مقالات سياسية

بداية النهضة تتمثل في التواضع وليس “الفهمانية”!!!

بشير عبدالقادر

رغم عدم ميولي للمدح، تجدني أبدأ هذا المقال بما يشبه المدح! كذلك، بالرغم عن اختلاف وجهات النظر السياسية والفكرية ولكني معجب بل منبهر بقدرات البروفسور أحمد التجاني المنصوري، إعجابي ليس بسبب الصلة الأسرية أو العلاقة الاجتماعية فلعلنا لم نتقابل في حياتنا إلا مرة واحدة وعلى عجالة وأنا أرافقه في طريقه نحو مطار شارل ديجول بباريس قبل عدة سنوات! أقولها مجدداَ، رغم تباين وجهات النظر بيننا ولكن سبب إعجابي هو حركته الدائمة ومحاولته التجريب وتنزيل معرفته وخبرته في الميدان بصورة عملية، بعد أن يستجمع لها ما يستطيع من الأسباب على أمل أن تنجح التجربة.  ولعل أهم من كل ذلك، أنه لا يستنكف أن يسأل كل من حوله صغارا أو كبارا علماء أو عامة لاكتساب مزيد من المعرفة. إذن سر تقدمه هو أنه لا يخاطب الآخرين من موقع الأستاذية بل يمد لهم يد العون بيضاء ويقول هلموا لنرتقي معا.

عكس الصورة أعلاه، تجدها عند أغلب السودانيين ممن يعتبرون أنفسهم أو يصنفهم الناس كنخب متعلمة أو مثقفة أو لها سلطة، فهؤلاء بإرادة منها أو “استجابة لرغبة الجمهور” يضعون أنفسهم في كرسي الأستاذية لمخاطبة الأخريين باستعلاء، ولن أحتاج أن أدلل فأنظر حولك أيها القاري ستجد أغلبهم يمارس هذه النرجسية نحو الآخرين بصورة غريبة، هي أقرب إلى المرض النفسي وجنون العظمة. صحيح أن المجتمع وضع “إكلشيهات”  كسلوك ينبغي ممارسته لمن يبحث عن الاحترام والتقدير في عيون الآخرين. ولنبدأ بمثال بسيط من الذي يعطى جندي أو ضابط القوات النظامية الحق في أن لا يقف في الصفوف كبقية المواطنين، هذا الحق محفوظ في اليابان للمعلمين فقط!!!

سبق و أن أشرت في مقالين سابقين لي بعنوان” النخب السودانية “موهومة” بالسياسة أم “مهمومة” بالوطن؟” ، ” إدمان الفشل” سببه الانخداع والهزيمة النفسية”، إلى ما أسميته “السلوك الريعي بقوة السلاح” ولعلي أزيد تعريفه اليوم بأنه إعطاء النفس الحق في التصدر والتعدي على حقوق الآخرين بإدعاء السلطوية أو الأستاذية أو “الفهمانية” هذه الأخيرة قمت “بنجرها” من ما نسب لشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي وقوله لطالبة ” ‘أنا أفهم في الدين أكثر منك ومن اللي خلفوكي”!!!
غالبية الشعب السوداني هم قوم كرام وعزاز النفس وبسطاء ولكن لا يخجل بعض أبنائهم أن يستغل تلك البساطة ليستعلي عليهم، بل ليخدعهم بحثاَ عن مكاسب دنيئة، تبدأ بإرضاء الغرور الشخصي وتنتهي بامتلاك السلطة والجاه. هذا السلوك الفردي السلبي ينتشر كالنار في الهشيم فيما يتعلق بالتنافس غير الشريف والتدابر وشعار “نفسي…نفسي أو”أنا وبعدي الطوفان” فيصبح المجتمع كله مصاب بداء الأنانية، في حين و أن الكل يعلم بأن ذلك علامة على نقص الإيمان “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

إذن هاجر أحمد المنصوري فكانت شركة الروابي، وبعدها خطط نشر المعرفة العلمية والخبرة عن طريقDairy Business ، ثم حلقات التدريب والمتدربين المسماة حلقات العلم المتطورة، وهاجرت ساليا العطا فولدت SAPAA وبعدها مبادرة سودان المستقبل   Sudan Next Gen، كذلك خرج الكثيرون غيرهم رهبة أو رغبة يضربون في الأرض ، عندما أدركوا أن لا مكان لهم بين “الصعاليك” المغرورين من طغمة الإنقاذ الذين وان كثر بينهم الأساتذة الجامعيين وحملة شهادات الدكتوراه فهم “قوم حسد دفر” مدعي “للفهمانية” بقوة السلاح إن تطلب الأمر، بل إنهم بأستاذية “متبلدة” رفعوا شعار إعادة صياغة الإنسان السوداني في حين لم يكن الأمر سوى تدمير ثقافة و أخلاق “ود البلد” و”خال فاطمة” وعادات وتقاليد عازة السودانية،حتى يستمتعوا هم بالسلطة والجاه، وهو ما ذهب إليه بابكر عباس الأمين بقوله ” نسف تاريخ وحاضر وقيم ومُثل الإنسان السوداني، ….. بجعله يرزح تحت وطأة الجوع، و…القهر واليأس، بما يضطره ويدفعه للموبقات …، والأرذال …. وذلك للتمكن من هزيمته نفسياً، لكي يصبح إنساناً مستسلماً حائرا، وبالتالي تيسير مهمة إنجاز بقية عناصر الحملة من “تمكين” لإشباع شهوات السلطة والتسلط والنهب “!!!

كثير من أولئك الذين خرجوا واحتكوا بالعالم الخارجي رأوا تواضع علماء وكبار المسئولين في كل الدول المتقدمة، ولعلهم أدركوا حينها معنى القول المأثور “من تواضع لله رفعه” ولعلنا نزيد من “عندياتنا” ورفع به قومه وبلده. بل رأوا التواضع حتى عند أثرياء العالم المتقدم مثل إنغفار كامبرا مالك ومؤسس إيكيا فهو مع ثروته المقدرة ب3.3 مليار دولار لا يزال”يأكل  بالمطاعم الرخيصة ويشترى من الأسواق المحلية، أو مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك فرغم ثروته المقدرة ب.5 مليار دولار “لا يزال يرتدي نفس الملابس” ويقود سيارته القديمة، إذن يبقى انه قد حان الوقت لأن يستوعب الجميع، انه ليس لأحد أن يمارس سلطوية أو أستاذية على الأخر لا سلميا ولا قهريا، حتى لو طلب الأخر استفهام أو إجابة لسؤال أو بعض الشرح أو مساعدة ما مادية أو عينية، بل على من يملك الإجابة أن يقدمها بكل تواضع وعلى استحياء.

ختاما، أن التخلي عن إدعاء أي أحقية دينية أو قبلية أو أستاذية، ونشر روح وثقافة التواضع ستؤدي لمزيد من التعاون بين الجميع ولا سيما المشاركة الحقيقية للجميع في نهضة الوطن.

أنشد الشاعر حميد
“يا طالع الشجرة
جيب لي معاك قمحات
قمحاتنا في الشيمة
وغنم الحلب رايحات
ضلمنا ضليمة
خيمة السعودية
دفو ماب تدفيكا
لبن اليهودية
بلدك ينسيكا
وقمحا من امريكا
خازوق ضرب فيكا
غير خير بواديكا
مافي اليكفيكا”
…..
يا طالع الشجرة
قبل علي الحلة
قوليها يوم بكرة
كربتنا تنحله
ننزل نضويكا”.

بشير عبدالقادر
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. طيب أخي وما علاقة كل ما كتبت بالدكتور أحمد المنصوري فهو طبيب بيطري أعتقد أنه درس في يوغسلافيا ويعمل في الإمارات وجد بيئة استثمارية منفتحة ووجد شركاء أو مؤسسين يعرفون مقدما ماذا يريدون وفروا له الموارد المالية وأعطوه السلطات والصلاحيات. فماذا الذي ينقص أي انسان لديه التأهيل المناسب في أن يحقق النجاح. هناك شركات كثيرة تنافسه في نفس المجال وهي أيضا تنمو وتتوسع في الاستثمارات والمنتجات لم يكن أحمد المنصوري من قام بتأسيسها إذن هو ليس استثناء وهناك سودانيون كثر لديهم إمكانيات إدارية هائلة في مجالات مختلفة. فهو أسس ويدير مشروع لمنتجات الالبان وهو يتنافس مع عشرات الشركات الأخرى في المنطقة فأين العبقرية هنا. هذه هي عقدتنا نحن كسودانيين هو عدم الثقة في إمكانياتنا وعدم الثقة في أنفسنا وهذا طبعا يعود للتربية أصلا لأن تربيتنا تقوم على أفعل وما تفعل. أنا أعتقد أكثر ما ساعد أحمد المنصوري هو نشأته حيث أن أبوه تاجر وجميع أخوانه بارعون في العمل التجاري.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..