عن الربيع العربي .. ولكن ماذا عن صمتنا السوداني !

أسعد الأنظمة في محيطنا الإقليمي بالنتئج الكارثية السلبية للربيع العربي التي تحطمت عندها أجنحة أحلام شعوبها المفجوعة فيه .. هو نظام المؤتمر الوطني الحاكم عندنا في السودان وهو في ذات الوقت الأكثر إحساسا بالتعاسة لنجاحه المعقول في التجربة التونسية و تلك المعالجة الإستباقية العاقلة في مملكة المغرب !
كلنا بالطبع نتفق من واقع الحال في مساحات ذلك الربيع الغالبة بأن خبر الربيع كان صادما لمن تفاءلوا بمبتدئه !
بيد أن مواجهة الشعوب لذاتها قبل أن نحاكم القيادات السياسية والتي هي من صلب تلك الأمم تفرض عليها الإعتراف بأنها لم تكن تملك مفاهيم الحاسة الثورية المبنية على قاعدة المبادي التي يقوم عليها نظام دولة الشعوب في مكان دولة الرجل الواحد أو الحزب الأوحد أو النظام الشمولي .. ولا هي كانت مؤهلة في عمومها إلا ما ندربالقدر الكافي للإمساك بناصية الديمقراطية الحقيقية التي لا تقف عند حدود التصويت عبر الصناديق دون أن تتبع تلك الخطوة عزمات السير الصبور زمناً طويلا في براحات الحكم الديمقراطي لتعميق التجربة في شتى نواحيها الإجرائية ونضوج الممارسة وقبل ذلك الإيمان الصادق بالديمقراطية كمبدأ متأصل ومعان راسخة تنطلق وتثبت نجاعتها من داخل دور الأحزاب باعتماد نظام المؤسسية المنتخبة تخطيا للأسلوب التقليدي في توارث تلك الكيانات أو إخضاعها لفرضية الأمر الواقع في استمرارية قيادات متكلسة ليست قابلة لتجديد ريشها حتى تتمكن من مواكبة مستجدات الطيران في فضاءات الفعل الثوري الذي يقود الى منصة الديمقراطية بالتدوال الشفاف للسلطة سواء في الحزب أو في سدة الحكم تشريعيا وتنفيذيا تواضعا على قبول فصل السلطات الذي يصبح ضامنا لتوفر الحريات في تلك المناخات التي ستكون دون شك مبرأة من رياح الهيمنة لجهة بعينها على جهات أخرى هي في الأساس متساوية معها في حق المواطنة !
أهل الإنقاذ قالوا بالفم المليء بهواء السخرية أنهم باتوا أكثر قناعة بان إنقلابهم هو الربيع الحقيقي الذي إختزل لهم خوض مغامرة الديمقراطية غير مضمونة النتائج والتي تتطلب نفسا طويلا لاينسجم مع عجلتهم نحو كراسي السلطة وبسط سياسة التمكين التي خططوا لها مبكراً متسللين من فجوات وثقوب نظام النميري في غمرة عثرات تخبطه بعد أن خسر كل الحلفاء أو أقصاهم و بالتالي فشله في جذب القوى الطائفية والحزبية التقليدية الى المصالحة الو طنية التي نصب فخاخها فسقط فيها البعض ولكنهم نفدوا ببقية ريشهم قبل اكتمال عملية النتف !
ولعل ذلك التبرير الفطير هو في غاية التطابق مع تفكير بقية عقليات الإسلامين لاسيما المنتنطعين منهم والذين أرادوا أن يقفزوا على ظهور تلك الثورات الربيعية الغضة بالسياط والسيوف ومشاعل اللهب فعاثوا فسادا في حقول الأزاهير الوليدة و أحرقوا براعم بشرياتها قبل ان تشق الأرض وتتنفس خارجها وتحيا !
الناس في السودان منقسمون بالطبع ما بين من استسلم لدعاية النظام بان وجوده على علاته هو الضامن لعدم اشتعال الفوضى في حالة ذهابه وبين متفائل يرى أن شجرا يتحرك خلف غبار الصمت الساكن في شارع الوطن المستلب والمغبون ..بينما الكل متفقون دون شك إلا من له مصلحة مباشرة في بقاء الإنقاذ أن نظامها قد استنفد طاقته الدافعة للبقاء اللهم إلأ من هراوات أمنية مهلوعة يخفيها خلف ظهره المكشوف تحسبا لإنفجار.. أت لا محالة .. وما مسرحية الحوار الوطني التي لم يشهدها الكثير من الجمهور وباتت مملة حتى بالنسبة لممثليها الرئيسيين و غير ممتعة للكومبارس الهامشيين ..إلا من قبيل محاولة الهاء الناس عن توقد جمر الأزمات المفروش في كل طرقات الحياة المعيشية التي باتت بل وستكون الرافعة يوما ما لهتاف الحناجر التي عبأها زمن الإنقاذ بعبرات الشعور بالظلم الذي بات القاعدة التي يتبعها أهل الإسلام السياسي ومؤتمرهم الوطني مقابل حالة الإستثناء لشي اصبح معدوما إسمه العدالة !
نعم تحول الربيع العربي الى حريق في حصاد بيدر الثورات في بعض البلاد .. ورمادا ملتهبا تحت أقدام بعضها الحافية من خفي المعايشة الثورية في سابق عهد ربيعها المؤود أو المحتضر .. ولكنه دون شك هو مخاض يعتمل في وعي شعبنا الذي يعرف متى تكون لحظة الطلق .. فتصبح صرخة الميلاد الداوية قنبلة سيفر لزلزلتها أصحاب القلوب التي عميت عن ملامح ثورية هذا الشعب الهادئة الساكنة المتمهلة لا المهملة لحقوقها التي تؤخذ عنوة ولا ينتظرها أصحابها ليمتن عليهم من يمسك بمفاتيح محابسها مستحوذا بالقوة ..! وإن تطاول به الزمن مستأثرا بها حيث أتته خلسة ممن لا يملك لمن لا يستحق وهولا يعلم من فرط الغرور الذي يسد البصائر بغشاوة الغفلة ..أن الدولة لو دامت لغيره لما أتت اليه وكم من هالك جاهر بالديمومة متحديا شعبه فسحقته صاعقة الحقيقة التي نسيها أو تناسها عمدا ..!
الجريدة
[email][email protected][/email]