ذيب : البدوي العربي في الفن السابع

منذ بداية الألفية الثالثة غرقت هوليوود في مستنقع السينما التجارية بإنتاجها الغزير لأفلام البوب كورن ، تلك الأفلام التي تتميز بخفتها التي لا تحتمل . لم تعد تجرؤ الاستديوهات الضخمةعلي المغامرة بإنتاج أفلام ذات ثقل فني و فكري و طابع تجريبي في زمن التسطيح مخافة السقوط في مصيدة شباك التذاكر .إزاء واقع بهذه التضاريس كان لابد من نشوء السينما المستقلة التي تعمل بمعزل عن سطوة رأس المال التجاري و قصر نظره ، هذا الكيان الناشئ أضحى طوَّق النجاة للفن السابع من غائلة الاضمحلال .
و بعيدا عن راس المال العابر للقارات ، سقطت القاهرة هوليوود الشرق في فخ التغييب الاستشراقي بإنتاجها المهول لأفلام السبكي .تلك الأفلام التي تضع المشاهد(رجل الشارع ) في حيّز التغييب المموه بحقنه بمورفين الأغاني الشعبية الهابطة و أجواء المواخير الساقطة .و بين الفينة و الاخرى تطل السينما المستقلة على الواجهة بإنتاج بعض الاعمال السينمائية ذات الثقل الفني لاشعال جذوة الفن السابع التي تخبو في موت بطئ.أموال النفط الخليجي ساهمت بشكل ما في دفع عجلة الفن السابع في المنطقة الشرق أوسطية بإقامتها للمهرجانات السينمائية و الهيئات الداعمة للثقافة و الفنون و نخص بالذكر دولة الإمارات العربية التي أضحت سن الرمح في عصر ما بعد الحداثة العربية بتبنيها لقيم العصر و مفاهيمه .
احدى منجزات هذا التبني يتمثل في انتاج عمل سينمائي عربي رائع تحت اسم ذيب .تم انتاج هذا العمل في عام 2014 من اخراج المخرج الأردني ناجي ابو نوارة .تتجلى القيمة الفنية لهذا العمل في عدة جوانب أهمها : الحيّز الزمكاني الذي يدور فيه الفيلم ،حيث ان اختيار المخرج لحقبة الاستعمار العثماني علي ارض بدوية في شبه الجزيرة العربية يلقي الضوء على تاريخ واقع تحت طائلة النسيان .هذا من ناحية ، من ناحية اخرى هو محاولة فاعلة لدمج التراث البدوي العربي ضمن فسيفساء الثقافات العالمية كإرث حضاري له قيمه و ممارساته الثقافية التي عانت لأمد طويل من التهميش و الاستعلاء الحضاري .
علي صعيد السينماتوغرافيا فان الصحراء منذ ظهور أفلام الغرب الامريكي (westren) كانت هي المسرح اللامحدود الذي تجري فيه ملحميات الانسان من اعلاء لقيم الفروسية ، ساحة صراع الخير والشر ، تحقيق الذات و تيه الأزمات الوجودية .تغلغل الصحراء في حياة الانسان تمثل جليا في ظهورها الآسر في الفن السابع لدرجة ان البعض يصنفها ك(genere) قائم بذاته ،من هذا المنطلق كان لابد للإرث العربي البدوي ان يتمظهر في عمل سينمائي لا سيما ان البدوي العربي و الصحراء صنوان لا يتفارقان في مخيلة المثقف الغربي .
حبكة العمل تدور حول ذيب ذلك الصبي البدوي ذو الروح التواقة لكشف أستار المجهول و خوضه خضم مغامرة مفصلية تغير الكثير داخله .لا أود الخوض في تفاصيل الفيلم كي لا أفسد متعة مشاهدته لمن لم يره بعد و لكن عناصر الحبكة السينمائية مترابطة و متداخلة بشكل متقن .نقطة التحول في المسار الدرامي لشخصية ذيب تبدأ عند مقتل شقيقه بنيران قطاع الطرق ،الشئ الذي يضعه في مواجهة مصاعب الحياة وجه لوجه بلا سند او عضد ، غريزة البقاء تجعل منه ناضجا بالقدر الكافي لتولي شئونه في تلك الصحراء مرورا بلقائه قاطع الطرق الذي قتل أخيه و تعامله البراغماتي مع قاتل أخيه يوضح الي اي مدي كان ذلك التحول صارخا و لكن العباءة البراغماتية لم تكن كافية لتخفي قيم الشرف و الثأر البدوية التي يحملها ذيب بداخله ،تلك القيم تنتصر في معركة الذات الداخلية لدى ذيب .
الأداء التمثيلي لطاقم العمل كان مبهرا و خصوصا ذيب فهو في الأصل بدويا و تمثيله في العمل إنما هو انعكاس لحياته كبدوي مع وجود عدسة الكاميرا و توجيهات المخرج .الطابع الإخراجي للفيلم يحمل بصمة متفردة لمخرج عربي قد يبهر العالم بالمزيد ، استعمال اللقطات البعيدة و القريبة كان موفقا و حركة الكاميرا لم تكن اعتباطية أبدا .ربما من نافلة القول اضافة ان هذا العمل قد نال العديد من الجوائز و قد تم ترشيحه للأوسكار فئة الأفلام الأجنبية .و نتمني رؤية المزيد من هذه الاعمال الفنية القيمة في الساحة العربية .

محمد السيد حمد
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. رؤية فريدة لناقد فني واعد نرجو منه الكثير للكتابة في هذا الحقل الإبداعي فقد أعيننا الكتابات السياسية المحبطة بفتح الباء وضمها في الحالتين .. كما نأمل من الكاتب أن ينير عقولنا بمقال نقدي عن الأفلام التي مثلت الثورة المهدية و هي ليست قليلة … إلى الأمام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..