الهوية الرأسمالية

الفنان يتجنب السياسة ، ويقف على الحياد من جميع القضايا ، لأنه يخشى من خسارة الجماهير ، الفنان هنا بالمعنى الواسع لتشمل السياسي الذي يمسك العصا من المنتصف ، والرياضي الذي يرفض حتى ابداء حركة صغيرة قد تكشف عن ميل قلبي لطرف على حساب طرف آخر ، وحدهم المقاومون من يعشقون تبني الاتجاهات ويقاتلون بثورية من أجل القضايا ، ويعتبرونها كلها قضايا مصيرية ، وحدهم المقاومون من يمارسون الغباء في أبهى حلله حينما ينضموا الى جموع أخرى من الاغبياء ، مامعنى أن تقف موقفا ما من قضية ، وماهي الهوية المقدسة التي تفرض عليك الدفاع عنها ؟؟؟
هذا هو الفرق بين الشيوعية والرأسمالية ؛ أن الأولى ثورية وأن الثانية نفعية ، في الأولى استقطاب للهوية وفي الثانية تذويب للهويات ، ولذلك تنجح الرأسمالية في توطين الأطر القانونية للمواطنة في حين تفشل الشيوعية في دحر الهويات الرئيسية والفرعية ، بل تمجد العودة الى التراث رغم تقدميتها ، رغم حداثتها ، في رواية المزحة لميلان كونديرا يعاني أحدهم من الانقلابات الخطيرة في رؤيته الفنية ما بين الماضي والتجديد بحسب وجوده داخل الحزب الشيوعي أم خارجه ، في حين تعكس مسرحية تينسي وليامز (تماثيل الوحوش الزجاجية) ومأساة عائلة وينجفيلد انهيار الانتماءات الرئيسية والفرعية واغداق الظلام على الفرد الانساني الذي لا تبق له سوى الآمال في مجتمع رأسمالي .
في النظام الحر تفقد الثورات بعدها العاطفي ، وتجد لنفسها مخرجا آخر أكثر هدوءا وشرعية كالاضرابات النقابية والعمالية ، والتظاهرات السلمية والاعتصامات ، خلافا للجدلية الشيوعية التي تعترف بالصراع والعنف والحرب بين الطبقات. هناك تعايش سلمي بين الطبقات وحيادية داخل المجتمع الرأسمالي الذي يرفض الثورات ﻷنه إما لا يعبأ بالهويات أو ليس لديه الوقت لخوض هذه الصراعات. هناك تذويب كامل لشخصية الفرد في نمط المجتمع خلافا لما يشاع عن ذلك. النمط الاستهلاكي النمط الابستمولوجي والنمط الانفعالي ، ونمط رد الفعل ، والنمط العلاقاتي ، ومجموعات أخرى من الأنماط يتقاسمها الجميع تشاركا فيها مما يدعو الى التساؤل عن الفردية في منظومة رأسمالية معقدة ، هل الرأسمالية تنفي الهويات كما نظن أم أنها تخلق هويتها الخاصة؟ وهل يمكننا أن نتخيل يوما ما الرغبة في الدفاع عن هذه الهوية؟ فلنسقط تساؤلاتنا على الصنم الأكبر للرأسمالية وهو الولايات المتحدة الأمريكية ، هل دافعت عن الهوية الرأسمالية ، أم دافعت عن السيستيم ، ﻷن هناك فرق ، هل كانت المكارثية دفاعا عن الهوية الرأسمالية ؟ إن ادعاءات جوزيف مكارثي كانت في الواقع دينية على زعم أن الشيوعية جاءت لهدم الدين المسيحي ، كانت هذه هي رصاصته الأساسية التي نقلت الشعب الأمريكي الى اللوثة المكارثية ، هل كانت حرب فيتنام دفاعا عن الهوية الأمريكية هل حرب العراق كذلك ؟ أم أنها حروب اقتصادية ليس لتعزيز الهوية ثقافيا بل لتعزيز قوة طبقة معينة في هيراركية المجتمع الأمريكي؟ ما يدعونا الى التساؤل هو أننا نرغب في أن نفهم الهوية الرأسمالية ، حتى نستطيع القول بأنها قادرة على الانبثاق في مجتمعاتنا نحن وقادرة على هدم الهويات الأخرى الثقافية أم لا ؛ هل يمكن لعدم الاكتراث أن يكون هوية ندافع عنها ، أن ندافع عن البرودة العاطفية ، أن ندافع عن البراجماتية ، أن ندافع عن عدم وجود قضايا ندافع عنها ، أن ندافع عن السلام في مواجهة الثورة ؟
تساؤلات مشروعة ، ولكن اجابتها ليست عندي ، بل الممارسة هي التي تجيب عليها…
(بمناسبة عيد العمال)
الأحد 1مايو2016
[email][email protected][/email]