حقاً… لكل زمانٍ .. تربية وتعليم ..

لن يبارح خيالي ما حييت مشهد صديقي الصغير الذي كان يقف باكيا مذعوراً أمام ( الفكي ) ونصفه الأعلى عاريا وهو يتلوى من الألم بينما ينهال عليه سوط الرجل الضخم الجثة .. ووالد صديقنا الممسك به حتى لا يهرب يطلب من الشيخ أن يزيد إبنه ضربا حتى يتأدب ويسمع الكلام !
لم البث حيال ذلك المنظر الذي شكل الإنطباع السلبي في نفسي الصغيرة ..إلا دقائق بعد أن سلمني والدي للفكي في يومي الدراسي الأول بالخلوة ..وأنا ربما إبن السادسة أو نحو ذلك فأطلقت ساقي للريح هربا مما تصورته من مصير ينتظرني مثل صديقي الذي جلس قريبا مني وهو يحك ظهره الملتهب من أثر تلك العلقة!
كانت العبارة التقليدية في زماننا ذاك أن يقول الأب لشيخ الخلوة أو المدرس عند الحاق إبنه بإحداهما .. هي ( لكم من إبننا اللحم .. وهاتو لنا العظم )
في زماننا هذا تبدل الأمر مائة وثمانون درجة .. فكثيرا ما نسمع عن أب ذهب ليقرع إدارة المدرسة لآن إبنه قد جاء شاكيا من أحد المعلمين وقد عاقبه بالضرب ولو الخفيف !
بل أن إحدى الأمهات قالت لي .. انها ذهبت وضربت إحدى المعلمات إنتقاما لإبنتها التي جاءتها باكية من أثرالألم الجسدي والنفسي لضرب تلك المعلمة لها !
كانت تلك المفارقات في هندسة التعاطي مع الأبناء تربويا في البيت و تعليميا في المدارس هي موضوع المحاضرة الثرة التي القاها العالم الفقية البروفيسور عبد العزيز مالك في قاعة النادي السوداني بمدينة العين الإماراتية .. والتي تحدث فيها عن أنجع السبل في التعامل مع الأبناء من خلال مخاطبة عقولهم الصغيرة بالحسنى لتنمو كبيرة سوية في مستقبلهم الذي لابد أنه سيكون مختلفا عن زمان أبائهم وحتى عن حاضرهم الحالي تبعا لتطور معطيات الأزمنة سريعة الإستدارة وعجولة الخُطى .
فالطفل كما جاء في نصح الرجل والمحلل النفسي الضليع له ذاكرة خطيرة لإختزان ما يلاقيه من معاملة القهر والشدة وتربية العنف والترهيب لابد أنها ستخلق فيه رغبة الإنتقام بمختلف الصور وتنمي عنده روح التمرد و العقوق ..لذا فإنه ينصح بوجوب إتباع السلوك العقلاني مع الأبناء أيا كانت أعمارهم والتعاطي معهم بالهدوء في المخاطبة عند إرتكابهم أي مستوى من الخطأ.. بل يمكن معاقبتهم في تلك الحالة بحرمانهم من الأشياء التي يحبونها مؤقتا ليدركوا متخوفين من أن تكرار العمل الخاطي يمكن أن يحرمهم مما يحبون بصورة دائمة .
كانت بالفعل محاضرة قيمة وإضافة ثمينة لمعارف الحضور من الأباء والأمهات الذين تجاوبوا معها بطرح الأسئلة و المداخلات التي شكلت نوعا من الإهتمام البالغ بكل محاورها المتشعبة الفوائد من منطلق التخصص العلمي للبروفيسور مالك ومن زاوية ثقافته القرأنية العميقة ..وكانت على مدى زمنها الذي مضى سريعا كظل الطير خطفا .. إضاءات هامة سكبها الرجل بنبرته الهادئة وتسلسل افكاره النيرة و مقدرته في إقناع المتداخلين بفهمه العلمي وتشبعه الروحي .. فسرت في مسامات العقول بردا وسلاما .
حقا فإن لكل زمان تربية .. وتعليم .. فما كان يصلح في زمان مقولة لكم اللحم ولنا العظم .. لم يعد صالحا في زمان الفضاء المفتوح كعقول أبناء هذا الجيل الصغيرة في حجمها والكبيرة بمقاييس زمانهم .
والله اعلم ماذا سيستجد من متلاحقات الإختراعات في مقبل الأزمان .
[email][email protected][/email]
لقد أصبحت معرفة بعض التلاميذ سابقة لمعلومات بعض المعلمين الذين كفو عن المواكبة و المجايلة مما خلق فجوة و اضحة علي كل معلم حريص علي البقاء أن يكون السباق و يفتح عقله و قلبه للجديد حتي إذا أتاه من تلاميذه.
لكم اللحم و لنا العظم عبارة سودانية متخلفة بالطبع.
لم يضرب الرسول صلى الله عليه و سلم طفلاً قط بل كان يمازح الاطفال و كان معه انس بمنزله و هو طفل صغير و كان فقط يخوفه بالمسواك و لكن لم يضربه قط و كان يدلعه و يناديه يا أنين و حدث مره ان ارسله لشراء حاجة فوجد انس الاطفال فى الشارع و جلس يلعب معهم و نسى المرسال و اضاع النقود و لما تأخر خرج الرسول صلى الله عليه و سلم يبحث عنه فرآه يلعب مع الصبيان فوضع يده الشريفة على رأس انس و سأله قائلاً: يا أنين اين الحاجة التى ارسلتك لها فقال انس لقد ضاعت و قبل ان يكمل انس اجابته فال له الرسول عندما تكمل لعبك لا تتاخر و احضر الى المنزل و تركه و رجع. شوفوا الأدب و الأخلاق الرفيعة لصاحب المدرسة الأولى على مستوى العالم.
و موضوعك جميل يا اخ برقاوى.
من بوست ليكم اللحم ولينا العضم
وفي أحد الأيام أبلغ أحد التلاميذ ضابط المدرسة شيخ الرياحي بأنه شاهد الشنقيطي يلعب بلي في العصر . وأخرج أستاذ الرياحي الشنقيطي في طابور الصباح وقام بجلده وأنا بالقرب منه ثم قال لي شيخ الرياحي : تاني كان شفت أخوك ده بيلعب بلي تجي تكلمنا . فسكت . فسألني : لو شفت أخوك ده بيلعب بلي حا تجي تكلمنا ؟ فقلت لا . متجنبا الكذب كما تعلمت في مدرسة المسيحين . فانهال علي بالكرباج وكأني حصان جامح إلي أن صرت أزحف علي الأرض من الألم وكل ما يسألني أرد ب لا . وكنت وقتها في التاسعة وبدأت أتسائل لماذ أعاقب علي قول الصدق ؟ وأي سلطة لأستاذ الرياحي لما يفعل الشنقيطي وغيره بعد ترك المدرسة ؟ ولكن قديما كان المفهوم أن الوالدين يسلمون الطفل للمدرسة ويقولون لهم : ليكم اللحم ولينا العضم. وشاهدت يوما شيخ الرياحي ينهال ضربا علي الطالب يوسف المؤدب بطريقة بشعة .واستغربنا لانه ابن شقيقه . وكان يؤمن كالعادة القديمة ان هذه هي التربية الصحيحة .