ابن خلدون في خطاب الهوية السودانية

(ملخص البحث الذي سيقدمه الدكتور عبد الله علي إبراهيم لمؤتمر كتابة التاريخ العربي الذي ينظمه معهد الدوحة للأبحاث ودراسة السياسات ببيروت في العشر الأواخر من هذا الشهر)

استرجعت الورقة نص ابن خلدون عن تاريخ العرب والنوبة في القرن الرابع عشر الذي ذاع في خطاب الهوية السودانية المعاصر. فنسب ابن خلدون إلى عرب جهينة تخريب دولة النوبة المسيحية واستيطانها وملأها “عبثاً وفساداً”. ثم قال إنهم صاهروا ملوكها واستولوا على الحكم عن طريق عادة النوبة في توريث ابن الأخت. وانطبع من قول ابن خلدون إن العرب لم يكونوا غزاة قساة فحسب بل نهازيّ فرص. وصادفت هذه الشائنات هوي “أفارقة” السودان في خطاب الهوية المعاصر فنسبوا متاعب مواطنتهم في الدولة الوطنية القائمة إلى عيب خَلقِي تاريخي عربي.

عرضنا بالنقد لنص ابن خلدون على ضوء المعارف التاريخية والأنثربولجية والنفسانية المتراكمة التي ضعّفت وثوقيته تضعيفاً حتى قال المؤرخ أحمد الياس حسين إنه لم يبق بعده قِبْلُة للمؤرخين إلا بفضل شهرة كاتبه.

وبينت الورقة أغلاط ابن خلدون عن غلظة جهينة خالف فيها سائر معاصريه. ولم ننقض تخريب جهينة الخلدوني لننفي عامل القوة في تعريب السودان. ولكن لم ننظر لذلك التعريب في فعل السيف وحده

بل في ظله. فغَلب العرب للنوبة مما يصح تفسيره بالرجوع إلى عامل الشوكة شاملاً السيف وغيره من الديناميكيات. فأعتبرنا في الورقة دمغرافيا الطرفين، كعنصر في الشوكة، لنكشف عن تضعضع النوبة

ديمغرافياً تضعضعاً تلازم فيه وفود عربي غزير وتفريغ للنوبة بالرق الإسلامي. وعرضنا إلى معرفة التجار العرب والمعدنين للذهب بطرق النوبة وأهلها كشوكة. وكان الفقه الإسلامي شوكة أيضاً نظراً

للجدل الذي ثار حول ما إذا كانت النوبة دار حرب أم سلام، أم هدنة تكيفت به سياسات المسلمين تجاههم.

ثم أخذنا على الدارسين قبولهم العريض بتشخيص ابن خلدون لوراثة العرب حكم النوبة مصاهرة عن طريق عادة مزعومة لهم تورث ابن الأخت. وأوضحنا كيف ضرب المؤرخون صفحاً عن الطعن الجدي لهذا التشخيص بما ثبت منه أن الخلافة عند النوبة كانت من الأب للإبن والدلائل بغيرها غير قاطعة. ومن ثم عرضنا لتاريخ الولاية التي صارت غِلابا في النوبة المضطربة تحكمت فيها الدولة الإسلامية. فتعددت صور القرابات لطالبيها ولم تكن الخؤولة غير مفردة منها.

وأهم ما جئنا به في البحث هو الاستعانة بعلم الأنثروبولجي لمراجعة تاريخ ابن خلدون طالما كان مصطلحه، خط النسبة الأمومي (matrilineality) هو اختصاص هذا العلم. فزكينا النظر لمجتمعات تلك النسبة المعاصرة التي خضعت لتأثيرات الديانات الإبراهيمة أبوية النسبة والحداثة لنقف على استجابتها للتغيير في إرث الحكم وغيره من الجوانب التي لم يشتغل بها من اعتقدوا في نص ابن خلدون وأذاعوه. فوجدنا الأنثربولجي حسن أحمد صالح يلمح إلى أن هؤلاء العلماء ربما خلطوا بين إقامة الزوج بين أنسبائه (matrilocality) وبين قيام المجتمع على خط النسبة الأمومي. وخلصنا إلى أننا ربما لم نحمل هذا الخط الأمومي، لو ثبت أنه ممارسة نوبية، كعادة سلفت، بل لتغير في المجتمع اتفق للإنثروبولجيين حدوثه للجماعة تحت الحصار مثل النوبة تتحول به إلى النسبة للأم لإنشغال الرجال بتبعات الدفاع دون القوامة. وأزحنا خلطاً آخرا يستدل به دارج خطاب توريث النوبة بزعمه أن المحَنة بين الخال والولد في سودان اليوم أثر خالف من نظام النسبة الأمومي الأثري. وهذه المحنة معروفة بين الولد وخاله مطروقة في الأنثروبولجي وتعرف ب “avancularism” تسم نظام النسبة للأب أيضاً كما أوضح كلود ليفي إشتراوس بقوة.

ونظرنا لخطاب توريث ابن الأخت بما اتفق للخطاب الأنثوي المعاصر. فالقول بأن النوبة كانت تنسب للأم قبل قدوم العرب ربما كان من باب تأنيث المغلوب بإزاء الغازي الفحل. فبنى البحث على قول جوليا كريستيفا، الفرنسية المتخصصة في علم النفس، إن تأنيث الأخر هو تكتيك متبع للغزاة وأهل الشوكة. وعده آخرون باباً في”تفليك” العرب وتفحيلهم كمظهر من مظاهر ممارسة الإستشراق في قراءة تاريخ السودان.

ونظرنا لتمكث تاريخ ابن خلدون للإسلام والنوبة على هناته الكبرى على ضوء من استبقوه لأنهم وجدوه خادماً لأسطورة منشأهم. فصورة الصفوة العربية الإسلامية السودانية عن نفسها كموئل للتسامح كثمرة لقاح تاريخي سلمي أصلها في عقيدة توريث ابن الأخت المنسوب للنوبة. وغذت هذه الأسطورة كتابات الإنجليز عن العرب والنوبة التي تاثرت بمدرسة الووقش (Waggish) في تاريخهم. وهي المدرسة التي جعلت غزو النورماندي لإنجلترا مناسبة غراء للتبادل الثقافي الندي بين الغزاة والإنجليز الساكسونية. فوافقت غرض الصفوة السودانية.

وعرضنا لتمكث التاريخ الخلدوني فينا من جهة الخطاب الأنثوي المعاصر الذي رأى في توريث ابن الأخت نفوذاً تاريخياً كان للمرأة السودانية تلاشى بمجيء الإسلام القائم في نظام خط النسبة الأبوي. ورأينا كيف تقوت هذه العقيدة بمأثرة مظنونة في دولة كوش (1017 ق م إلى 350 م) في تعظيم النساء بقرينة حكم “الكنداكات” وهن أرامل الملوك أو أخواتهم. وبينّا على ضوء علم الأنثربولجي خلط الخطاب الأنثوي المعاصر بين النظام الأمومي (matriarchy) الذي حجتهم عليه حكم الكنداكات، ونظام خط النسبة الأمومي (matrilineal). فالنظام الأمومي إفترض سلطاناً مطلقاً للنساء في حين ثبت أنثروبولجياً أن مثل هذا المجتمع ضرب من الخيال لم يتنزل أصلاً. فلم يكن للمراة في نظام خط النسبة الأمومي سلطان سوى في مجرد النسبة للأم. وكان النظام أبوياً خالصاً فيما عدا ذلك.

وكان نهجنا في كل ذلك هو نهج التاريخ الحاضر لنزع فتيلة النص الخلدوني من نزاع الهوية السودانية المضرج.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. وين يا راجل ؟ إختفيت و قالوا “عاصر” في فراش الترابي. تقوم تكسر ركبة و تقعد لحدي الأربعين؟؟ إن شاء الله تكون حتيت “الوسخ”؟ هههه .. الله يجازيك يا شوقي بدري

  2. يا أخي لغتك هذه صعبة واستخدامك لمفدرات غامضة ربما قصد بها الفهلوية والتعالي لا يشجع القارئ في الاستمرار في القراءة وموضوعك ليس فيه اي جديد سوى الاختفاء خلف مصطلحات غامضة.. ابن خلدون ليس الوحيد الذي كتب عن تاريخ هذه الفترة لتحميل كتابه فشلكم في إدارة بلدكم .. التوريث عن طريق الام الذي حاولت وضع ثقل موضوعك عليه موضوع مفروغ منه وهو مؤكد ثابت وحتى اليوم معمول في بعض قبائل السودان وافريقيا فهو عادة موروثة قديمة جدا في وادي النيل ايضا ،، وانا شديد العجب لإن سودانيي اليوم يحملون فشلهم لتاريخ مضى رغم ان السودانيين في ماضييهم وفي جميع حقب تاريخهم ما كانوا بهذا الفشل وكانوا مجتمعا متجانسا مسالما يعيش في طيب من الحياة والامن والسلام والسودان في كل حقبه التاريحية كان يتقبل الهجرات .. يعني لم تشكل الهجرات مشكلة للسودانيين يوما؟

  3. يعني يا عبدو ابن خلدون دا افترى على قومه العرب ساكت و هم ناس كويسين.. ياخي العرب و دخولهم السودان مثل انقطاع بل و ركود حضاري و ردة للوراء كبيرة، و ثقافتهم و اسلوب عيشهم يمثل غطاء و سبب التخلف الذي يكبلنا حتى الآن

  4. تاريخنا يحتاج لقراءة نقدية واضحة وشجاعة،،، على أن يتحمل كل طرف مثالبه في مسيرة هذا التاريخ،، أما بعقليتنا الحساسة هذه التي تدعي الكمال ,وان تعتقد بعض القبائل أنها أفضل/ أو أنقى من الاخرى فسنظل نلف وندور وينظر الينا الغير نظرة دونية،،، ليس من حل لبناء وطن قوي في السودان الا بتبني نهج جديد يقوم على (( العصبية الوطنية السودانية)) فقد ذكر كثير من قدماء المؤرخين بأن عامل (( العصبية )) كان مهما وحاسما في بناء بعض الامم ،،،

  5. ابن خلدون قضي سنين عديدة في السلطة الزرقاء وعاشر حكامها.
    اما توريث ابن الاخت او الانثي الذي يكتب عنه كثيرا من قبل الباحثين الاجانب فغير وارد لا قبل الاسلام ولا بعده.
    كثير من قبائل شرق السودان رغم اسلامها لا تترك للمرأة نصسيبها من الورثة بل تخضع هذا للممارسات القبلية المتبعة عندهم منذ اقدم العصور, وهي ان المرأة لا ترث. من تقاليد هذه القبائل الا تشكو المرأة من حرمانها من حقها في الورثة.

  6. غالبية النوبة من سكان جبال النوبة هم ممن تبقى من سكان مملكتي النوبة المسيحيتين اللتان إزدهرتا في حوض النيل الأوسط في القرون الوسطى.. النوبة في الستينات وبعضهم حتى زماننا هذا يرثون عن طريق الخال .. ويعلو شأن الولد بعلو شأن خئولته لا آبائه .. ونحن قد عاصرنا شخصياً هذا وشهدنا الميرات ينتقل من الآباء إلى أبناء الأخت .. فإذا بك أنت البروفيسور تأتي لتقول بخلاف ذلك لا لشئ سوى لنزوة عروبية زائفة لا تتصل بك بسبب حقيقي .. وهي على أي حال منكورة عليك من الأقحاح!..

    وإبن خلدون إنما نقل ما نقله في مقدمته عن ممالك النوبة المسيحية من الرحالة إبن بطوطه الذي كان قد مر بمملكة المقرة في سنواتها الأخيرة حين كان يتنازع عرشها بعض من أمراء النوبة وأبناء ربيعة من أمهات نوبيات من العائلة المالكة أورثن عرش أخوانهن الملوك لأبنائهن من آبناء ربيعة .. وهذا أمر معروف ..

    في جبال النوبة نفسها تعيش اليوم أسر من المكوك من أصول عربية ورثوا المكوكية من أسلافهم من أمهات نوبيات وآباء (عرب) في سنوات متأخرة .. ويجدر بك إستقصاء ذلك من قبائل جبال النوبة .. والمشكلة أن المثقفين الشمالية من أمثالكم لم يسألوا حتى آبائهم عن سكان تلك الممالك التي قضى عليها المستعربين بالإسترقاق أو بخلافه أو ربما سألوا وعلموا وآثروا السكوت لشئ في نفس يعقوب .. أو ربما لإدعاء ما إدعيته في مقالك هذا!!

    أما عن الديانة الإبراهيمية للنوبة .. فالدين المسيحي كان دين ملوكهم كما قررت ذلك المصادر المسيحية التي لم تغفل تحليل عن تلك الحضارات وسكانها شئ بما في ذلك حياة الفلاحين في ريف الجزيرة الحالي وأسلوب معيشتهم وتدينهم .. ويفهم من تلك المصادر أن عامة الشعب في تلك الممالك كانوا يتبعون ديانة الكجور التي أخذت طابع الوحدانية المستمرة إلى اليوم عن ديانة ملوكهم المسيحيين خصوصاً في مملكة علوة ..

    أما إمتلاكك ناصية اللغة والحذلقة بها بهدف تغبيش الأمر على الناس كما رأيناه في مقالك فلا يغير من خطل الفكر الذي تريد تسويقه لغير السودانيين بالتأكيد وربما السودانيين أيضاً لتكريس الزيف العروبي في أنفسهم .. وشهاداتك الأكاديمية لا تفوّت علينا خطل ما تقول .. توخى قليل من صدق العلماء يا رجل ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..