فرصة برلمانية

قد يبدو غريباً ومدهشاً أن تعلن وزارة الصحة وتعترف بعدم علمها ببناء مستشفيين بمدينتي النهود والمجلد. والأكثر إدهاشاً أن مشروع بناء المستشفيين يمضي منذ عام 2008، وقد تكلف حوالى 60 مليون جنيه (حوالى خمسة ملايين دولار). أثيرت القضية أمام البرلمان حين أثار بعض النواب قضية تأخر افتتاح المستشفيين، واستجوبوا وزارة الصحة، ليفاجأوا بوزيرة الدولة بالصحة سمية أكد تقول أن الوزارة لم تكن طرفاً في إنشاء المستشفيين، ولم تشرك في المشروع، هذا طبعا لا يعني أن المستشفيين كانا يلبسان طاقية الإخفاء، وإنما المقصود أن كل العملية لم تكن تتبع للوزارة.
وبحسب المعلومات فإن من قام بإنشاء المستشفى هي هيئة تنمية غرب كردفان، التي تلقت تمويلاً مباشراً من وزارة المالية، قامت بناء عليه بمتابعة، أو عدم متابعة ، عملية إنشاء المستشفيين. وبسبب ضغوط أبناء المنطقة المتنفذين في السلطة، قامت وزارة الصحة بتسديد مبلغ 15 مليون جنيه لصيانة وتأهيل المستشفيين، رغم إعلان الوزارة المسبق بأنه حتى لم تتم استشارتها في شأن المستشفيين. لهذا واجه المشروع صعوبات كبيرة واحتاج لمبالغ مالية لمواجهة الاحتياجات المستمرة، كما أن عدداً كبيراً من الأجهزة الطبية صارت منتهية الصلاحية.
هذه القضية تمثل حالة نموذجية لعمل أجهزة الدولة، حيث يختلط الفساد بالتسيب وغياب المسؤولية مع الفوضى وتعدد الأجهزة والأجسام المرتبطة بالدولة وغياب التخطيط السليم وتضارب الاختصاصات. تقوم هيئة مشرومية (من نبات المشروم الذي ينبت عشوائياً وبرياً) فتتلقى 60 مليون جنيه من وزارة المالية الاتحادية، وتبدأ في إنشاء المستشفيين بدون علم وزارتي الصحة الاتحادية والولائية أو مشورتهما. وبالتأكيد ليس من جهة تراقب وتراجع وتحاسب . وبعيداً عن المستشفيات فلا يستبعد أحد أن تكون هذه الهيئة ذات الميزانية المفتوحة قد بنت مدارس وجامعات دون علم وزارتي التعليم العام والعالي، وربما منشآت أخرى.
مثل هذه الهيئات كثيرة ومتعددة، وهي عبارة عن جزر معزولة عن باقي محيط ومؤسسات الدولة، بل يشكل بعضها دولة داخل الدولة، إذ تستثنيه القرارات المنشأة من كثير من القوانين واللوائح، “فيبرطع” القائمون عليها كيفما ما شاءوا دون أن يسألهم أحد.
غضب أعضاء البرلمان من حديث زميلهم النائب المستقل محمد طاهر عسيل الذي قال بأنهم، أي النواب، “قاعدين ساكت ويتسلوا”، وها هي الفرصة تأتيهم على طبق من ذهب ليثبتوا العكس إن أرادوا. أمامهم ملف جريمة مكتملة الأركان ومتنوعة الألوان، كما ذكرنا، فساد وتسيب وإهمال وتلاعب في ألمال العام، فليرونا ماذا هم فاعلون.
وهذه الهيئة ليست جسماً وهمياً، فسيجدون أسماء لأشخاص كانوا مسؤولين فيها وهم من اتخذوا قرار بناء المستشفيين وتابعوا تنفيذها، وبالتالي يتحملون المسؤولية عن كل ما حدث، ويجب أن يتم التعامل معهم بالقانون.
أما أن يصل البرلمان لهذا الحد، أو يعود ليجلس نوابه “ساكت” ويتسلوا، ويثبتوا أن النائب عسيل لم يكن مخطئاً.

التيار

تعليق واحد

  1. مقال رائع جدا
    الغريبه الناس ديل ما بخجلوا…او الغالب الاعم اكونو ما فاهمين زاتو المناصب الهم فيها دورا شنو …يعني مثلا وزير صحه اقول ماعارف المستشفي القام بيو منو دي مصيبة لانو اكيد الجهه دي ما متخصصه وبالتاكيد لافي مواصفات ولا يحزنون بس دايرين ابنو وخلاص واصوروا وهم لابسين البدل الاشتراكية والمسؤول فلان والمزعوط علان وفي النهاية اسرقوا واتحرمنوا ودا الغرض الاساسي

    يجب محاسبة الوزير ووزير الدوله بالصحه اذ كيف يتم انشاء مستشفي والوزارة لاتعلم
    يجب محاسبة الجهه التي بادرت بالعمل ومعرفه من اعطاها الاذن والمبالغ المالية واوجه الصرف وكشفها بالارقام للشعب
    ونريد ان نعرف من هؤلاء الاشخاص
    ولا نامت اعين الجبناء
    ثورة حدها القصر وحتي النصر انشاء الله
    ترونها بعيدا ونراها قريبا
    اللهم اهلك الظالمين عمر البشير واعوانة وكلاب امنه وعلي عثمان والمتعافي وعبدالرحيم وغازي ومصطفي وسيخه وحميدتي وموسي هلال وقاده الجنجويد وايلا والخضر ونافع وبكري وعطا وقوش
    اللهم احفظ اهلنا في دارفور وجبال النوبة وكل بقاع السودان
    اللهم ولي علينا من يخافونك فينا ويقيمون العدل والامن والامان والغذاء والعلاج لنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..