قاطعوا ما شئتمو فالثورة أنتمو

كاتب هذه السطور عميق التقدير والتقديس والاحترام لآراء الذين اندهشوا من مسارعة بعض عملاء إحدى شركات الاتصالات إلى مقاطعة واسعة للشركة جراء زيادات كبيرة في تعرفة بعض خدماتها في الوقت الذي يواجه الشعب السوداني محنة يراها هؤلاء المندهشون أولى بالمقاطعة والاحتجاج تتمثل في الزيادة المضحكة وغير المبررة في أسعار غاز الطهي في وقت تتدهور فيه أسعار النفط تدهورا كبيرا في طول العالم وعرضه.
لكن رغم دهشتهم ورغم تقديرنا وتقديسنا لها دعونا ننظر للنصف الممتلئ من كوب هذه المقاطعة الشجاعة والتي هي بلاشك خطوة في طريق تجذير ونشر الوعي ببديهية أن المواطن العادي هو أقدر الناس وأولاهم بتحديد سعر وجودة ما يستهلكه من سلع وخدمات وهذه لعمري غاية أكبر من مجرد إسقاط نظام ناهيك عن ما دونه . وإسقاط النظام نفسه صار الآن طريقا إجباريا لتعزيز هذه القدرة وهذه الولاية “المواطنية” على سوق الضرورات. فإن كانت الدهشة مشروعة وكان الحوار والجدال جائزا فإن المرفوض هو فرض رؤية بعض المواطنين على بعض .. علينا أن نتذكر أننا في صراعاتنا المريرة هذه إنما ندعو الناس لغير شيء سوى أن يموتوا فداء وضع سوداني جديد يختلف جذريا وكيفيا عن هذا السائد الآن. ولا يكون أخلاقيا ولا أمينا أن تدعو الناس للموت خارج قناعاتهم هم .
أنا كمواطن عادي امتلك حقا وجوديا أصيلا أن أحتج ? سلميا – على غلاء الغاز أو أحتج ? سلميا – على غلاء خدمات الاتصالات. أحدهما أو كلاهما. وأن يكون احتجاجي السلمي هذا في شكل مظاهرة أو مقاطعة أو امتناع أو أي شكل اختاره طالما كان في الإطار السلمي المشروع. ولي أن أبشر باحتجاجي وبطريقتي وأن أدعو لها وأشجع الناس عليها. كل ذلك حق مشروع وواجب وطني لا غبار عليه .. ما لا يدخل في دائرة حقوقي واختصاصاتي هو تسفيه اختيارات الآخرين وقناعاتهم وأولوياتهم طالما لم تخرج عن هذا الإطار السلمي المشروع.
أيا كانت مصداقية التسريبات التي خرجت بعد أقل من يومين من مقاطعة عملاء شركة الاتصالات أن قرابة خمسين ألف شريحة توقفت عن العمل جراء المقاطعة فإن هذه التسريبات تشكل انتصارا ساحقا وقويا وباعثا على الأمل والفأل والحماس. ليس انتصارا للفعالية الاحتجاجية وحدها وإنما انتصار في الطريق الطويل الذي ذكرناه آنفا ؛ طريق تجذير ونشر الوعي ببديهية أن المواطن العادي هو أقدر الناس وأولاهم بتحديد سعر وجودة ما يستهلكه من سلع وخدمات. وهذا يصب في صالح إنجاح كل احتجاج وامتناع ماثل وقادم. فلم الدهشة ولم الغضب؟
السلع المرتبطة بمعاش الناس الضروري وفي مقدمتها غاز الطهي لها أولوية قصوى دون شك وأي زيادات غير مبررة فيها تؤثر على كل الناس تقريبا بدون فرز وتؤثر بشكل أقسى على الأغلبية الأضعف من المواطنين. لكن “الشباب” يحتاجون لخدمات اتصالات بأسعار معقولة وبجودة عالية وهذا من حقهم ليستعينوا بها على مهام إنجاز المتبقي من ثورة الوعي ووعي الثورة و”العافية درجات” و “السايقة واصلة” و أيا كان ما هو وراء هذه الأكمة فإن ما يحدث لن يصب إلا في صالح إسقاط النظام وإعزاز الوطن ومواطنيه البسطاء و” الله في” !
الاحتجاج السلمي جميل ومجدى واما ان تحمل السلاح كاخوانك او كل بيتين عاملين حركة نهب وسلب ونشل