زلزال.. بريطانيا!!

زلزال أصاب العالم أمس بتصويت الشعب البريطاني (بفارق طفيف) لصالح قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.. أول آثار الزلزال الاستقالة الفورية لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون..
رغم أن غالبية رد الفعل ظهر في الاهتزازات الاقتصادية وتوتر الأسواق العالمية، إلا أنني مُوقن أن قضية بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر أعمق من السياسة والاقتصاد معاً.
واحد من أهم الخصائص التي تتميز بها المنظومة الغربية في أوروبا وأمريكا.. إنها رغم الحداثة والمواكبة العصرية إلا أنها تتحرك وتتطور عبر الزمن ككتلة تاريخية هائلة.. تتحكم فيها الجينات الوراثية التي تصنع مستقبلها.
وأوروبا الغربية بالتحديد رغم تقاربها الوجداني والجغرافي، إلا أنها هبة صراع إمبراطوري مديد عبر التاريخ الإنساني، هو الذي صنع مجدها بل وترفها الاقتصادي.. هذا الصراع (الأوروبي – الأوروبي) رغم أنه انعكس خارج أوروبا في ألوان الخارطة الاستعمارية في العالم خلال القرون الماضية، إلا أنه ظل عميقاًBuilt in في النفسية والمزاج الأوروبي إلى اليوم.. ليس على مُستوى التنافس (الأوروبي) السياسي والاقتصادي فحسب، بل حتى في الرياضة كما يظهر في بطولة كرة القدم الأوروبية الجارية الآن في فرنسا.
ولئن كان العالم اليوم يعترف ويحجز مقاعد الصدارة ليميز (الدول الكبرى).. فيمنح خمس دول مقاعد دائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو.. ويحدد (8) دول “كبرى” هي الأولى صناعياً. فإن في أعماق الضمير البريطاني دائماً أن هناك درجة تاريخية أرفع منسية أو مسروقة من قائمة التميز الدولي هي درجة (العظمى) التي ظلت جزءاً من اسم بريطانياGreat Britain طوال تاريخ طويل.
فإذا كان في العالم (8) دول كبرى، فإنه فيه دولة واحدة في درجة (عُظمى).. مُستحقة تاريخياً..
في أعماق البريطانيين الذين صوتوا بنعم لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أنهم ليسوا مجرد دولة في منظومة أوروبا، كما تقتضي عضوية الاتحاد الأوروبي.. وربما لهذا يخشى البعض أن تنتقل العدوى لمكونات بريطانيا نفسها التي قد لا ترضى أن تكون مجرد (جوهرة) في التاج الملكي.. اسكتلندا مثلاً..
خلال فترة انضمامها للمنظومة الأوروبية اجتهدت بريطانيا في (تمييز) عضويتها باستثناءات كثيرة .. جعلتها أقرب إلى (عضو خاص).. يضع رجله داخل القطار والأخرى خارجه.. ولهذا ربما لن يتأثر الاتحاد الأوروبي ? عملياً – رغم الهزة المعنوية المحبطة..
بكل يقين لن يتأثر الاتحاد الأوروبي كمنظومة.. لكن دوله ستُعاني من (عدوى) اليمين المتطرف الذي اعتبر خروج بريطانيا هدية السماء.. فيبقى مصير أوروبا مُعلقاً في مصير وقدرة اليمين المتطرف استثمار هذا الحدث مُستقبلاً.. لتفكيك الوحدة الأوروبية..
التيار
بالفعل كيف يمكن ان تتساوى دول أعضاء مثل رومانيا و بلغاريا (دول متخلفة فى أى شيئ تصدر مواطنيها الشحادين بالملايين يملئون شوارع دول الاتحاد) و بين المملكة المتحدة ؟؟
ثم ثانياً كل دولة كبيرة أو صغيرة فى الاتحاد الاوروبى لها صوت فيتو فى قرارات الإتحاد و يمكنها توقيف أو رفض أى قرار لا يعجبها .
يعنى حكاية الكتوف إتلاحقت دى لا يمكن قبولها .
والسبب المباشر لفوز تكتل لا الداعمين للخروج من الاتحاد الاوروبى هو الهجرة الأوروبيه لبريطانيا (لاحظ الهجرة الأوروبيه و ليس غيرها) حيث ان الملايين من دول أوروبا الشرقية (الكانت تابعة للإتحاد السوفيتى سابقاً) الذين دخلو حديثاً للاتحاد وجدو فى عدم وجود فيزا بين الدول طريقة لدخول بريطانيا والإستقرار فيها والأخذ بالإمتيازات الإجتماعية المجانية و الرفاهية تماماً كما يفعل المواطن البريطانى , لا فرق بينهم .
نعم فرق النسبة ضئيل بين الموافقين والرافضين لكنها الديمقراطية– مثلها مثل كرة القدم — تعتمد النتيجة النهائية بركلات الجزاء وفارق النقاط. الشعب البريطاني شعب راقي ولديه الإحساس بالكبرياء التاريخي لكن من السابق لأوانه القول بأن خروج بريطانيا من الاتحاد سيؤثر إيجاباً أو سلبا على مجراها السياسي أو وضعهاالاقتصادي طالما لديها مفكرون سياسيون وخبراء اقتصاديون وبرلمانيون محنكون بوسعهم توجيه دفة القيادة نحو الأفضل. وفي هذه السانحة استحضر طرفة للعم المرحوم إبراهيم إدريس التاجر بسوق أم درمان عندما سألته عام 1986م أثناء نهائي مباراة كأس العالم: هل ستشجع الأرجنتين أم إنجلترا اليوم يا عم إبراهيم؟ فأجاب بسرعة وكأنما كان يحمل إجابته في يده: سأشجع إنجلترا. قلت له: لماذا؟ أجاب: لأنها كانت مستعمرانا!!
وهذا بداية العدوي للمنظومة الاربية