مواقف ودروس مع الشيخ حسن الترابي

(1) في العام 1998 بعد مذكرة العشرة وما اثارته من ضجة واستفهامات ذهبنا الي مقر الامانة العامة للمؤتمر الوطني يومئذ لدعوة الشيخ حسن الترابي الي جامعة القران الكريم و اقامة ندوة عامة عن التوالي والحريات والوحدة الوطنية وكانت يومها تمثل هذه القضايا الشاغل الاكبر في الساحة السياسية ، اتفقنا معه علي عنوان الندوة ولم يجادلنا كثيراً ونزل علي الخيار الذي قدمناه له وترك لسكرتارية المكتب ترتيبات الندوة واتفقنا علي ساحة مسجد النيلين واتفقنا كذلك يومها مع ادارة المسجد بتأخير صلاة العشاء ، وحين حضر الشيخ في التوقيت سال عن الصلاة فقلت له ان الصلاة بعد الندوة ، فلم اري في حياتي غضباً مثل غضبه وقال لي من اعطاك هذا الحق ودون ان يلتفت الينا صعد الي المسجد مباشرة وصعدنا من خلفه سكوتاً وخجلاً ، في تلك الايام تواردت الانباء عن تمرد قوات رياك مشار ودخولها الغابة من جديد من بعد توقيعها اتفاقية الخرطوم للسلام وكانت الاجواء متوترة جداً في الخرطوم وهذا التوتر لم يكن غائباً عن الندوة يومها ففي اثناء الندوة حدث التماس كهربائي وانهارت اجزاء من الصيوان المحيط بمكان الندوة وعلت الاصوات بالصراخ والخوف علي حياة الشيخ واعتقد الناس ان حدثاً كبيراً قد حدث ، وكنت يومها اقرب الناس اليه في المنصة اقدمه للحضور والجماهير في تلك اللحظة امسك الشيخ الترابي بالميكرفون يطمئن الناس التي اخذ الخوف منها كل مكان ويهدئ من روعهم ويقول لهم ان ان الاحوال مستقرة ، كان ثابتاً كالجبال لم تجد ظنون وهواجس القادة بالتآمر عليهم مكاناً في قلبه ولم اري شجاعة مثل شجاعته يومئذ رغم ان للإنسان ساعة يكون فيها اكثر جبناً ولكنه كان اكثر شجاعة وكأن غسان كنفاني يقصده بقوله هو من الرجال الذين يذهبون الي الموت بلا خوف .

(2) في العام 2000 بعد احداث الرابع من رمضان وعدنا الشيخ الترابي بان اول حديثه بعد الاحداث سيكون عبر ندوة في جامعة القران الكريم وحين ذهبنا اليه لترتيب الندوة وجدنا ممانعة من سكرتارية الشيخ الترابي وعلمنا فيما بعد انهم فضلوا ان يطل الشيخ الترابي علي الناس من بوابة الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم ولم تجدي محاولات اهل القران الكريم مع سحر جامعة الخرطوم يومئذ ولكن لم يصيبنا الفتر واليأس ، وجدنا سانحة حينها ان تصل رسالتنا للشيخ الترابي ووعدنا بان الندوة القادمة ستكون في جامعة القران الكريم ، ولم يكن هناك اعلان اقوي لتلك للندوة من اعلان الشيخ الترابي وهو في ختام ندوة جامعة الخرطوم يقول من يريد ان يعرف الحقيقة ومن يريد ان يشمت في الحركة الاسلامية فليأتي الي غرب النيل في جامعة القران الكريم وكانت ندوة القران الكريم المشهورة التي حددت معالم المسير القادم للحركة الاسلامية ، حين ذهبنا اليه لتحديد عنوان الندوة طرح علينا عنوانين ، العنوان الاول تطور الابتلاء السياسي لحركة الاسلام في السودان ودولتها ، والعنوان الثاني تطور الابتلاء السياسي لحركة الاسلام في السودان وفضلنا العنوان الثاني ، كنت بجانبه اقدمه للناس والحضور ولم ازد كثيراً علي مقولة اهل الاصول ان المعروف لا يعرف ، كان في غاية الهدوء وكان في غاية التوتر رغم انه رجل المنابر بلا منازع لا تعوزه الحجة ولا يرهب المواجهات ولكن اعتقد ان احترامه للناس كان يفرض عليه هذا التوتر كانت رجليه لا تستقر يحركها طوال الندوة من غير تعب ، كان يحمل اوراق بين يديه مدون عليها عديد النقاط لكل عنوان لونه الخاص ينظر اليها عابراً يكاد يحفظها عن ظهر قلب وكنت اتابع معه اسرق النظرات للأوراق حتي عند خروجه عن النص المكتوب حين علت اصوات النساء وهو يتناول تاريخ المرأة في الحركة الاسلامية كان قمة في التركيز و الإجادة وهو يكافئ هذه الاصوات بحديثه الذي اثار ضجة عن الحور العين فبعض الافكار تأخذ معناها وحيويتها اذا جاءت في التوقيت الصحيح كما يقول باسترناك والشيخ الترابي كان دوماً يختار التوقيت الصحيح .

(3) في العام 2012 حدث حريق في مسيد الشيخ ادريس ود الارباب بالعيلفون والشيخ الترابي يكن حباً للعيلفون وكان يحدثنا عن صلات عميقة تجمع بين اهله في ود الترابي وبين اهلنا في العيلفون منذ سنوات طويلة قد خلت ، وحين علم بذلك طلب ان يزور المسيد وطلب ان نرتب له زيارة لبعض الناس الذين تجمعهم به علاقات قديمة واختار عدداً من الاسماء اذا تمعنت فيها تجد ان الشيخ الترابي كان وفياً وفاء من طراز نادر ، احد الاسماء التي اختارها كان صاحباً لوالده في القضاء الشرعي طلب ان يزور اسرته ومن صدف الاشياء ان ابن هذا القاضي كان طبيب القلب الذي عاين الشيخ في المه الذي ذهب بحياته ، ايضاً احد الاسماء كان زميلاً للشيخ الترابي في حقبة مايو وزيراً انحسرت عنه الاضواء فكانت زيارة الشيخ مسرة وفرحة له ولأسرته ، كذلك كان احد الاسماء رفيقاً للشيخ في سنوات دعوة الحركة الاولي قيادي من قيادات حزب الامة لم يمنع الشيخ من الوفاء لأسرة رفيقه القديم ان ابنه وهو قيادي بجماعة الاخوان المسلمون كان يكيل للشيخ الترابي التهم في المنابر وحين الزيارة كان يكيل له الثناء والمودة واحتفي به اشد الاحتفاء ، ادهشنا الشيخ بمعرفته بالعيلفون التي نعيش فيها ولا نعرفها كما يعرفها هو انساناً وجغرافيا وتاريخ ،عادة الناس تتبرك بزيارة قبة العارف بالله ود الارباب وتطلب منه الاماني والدعوات ولكن حين دخل الشيخ الترابي علي قبة الرجل الصالح ود الارباب رفع يديه بالدعاء له ورفعنا كلنا ايادينا ترحماً علي الرجل الصالح الشيخ ادريس ود الارباب وكأنه يريد ان يقول ان الاموات احق بالدعاء .

(4) في العام 2015 زارنا الشيخ الترابي في بيتنا ، قديماً كان قد طلبها منذ سنوات طويلة ولم اشاء ان اذكره بها طوال تلك السنوات عملاً بنصيحة البير كامو حيث يقول ان الذوق هو عدم الالحاح ، وهكذا كان يعامل الشيخ تلاميذه رغم ان مقام التلمذة عند الشيخ الترابي ارفع مكاناً فلا يُصح ان يكون راشد الغنوشي ونحن تلاميذ في ذات المدرسة ، لم يُحظى بيتنا بضيف اكثر منه مهابة وعظمة واحتراماً وقدراً ومكانة ، كانت زيارته شرف لا يدانيه شرف ، بعد نهاية الزيارة طلبت نسائنا في البيت ان يسمعن من الشيخ الترابي حدثه بذلك احد اعضاء فريق السكرتارية واعترضت علي ذلك بضيق الزمن وكنت اعلم انه علي موعد اخر ولكنه لم يلتفت الي حديثي حين نظر اليهن وهرول جرياً اليهن في مشهد مرح تميزت به شخصيته وحدثهن حديث الوالد الوقور والمفكر الناصر و المحرر للمرأة من تقاليد المجتمع ، في ذات اليوم كان علي موعد مع دعوة فرح عامة اهل الفرح رتبوا له مكاناً خاصاً جمعوا فيه صفوتهم وكبارهم ، حدثته عن هذا الترتيب فسألنني اين يجلس عامة الناس فجلس في وسطهم يحدثهم ويحدثونه وفرح بهم وفرحوا به .

علي عثمان علي سليمان

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أخ على عثمان ..وما هى الدروس المستفادة من هذه المواقف ؟؟
    ويظل شيخكم الترابى هو ذلك الرجل الذى غتس حجركم وحجر كل السودان .

  2. حسى انت فرقك شنو من الشايل جزم المرغنى فى الصورة المعروفة …. أنتم فعلا قطيع كما وصفكم
    شيخكم ذات نفسه…. فقط قل لنا انه نبى….. هو سبب كل البلاوى و الأحن …. متى تتحررون من عباده
    الفرد؟؟؟؟؟؟؟

  3. الشيوخ الاوفياء هم الذين يعملون من اجل كل الناس مسلمهم وكافرهم شقيهم وسعيدهم .. والشيوخ الوقورين هم الذين يعملون في رابعة النهار وليس في الظلام .. الذين ليس لديهم اسرار او بينهم اسرار ..

    الذين يعملون من غير فصل الاخرين وتمكين المحاسيب
    الذين يعلمون لجميع السودان من غير تعذيب الاخرين

    الذين يعتبرون كل السودانين مسلمين وليس هناك مسلم افضل من اخر

  4. سبحان الله .. جاءنا في آخر الزمان من يصف الثعلب بالوفاء!!!
    وفاء ؟؟

    أيقال لمن عاهد الناس على الديمقراطية (الشورى) وإنقلب على من عاهدهم وفياً؟؟

    أيقال لمن جيش الشباب الجاهل الغض باسم الجهادى وإرسله إلى الجنوب للموت في آلة الحرب ، ثم إنقلب عليهم وقال أن ضحاياه فطائس .. أيقال لهذا وفي؟؟

    ايقال لمن عاهد الأحزاب بعد المفاصلة على إسقاط النظام الإنقاذي ثم إستدار عليهم وذهب يحاوره علناً فيما عرف بحوار الوثبة .. أيقال لهذا وفياً؟؟

    الكاتب ربما كان مت قلة فهمه يعتقد أن الناس جميعاً على شاكلته!! المهم أن الكاتب قدم لنا من خلال مقاله نوعية العقول التي تتكوزن وتصبح من المتعلقين بأثواب الدجل والخرافة والكذب والغش..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..