مقالات سياسية

الخرطوم وجوبا أزمة عقلية

منذ أن ارتكب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية جريمة فصل السودان الكبير واقتسماه بينهما لم تنتقل الخرطوم وجوبا إلى مساحات أرحب لبناء دولتين ناجحتين، بل انشغلتا بكل ما يعزز فشلهما، اكتفى المؤتمر الوطني في الشمال بالتمسك بالسلطة وإهدار الثروة وكذلك فعلت الحركة الشعبية في الجنوب، واستقبل العالم دولة فاشلة جديدة، هناك ضاعت أمنيات الجنوبيين في وطن سعيد بعيد عن الشمال الذي كانوا يعتقدون أنه حجرة عثرة في طريقهم، ولم يكسب الشمال الراحة والهدوء من جزء أثر الانفصال عنه، وبعدما كان تملل جوبا من الخرطوم مجرد بحث عن الذات أصبحت اليوم تبحث عن نفسها.
الحركة الشعبية لم تستفد من تجربة الشمال وتسمو بنفسها، بل أصبحت صورة طبق الأصل من المؤتمر الوطني وخلقت للجنوب نفس الوضع المأزوم في الشمال، فقد تركت كل ما يتعلق بمصلحة الجنوب الدولة واهتمت فقط بوجودها في الحكم كيف لا تفعل وهي تلميذة المؤتمر الوطني.

عشرات المرات منذ أن انفصل الجنوب جلست الحكومتان إلى بعضها من أجل تسوية الأمور العالقة فما خلَّفه الانفصال من مشاكل كان أسوأ وأكثر مئات المرات من مشاكل الوحدة التي ما كانت ستكون مشكلة لو أن المؤتمر الوطني كان حزباً ناجحاً قادر على حمل السودان إلى الوحدة بتجاوز أخطاء الحكومات التأريخية، وبعد تضحية مريرة من أجل بقاء الجنوب مع الشمال فصله المؤتمر الوطني ببساطة غريبة ومدهشة لم تهتز له شعره.

الآن يمضي على الانفصال ستة أعوام وما بين الخرطوم وجوبا لا يبتعد أبداً عن العداء والمكايدات والاتهامات والصراع والعمل ضد بعض، للمرة الألف تستأنف اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين البلدين اجتماعاتها التي توقفت بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدها جنوب السودان نهاية العام 2014، وزير الخارجية غندور أشار إلى تطلعهم لإقامة أقوى علاقات بين البلدين باعتبار ما يربط بينهما من تاريخ مشترك وعلاقات دم ورحم وتاريخ طويل ممتد (أنتو فاكرين يعني)، وأشار إلى أن السودان يولي علاقاته مع جنوب السودان أولوية قصوى.

مشكلة المؤتمر الوطني أنه حزب بلا إحساس وبلا ضمير يراعي مصلحته قبل مصلحة الشعب، وأي علاقة مع جنوب السودان يفكر في عائدها المادي والذي سيذهب إليه طبعاً قبل عائدها الاجتماعي الذي يصب في مصلحة المواطن، وكذلك تفعل الحركة الشعبية، فهما الاثنان يفكران بعقلية واحدة ليس لديهما القدرة على لعب دور سياسي إيجابي، فالسياسة عندهما فن المتعة الشخصية حتى وأن دفع الآخرون الثمن، ولن تسعد الخرطوم وجوبا بجوار آمن ولا أخوة طيبة ما دام هنا المؤتمر الوطني وهناك الحركة الشعبية، ومالم تتغير العقلية السياسية السودانية التي ترفض الآخر.

أسماء محمد جمعة
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..