القانون مابعد الحداثوي

هناك نقلة كبيرة مر بها العالم.. حيث نحن اليوم في عصر العولمة .. العولمة الاقتصادية والثقافية والأمنية والتكنولوجية والاعلامية …الخ ؛ حيث لا توجد ثقافة مركزية وطنية بل تصدير لثقافة أنجلو أمريكية مهيمنة تأخذ وتعطي وتتبادل مع الثقافات المجاورة ؛ إن العالم ينصهر أكثر وأكثر وكان لابد للقانون أن يقفز قفزات كبيرة هو أيضا ليواكب عصر ما بعد الحداثة ، حيث اللا حدود ؛ فعلى مستوى التجارة انتقلنا الى عصر التجارة الالكترونية وهكذا صارت عقود بيع وشراء السلع و الخدمات عقودا عابرة للقارات بحيث ينتفي فيها مكان وزمان مجلس العقد ، وصار على القانون عبء إيجاد حل لهذه المشكلة عبر عنصر الفرض في القاعدة القانونية. الأموال نفسها تغيرت من طابعها المادي الى كونها أموالا معنوية وكان على القانون أن يتغير من نظرته للحيازة المادية الى الحيازة المعنوية ، الجريمة عبرت القارات هي أيضا ؛ حيث أضحت وسائل الاتصال سهلة بين المساهمين فيها وانتقالهم أسهل فظهرت الجرائم الارهابية وأصبح مكان وقوع الجريمة هو الفضاء الافتراضي فظهرت جرائم الانترنت وكان على القانون أن يبدل نظرته الكلاسيكية الى نظرة تواكب واقعه الاجرامي الجديد. وسائل الإعلام بدأت تخرج عن السيطرة المركزية وكان على المجتمع الدولي أن يعمل جاهدا على ضبطها عبر التشريعات ، فكرة الحرية التي سادت في عصر الحداثة فقدت لمعانها ﻷنها صارت جزءا من الواقع وكان على القانون نفسه أن يكون ليبراليا فتخفف من المصلحة الجماعية الى المصلحة الفردية، رغم محاولات الأقليات اللاوضعية أي الأخلاقية جره الى ما قبل الحداثة أي إلى عهد الوصاية الجماعية على الفرد ، وهي محاولات مستميتة تتم باصرار لكنها ميتة وغير مؤثرة على مسيرة الليبرالية القانونية . يفقد القانون رويدا رويدا حدوده الاقليمية لحساب العولمة ، بدءا من المعاملات المدنية مرورا بعملية التشريع نفسها التي صارت موكولة للمجتمع الدولي حرفيا ، وانتهاء بأركان الجرائم والعقوبات ومبدأ الاقليمية. كان القانون -فيما سبق- قد تأثر بالمدارس الحداثوية التقدمية كالضوابط الماركسية في الملكية وعلاقة الحكومة بالشعب وعلاقة مؤسسات الدولة ببعضها البعض لكن هذه المدارس تراجعت لحساب العولمة والرأسمالية والحكومة المحدودة ، وهكذا تقدم القانون ليتماشى مع الواقع الجديد. وقد يبدو أن القانون يتأثر بالواقع أكثر مما يؤثر به ولكن هذا ليس صحيح كليا ، ﻷن القانون حين يتدخل يضع لمساته الخاصة فهو يضبط الواقع بما يجب أن يكون لا بما هو كائن ، وبالتالي فإن العلاقة علاقة تداخل وتبادل.

الجمعة 8 ابريل 2016

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..