أمبيكي و العربة و الحصان

تعرض الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي إلى حملة شرسة بعد إسراعه بالتوقيع على خريطة الطريق التي قدمتها الوساطة , و تراوح النقد بين خفيف يصف الوسيط الأفريقي بالمتعجل و قاسي يصفه بالمرتشي , رغم أن الرجل كان إلى وقت قريب موضع تقدير المعارضة , خاصة بعد أن سوّق إعلان باريس و خلق من روحه اتفاق مبادئ وقعت عليه آلية 7+7 في سبتمبر 2014 . و هو الاتفاق الذي أعده الوسيط ليكون أساساً للتسوية , لكن الوسيط و من خلفه الاتحاد الأفريقي لم يلحظ أي تقدم في مشروع التسوية بابتعاد الحكومة عنه , فأدركت الوساطة أن العنصر المحرك هو الحكومة , و أن توقيع كل القوى المعارضة لا يقدم التسوية خطوة ما دامت السلطة الحاكمة الممسكة بآليات تنفيذ أي اتفاق محجمة عن التجاوب مع مقترحات الوساطة , فقررت أن تضمن أولاً موافقة الحكومة ثم تسعي لإقناع المعارضة أو عناصر مؤثرة فيها , و بعدها يمكن أن تلوح بارقة أمل لتسوية نهائية .. هذا تصور عملي و واقعي , لأنه أولى الاهتمام الأكبر للطرف صاحب التأثير الأقوى لكونه حاكماً إذا قال فعل , و إذا التزم حرك الملف الراكد .
لقد ظلت الوساطة في حالة انتظار للحكومة منذ سبتمبر 2014 لتشارك في مؤتمر تحضيري وفق الاتفاق الذي وقعت عليه الآلية , لكن الحزب الحاكم احتاط بدهاء لهذا الاحتمال حين تراخى عن حضور اجتماع الآلية و دفع بالحزب الاتحادي ممثلاً لأحزاب الحكومة في الآلية و حركة الإصلاح الآن ممثلة لأحزاب المعارضة , فصار المؤتمر الوطني في حل من اتفاق وقعت عليه أحزاب أخرى , و لم يأبه لكون هذه الأحزاب ممثلة للآلية المعبرة عن الحوار الذي ابتدعه الحزب الحكم , و ظل يماطل إلى أن أجبر الوساطة على تقديم تصور جديد ..
لا شك أن في هذا المسلك من الحزب الحاكم ما يؤكد اتهامه بالمراوغة , لكنها اتهامات لا تنفي أن واقعاً جديدا قد خلقته هذه المماطلة حتى أصبحت قرارات مجلس الأمن و السلم الأفريقي 456 و 539 من مخلفات الماضي بعد أن تجاوزها الزمن تماماً .
يفترض أن تتعامل المعارضة مع هذا الواقع الجديد و تترك البكاء على قرارات لم يعد المجلس الأفريقي نفسه يهتم بها , فقد نجح الحزب الحاكم في الهروب من موقع كان المجلس الأفريقي يلاحقه فيه بمواقيت لحضور الاجتماع التحضيري , مصحوبة بتهديدات , و أصبحت المعارضة هي المعنية الآن بتبرئة نفسها من اتهامات الوساطة الأفريقية لها بإعاقة جهود التسوية في السودان . فإذا ظلت المعارضة عند تعنتها و هي فاقدة لأدوات ضغط على الوساطة و على الحكومة , فإنها تتطوع بفقدان أراض كثيرة اكتسبتها في جولات سابقة .