وجع وطن!

ينتابني وجع وطن من حين لآخر. يأتي فجاءة و بلا مقدمات . يبدأ باحلام متتالية عن أمكنة بقيت منقوشة بالذاكرة.
هل أنت في حاجة لتقصص رؤياك علي إخوتك ؟ لا أظن , فرؤيا الغريب واحدة و متكررة.مراتع الطفولة , أعني!
تزاملت في مكان العمل مرة مع لبناني . حكى لي أنه كان يعمل فيما مضي بمدينة جدة بالسعودية , فجأة إنتابه وجع وطن حاد , فأوقف تاكسي في شارع رئيسي بجدة وقال للسائق:
“خذني ع بيروت .” ظنه السائق مجنونا , ولكني صدقته عندما قال لي بأنه كان جادا جدا.
ماذا تفعل إن ذهبت لوطنك , ولم تجده ؟
ماهو الوطن ياغريب ؟ عرفٌه لي! حبيبات تراب ؟ جينات وراثية من بقايا الاسلاف ؟ أم أسم في طابعة بريد ؟ خطوط طول و عرض في خريطة قديمة معلقة بجدار باهت اللون ؟ أم ذكريات طفولة لم تشف منها و تجترها وأنت تائه في أوطان الآخرين ؟
قبور من تحب تتكاثر في وطنك .ويتناسل مكانهم آخرون , لا أحد منهم يعرفني . ياللسخرية, فقد أصبحت أخيرا غريبا هنا و غريبا هناك!
قل لي باالله عليك : ماذا لقيت من سفرك هذا ؟ غير أنك نسيت الحوت في مجمع بحرينك . وصرت تبحث عنه في بحار الآخرين . تبا لك !
المكان هو نفس الخط المتعرج علي خريطة الخرطوم , هو ذاته لم يتغيير ولكن تغير الزمان ,كم أكره التعابيرالمحفوظة, الكليشيه, مثل “مياه كثيرة جرت تحت الجسر” ولكن لابد من أستعمال بعضها أحيانا . دعنا نقل بأن مياه كثيرة مرت تحت الجسر , مليارات الاطنان من الماء مرت تحت الجسر , فهل ما زالت ذاكرة المكان تعرفني ؟
خذني ياصديق الي مكان كان مألوفا لي فيما مضي . كان الكل فيه يعرفني . الآن لا أحد فيه يعرفني! من القائل ؟ و ما المناسبة : ذهب الذين أحبهم *** و بقيت مثل السيف وحدي ?
ماعلينا . لنعد الي المكان . كان الكل يسميه شارع الغالي , وكانت الحكومة آنذاك تسميه شارع القصر جنوب . هل يا تري غيروا أسمه ألآن ؟ المحطات في الشارع كانت : محطة الغالي , التعاون , ال ظلط , حجازي.
زرت بعض الأحبة في مقابر فاروق ومنها غربا الي محطة الغالي ثم واصلت السير جنوبا بمحاذاة شارع الظلط , لم أتبين أين هي محطة التعاون . كيف ذلك ؟ وهناك كان يسكن صديق الدراسة علي . بعد تردد سألت أحد المارة , هل هذه هي محطة التعاون ؟ نظر إلي باستغراب وقال:
“لا دي محطة بشدار”
“كيف الكلام دا؟ ” قلت .
. تدخل عابر طريق آخر أكبر سنا وقال “أيوه زمان كان أسمها محطة التعاون .” شكرته و واصلت السير جنوبا, سمعت أذان صلاة المغرب . دخلت مسجد طيفور و تمنيت أن يقرأ الأمام سورة الكهف .
ما أخرجك عن وطنك يااباعازة ؟
حسين عبدالجليل
[email][email protected][/email]