أخبار السودان

اتساع محنة النخبة السودانية..!

ربما اللقاءات الصحفية وغيرها في حياة الناس الذين يتعاطون الشأن العام ، وما نقصده حصريا هنا السياسة دون غيرها من ضروب الشهرة والأضواء الأخرى اذ ليس المقام يتسع لمقالها هنا .
قد تمثل للغالبية منهم مجرد فرصة لبذر تمنياتهم و معها شعارات يشتتونها جزافا في مشارب طموحهم الى لفت الأنظار وليست أفكارا وثوابت تؤطر معالم نهجهم السياسي المحدد ، وهو ما يفتقر اليه أكثرية الساسة الذين يمتطون متون الأحزاب التقليدية عندنا ويستظلون بسند زعمائها دون أن يبحثوا حتى في دواخل ذواتهم عن برنامج معين قد لاتجد له أثرا لافتا في خطة الحزب كدستور تستطيع القواعد أن تبني عليه ارتباطا عقلانيا ، ينأى بها عن عاطفة الولاء التقليدي المرتبط بالبيوتات وأقطاب الطوائف في حدود شخوصهم وقدسيتها!
وعلى الجانب الآخر من الصورة فان الأحزاب التي قامت على ايدلوجيات عقائدية ، تفاوتت من أقصي اليسار في ريديكاليته الحمراء الى أقصى اليمين في ثيوقراطيته السياسية ، فانها هي الأخرى باتت على مدى تأرجح استقرارالسودان ومنذ الاستقلال تتلون وفق براجماتية تبرير الوسائل لبلوغ الغايات ان جاز لي التعبير!
ولكن ما يجمع بين تلك النخب أنها كثيرا ما تسبح بين الفترة والأخرى في خطابها سواء عبر اللقاءات المسموعة والمرئية أو المقروءة في اتجاهات متناقضة وتتجاذبها تيارات ليست منسجمة في مجرى واحد ، ولعلها قد تجد هي قبل غيرها معالم ذلك التبدل الذي لا توجد له الدوافع الكافية حتى مع فرضية تحول المراحل ، اذ ما رجعت لما قالته بالأمس و قارنته بما تنطق به اليوم!

في كتاب الزميل والأستاذ الكبير فتحي الضو
( محنة النخبة السودانية )
الذي صدر في اوائل التسعينيات مستعرضا مقابلات صحفية غطت الفترة من 1985 أى ما بعد انتفاضة ابريل والى ما بعد قيام انقلاب الجبهة الاسلامية العسكري بثلاث سنوات تقريبا !
لعل الكاتب بذكاء المستشرف لمستقبل المنزلقات التي كانت تقف عليها أرجل الوطن ، قد نصب فخاخا للتوثيق نسج خيوطها أبطالها باياديهم وبصموا على صفحاتها بالسنتهم ،و كلهم أو جلهم كانوا من النخب التي تقود دفة الأحداث وقتها ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!
ولعل أستقراء أفكار وأراء اولئك النخب قبل ما يزيد عن العشرين عاما والتي طرحوها على بساط فتحي وقتها ، اما وهم في موقع المسئؤلية المباشر وأما من الظل ومقارنتها بما يقولونه من مواقعهم الحالية ، كحكام أو معارضين ، يعكس حقيقة محنة نخبنا السياسية ، التي يكون لكل مقام لها فيه مقال ، تنقصه ثوابت المبدأ الوطني ، بقدرما يتلون ويتمطى وينكمش تبعا للمزاجية المصلحية المستخفة للعقل الجمعي ، وهذا ما جعل الأنا ..الضيقة دائما ولو كانت في بوتقة كيان ما ، تتغلب سريعا ودون تدرج منطقي على نحن ..الأوسع!
مما عصف بتماسك البنية والشكل العام لاطار العمل الوطني وأصبح مخلخلا وضعيفا فسقطت بالتالي صورة الوطن بين أرجل المصالح الذاتية السالبة التقاذف والقصيرة النظر والطائشة الأهداف ، ومشت عليها في تبادل الأدوار وحطمتها تلك الثنائية أو قل الحالة الفصامية التي مس عليها فتحي بايجاز معبر! ..
وهي الديكتاتورية وفشل الديمقراطيات ، انقلاب ومن بعده انتفاضة أو هيمنة طائفية و أفساد الحياة السياسية ، عدم تنمية يقابله تخلف أضف اليها لاحقا وبعد صدور الكتاب طبعا حروبا تنتهي بانفصال لتؤام سيامي مشترك القلب والكبد أو تصالح منقوص يلامس أهواء سدنة النتائئج ولا يغشى ضحايا الأسباب !
الى آخر تلك المنظومة التي باتت حملا ربما يتحمله الشعب الذي يصبر على العسكر الى ما لانهاية ويهمل الديمقراطية دون أن يصبر عليها ولو لمدة قصيرة ، مثلما قال الكاتب في سفره الذي رمى بحجر مبكر في ركود برك التأمل بعمق في تلك المحنة التى تكمل بقية مأساتها في كل مرة نخب الأشرار على كثرتهم وهم يتغولون سحقا ًعلى حرص القلة من الأخيار ، ولكّن القاسم المشترك بين الجميع انهم مصابون حسب وصف الكاتب بميليودراما النسيان
وذلك تعبير ايضا ملكيته الفكرية تنسب للصحفي النابه فتحي الضو ، لله دره من كاتب ، وكم يستحق كتابه أن يتصدر مكتبة كل مهتمٍ يجمع بين اصابعه خيوط الماضي ليعقدها مع خيوط الحاضر ، علنا نخرج بنسيج نرى من خلال ثقوبه ولو بصيص حكمة يقودنا الى مستقبل مشرق ، نرمي وراءها المحن ونتجاوز أصحابها من قبيل لكل زمان دول ورجال.

[email][email protected][/email] .

تعليق واحد

  1. الاستاذ محمد عبدالله برقاوي ( أبو ماهر ) أطال الله في عمرك ومتعك بالصحة والعافية مقال جميل وانيق ورصين وما فيش حد حا يفهم حاجة إلا يكون بعرف سياسة مش قارىء وانما يكون متابع للاحداث وناقش محنة وفشل النخب في السياسة السودانية

  2. غايتو يا أستاذ برقاوي ، المقال ده ما شبهك ، إلا لو ما كنت قاصدنا!!

    من كثرة متابعتنا لمقالاتك ، يخيل لنا إننا نعرفك من مدة ، فنتبسط معك و نرفع الكلفة ، و هذا بالطبع عائد لمواضيعك المعبرة التي تعكس واقعنا و تعبر عنا (القراء).

    أنا على قناعة إنك لديك رؤية مغايرة عن النخب ، و نتمنى أن تتناولها بمنظورك الخاص ، و الذي حتماً ، سيكون أقرب لرؤانا ، و دعك من أكليشيهات ناس …..

    بالصدفة نشأت في أسرة و أهل لا يتعاطون السياسة ، إلا ما ندر ، شأن غالب أسر السودان ، فالجميع كانوا يعرفون خصال و طبائع النخب السياسية ، و قواسمها المشتركة (التسلط ، الأنانية ،حب الظهور ، و الغيرة و الحسد من الجهة المنافسة و أيضاً داخل الحزب الواحد)

    معظم الخريجين الذين درسوا في الهند ، تجد بينهم ترابط و تواصل ، يندر أن تجد له مثيل ، و لا أعلم سبب ذلك ، و ما يميزهم إنهم يتناقلون المعرفة بين أجيالهم (الدفعات) ، حتى التي لم يعاصروها في الدراسة.

    مجموعة منهم ، حكت لي تجاربها لكسر طوق إحتكار النخب ، و لتبيان إنهم على حق ، ذكروا لي بأن أحد النخب بالخليج (رئيس النادي و الجالية) في أحد المناطق ، وجدوا إنه مدمن رئاسة ، رغم إنه كان لاتنطبق عليه صفات الرئاسة (القيادة) ، مثل الشفافية و عدم الأنانية ، و التفويض (عدم إحتكار السلطات) ، و الشورى ….إلخ.

    و عندما بدأوا بكسر الطوق ، بادر الكثيريين من الأعضاء بتأيدهم سراً ، و مع الزمن ، زاد التأيد و الدعم ، و تكشفت لهم حقائق عن شخصية رئيس النادي كشفها لهم الأعضاء.

    فقد ذكروا عنه ، إنه في بدايات ظهور التلفزيون (أبيض و أسود) ، إستطاع توفير تلفزيون لنادي البلد (كان التلفزيون الوحيد) ، و بالطبع كان إنحاز كبير يحمد للرجل ، و صادف أن جاءته بعثة خارجية في أوربا ، ففرح له أهل البلد و أقاموا الإحتفالات ، لكن …

    قرر أن (يلم) التلفزبون ، حنى يُحافظ عليه سليماً ، و عندما يعود ، سيعاود تشغيله لهم بالنادي.

    بعد البعثة ، سافر الخليج و عمل هناك ، و البلد حتى الآن منتظرة التلفزيون!!!

    يمكنك أن تغير في تفاصيل هذه الواقعة ، لكنها معيار لمعظم النخب ، لذلك أبتعد أكثر من 90% من الشعب السوداني من العمل العام (كبروا راسهم).

    الأمير نقد الله ربنا يواليه بالعافية ، ذكر لي أن أعضاء المكتب السياسي لحزب الأمة ، كانوا يناقشون المواضيع بنوع من الموضوعية ، و عندما يدخلون الإجتماع ، كأنما لم يناقشوا المواضيع و يبصمون على القرارات بدون نقاش ، و لما لين لهم أن هذا ليس من مصلحة الحزب و كثر نقده لهم ، شكلوا جبهة ضده ، و ناقشوه في أحد الإجتماعات ، بأنه لم يخدم الحزب كوزير (أعتقد كان وزيراً للأوقاف ، لا أذكر بالضبط) ، و تفاجأ الأمير نقد الله لهذا الفهم ، و كانت إجابته ، بأن الوزارة ملك للشعب السوداني و ليست لحزب الأمة فقط.

    كم كان لدينا مثل الأمير نقد الله ؟ لا يتعدون أصابع اليد في جميع الحقب!

    قبلنا منك ثناؤك على شوقي بدري ، لأنه رجل يستحق ، و له أسلوب متفرد ، و مجاله واسع ، يقدر يناطح الدكاترة و المثقفاتية و المتفيقهين ، و يقدر يصارع العتالة و صعاليك القهاوي و الب.. في جميع أنحاء العالم ، و الوحيد البيقدر على الفاتِيِات و القْواهِرْ ، و سكت حسين خوجلى لما قام يتنطع و حاب سيرة قهوة شديد ، و قَلبْ على رأسه ترابيز قهوة شديد العمره ما شافها.

    لكن ما عدا ذلك ، خاصةً في الكتاب المحترفين ، فعندنا رأي ، و هذا من حقنا ، لأنك تكتب لنا (القراء) ، لذا نحن شركاؤك لأننا المعنيين بالكتابة ، و أنت لا تتملق و لا تنافق القراء لذا نتقبل مواضيعك بصدر رحب.

    و أعذرنا إذا تمادينا في رفع الكلفة

  3. أخ أكرم

    لولا تعليقك ، لأصابتني عقدة نفسية ، و رغم أن الدكتورة أم أحمد حاولت تصلح الموضوع.

    كان يمكنه أن يكتب ما عودنا عليه و يخصص فقرة لموضعه هذا ، تحت عنوان شفرة برقاوي ، على وزن شفرة دافنشى ، لأنه الموضوع كأنه يريد توصيل رسالة معينة ، و في كل الأحوال ، رسالته هذه غير موجهة للعامة.

    د. عبد الله على لديه موضوع منشور حالياً بالراكوبة (بن خلدون) ، محشي بالمصطلحات! يعني موجه لفئة معينة و لا يريد مداخلات لكل من هب و دب ، إتجاه واحد ، و لا نريد لأستاذنا برقاوي أن يقترب من هذه المنطقة.

    و إذا كنا أخطأنا في الحكم عليه ، فهذا ما جناه عليه قلمه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..