المستنزفة قسراً من حياتنا اليومية، لأدرك مدى الخسران الذي سأصيب به ، ولوعى حقيقة موقعه في هذا العالم.
التمرد؟؟
لغة أخرى إبتدعناها لأنفسنا لنبرر الضيق الذي نحن فيه.. ولكن هذا التمرد لم يحقق تفاعله بشكل واع في حياتنا، ولم تترسب منه في قاع هذه الحياة إلا أشياء لا تعدو كونها أصداف محار فارغ كثيراً ما نعمد إلي التلهي بها في ساعات السأم.
إزاء وضعنا الإنساني هذا، وإزاء حالة النفي التي نعيشها عن أنفسنا، وعن كل شيء نود أن نمارسه برغبة وحرية كما هو موجود بحرية.. إزاء هذا هل ننسحب من العالم؟ .. هل نركن إلي مسافات الذهول نتسلى بما في طريقها من أحلام هي أحلام مخمورين عاشرهم جنون العصر؟.. هل ندع الأسى يسكننا وكأننا بذلك غابة تأوى إليها كل الأعشاب المنفية؟
أعتقد اننا إذ نفعل ذلك نرتكب خطيئة أخرى.. خيانة كبرى.. فذلك يعني نفي صلتنا بالوجود.
ما الحل إذن ؟
الحل عندي أقوله لكم:
إن نلقي الأقنعة التي أظهرتنا بوجوه مستعارة، ونواجه أنفسنا كما لو كنا في غرف نومنا، ونخرج للشارع بهذه العقلية، ونتكلم بلغتنا نحن، نكون الصوت لا الصدى، والكيان لا الظل.. أن نبدأ محاكمة أنفسنا لأننا من إرتكب أكبر ذنب في هذا العصر المجنون، ولأننا لا زلنا نحتمي بقيم القرون الأولى، معتقدين، بأي شكل من الأشكال، أنها هي الروح المعنوية التي تحفظ لنا توازن القيم.. وفاتنا أن ضحك العالم منا بلغ حد القهقهة…
كلمة أخيرة:
فمَنْ لا يعتبر وجودك مكسباً له….لا تعتبر غيابه خسارة لك.
ويقول وليام شكسبير:
من لا يُقدّرُ وجودكَ، لا تُعظّم غيابه.
[email][email protected][/email]