أساس الفوضى (1) ..

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه سياحة فكريّة، لا تخلو من فائدة وأرجو أن تشمل متعة أيضاً، جذبتني إليها حالة الفوضى التي تعمّ حياة البشر في هذه الأيام، فانتشر الظلام، واستشرى اليأس حتى كاد الأمل في يومٍ مشرق يعمّه النّظام والسلام أن يذوى، فرأيت أن أبحث في أساسها وأتفكّر في ماهيّتها.
لكلّ إنسان مرجعيّة يزن بها الأشياء ويفسّرها ويفهمها ومرجعيتي هي الإسلام كدين يُعلى من قيمة الفكر ويدعو للتّفكّر وللتأمّل وللتّدبّر واقتناص الحكمة أينما كانت، لا أبغى عنه حِوَلا ً.
انتقل مفهوم الفوضى من الطرف الخلفي للوعى العام إلى بؤرة شعور العالم في عام ٢٠٠٦ عندما أعلنت كوندوليسا رايس، وزيرة خارجيّة الولايات الأمريكيّة المتّحدة حينها، في إسرائيل مفهوم “الشرق الأوسط الجديد”، وشرحت العوامل التي ينبغي أن تسود من أجل إنشاء هذا الشرق الأوسط الجديد وأهمّها ما أسمته بالفوضى البنّاءة، وليس بالفوضى الخلاقة كما شاع، فهي عمدت إلى هدم الشرق القديم بخلق قوس من الانفلات الأمني والفوضوي والعنقي يبدأ من لبنان وفلسطين وسوريا والعراق والخليج العربي حتى اليمن جنوباً وإيران وأفغانستان حتى حدود دول الناتو شمالاً.
هذه الخطّة، كما أعلنت الإدارة الأمريكية، نتاج تفكير وتخطيط بطئ شاركت فيه إسرائيل وبريطانيا ولذلك تعمّدت الإدارة الأمريكية إعلانه في إسرائيل تحت رعاية المحافظين الجدد الذين صاغوا مفهوم “محور الشّر” بعد تدمير الأبراج الأمريكيّة في ٢٠٠١.
وكما عهدنا من دهاليز السياسة الأمريكيّة المُهيمنة منذ الحرب العالميّة الثانية فقد اندفعت إلى تدمير، وليس إلى هدم الشرق الأوسط، وبين المفهومين أميال ضوئيّة عديدة، بنفس رعونة راعى البقر في الغرب الأمريكي، ثمّ عندما انفَلَتَ الأمر من يدها وانتشر الإرهاب والشّر لامت أهل الشرق الأوسط.
وقد كان تبرير كوندوليسا رايس هو: “إنّ الوضع الحالي ليس مُستقرّاً، وإنّ الفوضى التي تفرزها عملية التّحوّل الديمقراطي في البداية هى فوضى بنّاءة، ربما تُنتج في النّهاية وضعاً أفضل ممّا تعيشه المنطقة حاليّاً”. بمعنى آخر لم تكن متأكّدة من النتائج ولا تفكّرت في احتماليّة وضع أسوأ أو لم يهمّها ذلك كثيراً وهو ما اتّضح عندما أطاحت الولايات الأمريكيّة المتّحدة بنظام صدّام حسين ولم تتحسّب لنتائج عملية التّغيير ولا اهتمّت بحالة الفوضى التي عمّت بعد ذلك وتداعت أمواجها إلى اليوم.
جورج بوش الابن لم يُنكر مصدر سياسته الخارجيّة وقال: “إذا أردتم الاطلاع على مفهومي للسياسة الخارجيّة فأقرأوا كتاب ناتان شارانسكى، فإنّه سيساعدكم على فهم الكثير من القرارات التي اتُّخذت والتي قد تُتَّخذ”. هذا الناتان شارانسكى هو الذى ألّف كتاب: “قضيّة الدّيمقراطية”، وهو يهودي سوفيتي مُنشق ووزير شؤون يهود الشتات الذى استقال من حكومة إرييل شارون عام ٢٠٠٥ احتجاجاً على الخروج من غزّة.
هنا درسٌ للذين يُنكرون نظريّة المؤامرة تماماً وذلك في وضوح القيادة الأمريكيّة عن سياستها ومصدرها وهو دليل على انتفاء التفكير العلمي وغلبة التفكير الانفعالي الشعبوي وانعدام الإحساس بالآخر كأنّه قطعة شطرنج لا إحساس لها ولا حياة ولا حرّية ولا حقوق.
نظريّة ناتان شارانسكى فطيرة وساذجة لاقت إعجاباً من جورج بوش الابن لأنّ طريقة تفكيرهما بسيطة ولا تحتمل اللون الرّمادي وكلّنا يذكر تصريح جورج بوش الابن: “من ليس معنا فهو ضدّنا”، وقد ظهر ذلك جليّاً في تقسيمه للعالم لمجتمعين: “مجتمع حر” و “مجتمع خوف” وكان معياره أنّ الشخص الذى يستطيع أن يقف في “ساحة المدينة” ويُعبّر عن آرائه دون خوف فهو في مجتمع ديمقراطيّ حر.
ومن بعد ذلك حدّد “مجتمعات الخوف” التي يمكن أن تُصدِّر الإرهاب للمجتمعات الحرّة وتهدّد أمنها بالدّول العربيّة وإيران وأفغانستان، ثمَّ طالب بنشر الديمقراطيّة والحريّة في هذه المجتمعات وجعل ذلك ضرورة أخلاقية تفرضها مبادىء إنسانيّة. ولكن ناتان شارانسكى لا يؤمن بقدرة هذه المجتمعات التي يسود فيها الخوف في إقامة ديمقراطيّة حقيقيّة ولذلك طالب بتدخّل المجتمع الدّولي مباشرة للاستيلاء على الحكم وإقامة مجتمع الدّيمقراطيّة والحرّيّة وهو تبريره لوقوفه مع قرار استخدام القوّة في العراق. ناتان شارانسكى لا يؤمن بأيّ نوع مختلف للديموقراطيّة لا ينطبق على النموذج الأمريكي ولا يهم إذا تراضى شعب ما على انتهاج نظام حكم يضمن لهم الحريّة إلا إذا كان هذا النّموذج في مبادئه وقيمه أمريكيّ النسخة.
قد يبدو من السطح أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية تريد أن تفكّك أنظمة ما لتُعيد تركيبها كما تفعل بلعبة طفل من دون قراءة الواقع والتنبّه للمآلات واتّخاذ استراتيجيّات مناسبة وخطط مدروسة وبالتّالي نتج عن تدخّلها نوع من الفوضى المدمّرة شاءت أم لم تشأ خرجت من نطاق تحكّمها كالجنّى الذى لن تستطيع أن تعيده إلى قارورته حتى باستخدام الحيلة والمُغريات.
إنّ العيب الرئيس هو هذا التّفكير النّمطي الساذج وفلسفة القوّة المهيمنة التي تعامل الآخرين كأسراب البعوض المزعجة التي لا يترّدد أحد برشّها بالمبيدات لأنّه لا خير يرتجى منها ولن تنقل إلا المرض والدّمار. هذه حالة من الجمود الشعوري وانعدام المقدرة على تقمّص الحالة الشعوريّة والفكريّة والرّوحيّة والسلوكيّة للآخر وهو دليل على الحالة السايكوبتيّة أو الطّاغوتيّة لهذه الأنظمة المهيمنة التي تقيم الدّنيا ولا تقعدها إذا خُدش مواطن لها ولكنّها لا تكترث إذا مات الآلاف ممّن تظنّهم من محور الشّر.
هذا النّهج من التّفكير الأحادي صار الغالب لدى علماء المفسّرين المسلمين الذين نسخوا الكثير من آيات الذكر الحكيم عند تفسير سورة التّوبة وقسّموا العالم إلى “دار إسلام” و”دار حرب” وهى تعنى “دار كفر”، بدعوى قوّة المسلمين بعد ضعفهم وعُلوّ آية السيف، وهو تفكير اختزاليّ لا يتماشى مع الواقع ولا مع مبادىء الإسلام، فأفرز فكراً هدّاماً بل ومُدمِّراً يسود دولة الخلافة الإسلاميّة هذه الأيّام.
إنّ الخطر في انتهاج نوعٍ ما من التّفكير هو ما يؤدّى إليه من قرارات وسلوك قد تكون لبنات للبناء وقد تكون معاول للهدم.
والتّفكير الذى يُغلق نفسه ويؤمن بأزليّة حقيقته وصحّة قضيّته، ويخلط فهم المبدأ بأصالة المبدأ ويسعى في الأرض مُكبّاً على وجهه لا يرى إلا جزءاً من الحقائق ويختزل الواقع لا يؤدّى مثل هذا التّفكير إلا إلى كارثة مهما صحّت قضيّة حامليها أو صدقت نواياهم. هذا التّفكير، الذى يبدو واضحاً، هو في حقيقة الأمر مشوّشٌ ومُسيّسٌ يُبسّط المفاهيم لتتلاءم مع التركيبة النّفسيّة للشخص سعياً وراء نوع من اليقين في أمور الدّنيا لا توفّره إلا التّجارب، ظانّاً أنّ أمور العقيدة تماثل أمور الواقع أو يجب أن توافقه ضارباً بعرض الحائط الطّبيعة البشريّة التي هي الأساس.
ولولا توقُّع المصطفي صلّى الله عليه وسلّم للخلط في مفاهيم الدّين وتطبيقه وما يؤدّى ذلك إلى الفوضى والاحتراب العقائدي والفتنة والتفرّق، كما أرادت كوندوليسا رايس بإثارة النعرات القبليّة والطّائفيّة في الشرق الأوسط، لما قال: “يبعث الله على رأس كلِّ مائةٍ من يجدّد لهذه الأمّة أمر دينها”، وهو قد حدّد التّجديد في “أمر” الدّين وليس الدّين كما يفهم الكثير من النّاس وكما ورد في أحاديث أُخر. فالله سبحانه وتعالى أعلن إكمال بناء الدّين وإتمام النّعمة ولكن
الإهمال مع طول الفترة قد يؤدّى للنسيان والجهل قد يؤدّى للخطأ.
ونواصل إن أذن الله ودمتم لأبى سلمى
++++
[email][email protected][/email]
الغالب لدى علماء المفسّرين المسلمين الذين نسخوا الكثير من آيات الذكر الحكيم عند تفسير سورة التّوبة وقسّموا العالم إلى “دار إسلام” و”دار حرب” وهى تعنى “دار كفر”، بدعوى قوّة المسلمين بعد ضعفهم وعُلوّ آية السيف، وهو تفكير اختزاليّ لا يتماشى مع الواقع ولا مع مبادىء الإسلام، فأفرز فكراً هدّاماً بل ومُدمِّراً يسود دولة الخلافة الإسلاميّة هذه الأيّام.
————–
المجتمعات والشعوب الإسلامية عانت ولا زالت تعاني من حاكميها الذين هم من جنسها ومن أبنائها دما ولحما وشحما هذه الدول ( العربية والإسلامية) تعيش كل يوم حروب واقتتال سواء بين بين دولة ودولة أو في داخل الدولة نفسها… لذلك هذه الدول تعيش في تخلف في كل مناحي الحياة وليست هناك حياة كريمة لشعوب هذه المنطقة….
علي كل إذا نظرنا إلي الكثير من هذه الشعوب( العربية والإسلامية) نجدها تفر بجلدها وببنيها إلي بلاد الكفر لتنشد الأمان والسلام تحت دول في -عرف علمائها- دول كفر يعيشون في هذه الدولة حياة أبدية, وما تبقي من هذه الشعوب الآن لو وجدوا طريقة إلي تلك البلاد لما تبقي منهم أحدا, حتي شعوب الدولة الغنية الإسلامية منها والعربية يتمنون الذهاب إلي بلاد الكفر والعيش فيها والتجنس بجنسيتها….
والسؤال هو لطالما أن المسلمين يفضلون العيش في بلاد ( الكفر ) وتحكمهم حكومات كافرة لماذا يرفضون الإستعمار لبلادهم؟ يمكن لهؤلاء الكفرة أيضا أن يحكموهم في بلادهم الإسلامية والعربية.بمعني أنا قبلت وارتضيت أعيش في أوروبا حكامها وشعوبها كافرة لماذا أغضب إذا حكمني مستعمر في بلدي؟ الحالة واحدة إن حكموني في بلدي أو عشت معهم في بلدهم.
مهما يكن من أمر أن مواطني الدول العربية والإسلامية أصبحوا يتململون من الحياة الدينية إذ لا ينشدون الدين إنما ينشدون أولا الحياة الكريمة والأمن والسلام, وهذه المطلوبات تتواجد في دول الكفر.
عليه.. الآن دار الحرب هي الدول الإسلامية والعربية ودار الإسلام هي دول الكفر فالأخيرة يتعامل المواطنين فيما بينهم بصفات المسلمين, وكما قال الإمام محمد عبده عندما زار أوروبا: وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاماً بلا مسلمين.
الحبيب د. عبدالمنعم
كما قال الفاروق رضي الله عنه:
نفر من قدر الله إلي قدر الله.
و إليك و الي سلماك تحايا السحاب.