هل كان دكتور جون قرنق وحدوي

تفصلنا ايام قليلة عن الذكرى الخامسة لانفصال جنوب السودان عن الوطن الام و فقدان الوطن الام لاكثر من ثلث مساحته و ربع سكانه و معظم مخزونه من المحروقات و الغابات ، و في كل الذكرى يعود السؤال ” من المسؤول عن الانفصال ” الى واجهة الاحداث حاملا معه اجابات و اراء متباينة و تكهنات عديدة ؛ فهناك من يرمي بثقل المسؤولية كاملة على الغرب او الولايات المتحدة تحديدا و ان الهدف كان اضعاف السودان و تفتيته الى دويلات كجزء من مخطط الشرق الاوسط الكبير و الفوضى الخلاقة المرسومين في دهاليز السياسة الامريكية ، و هناك من يلقي اللوم بالانفصال على الحركة الشعبية بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت و ذلك لاطماع سياسية و اقتصادية شملت الانفراد بحكم الجنوب بلا منازع و الهيمنة التامة على ثرواته بلا مشارك ، و هناك من يتهم المؤتمر الوطني و الاسلامويين عموما بسبب الاخطاء و الحماقات المتكررة التي ارتكبها اتجاه الجنوب و الجنوبيين منذ وصوله الى سدة الحكم عبر انقلاب يونية 1989 و اعاقته للمؤتمر الدستوري لحل قضية جنوب السودان و الذي كان من المزمع عقده في سبتمبر 1989 مرورا بتحويلة الحرب في الجنوب من حرب سياسية بين نظام حاكم و متمردين اصحاب مطالب سياسية و اقتصادية الى حرب دينية باعلانه الجهاد و نقل المواجهة الى ميدان مسلم ضد مسيحي و العكس ، و هناك من يرى ان السبب الحقيقي للانفصال هو الاختلافات الاثنية و الثقافية و الدينية و غيرها و ان الانفصال كان مجرد مخاض عسير لها .
على الرغم من استفاضة الحديث و الجدل في السؤال السابق الا ان سؤال اخر يصب في نفس المسار لا يقل شأنا ولا اهمية لا يجد حظه من الاهتمام و صدارة الاحداث الا وهو السؤال القائل ” هل كان الدكتور جون قرنق وحدوي ام استقلالي ام كان ممسكا بالعصا من وسطها لا الى هؤلاء ولا الى اولئك يميل ؟ ” بصورة سطحية من السهولة بمكان الاجابة على هذا التسارل دون تكبد مشقة او عناء يذكر فكل ما يتطلب الامر جمع البعض البراهين من اقوال و افعال للرجل و من ثم الحاقه بركب احدى الحسنين ( الوحدة او الانفصال ) .
محاولة الاجابة على السؤال بفكر اعمق و احترافية اكبر نضوج في العرض و التحليل و التصنيف تجعل الغوص بعيدا في اغوار الرجل امر واجب و اقتفاء اثره و مسقط بصره امر اوجب ، فالرجل كان واسع المعرفة ، بعيد النظر ، عميق الفلسفة ، بليغ الاستدلال و الخطاب و لم يكن ممن يلقون الكلم على عواهنه بل كان لكل مفردة تفارق فيه دلالة و مغزى يصعب او يهون تأويله و احيانا قد تناقض اقواله بعضها بعضا فيتوه ذهن المتتبع و القارئ بين احراش الحيرة و الذهول و يصبح احيانا التوفيق بين اقواله ضربا من الخيال .
انقسمت الاراء و الاجابات عن السؤال الى فريقين حزم كل منهما امره و اجزم بصحة ما ذهب اليه رفع دلائله بيمينه عاليا و صارخا ( اقرأو كتابيا ) .
ذهب الفريق الذي يصبغه بالوحدوي الى الاستدلال بمشروع السودان الجديد و (sudanism) فلو كان الرجل انفصالي لما فكر في مشروع جامع لكل الهوية السودانية و كذلك يستدلون بخطابه الشهير الذي القاه في عام 1995 و الذي قال فيه مخاطبا فيه الجبهة الاسلامية ( انا مؤمن بوحدة الدولة ، انا ما ضد الاسلام ، انا ما ضد العرب ؛ انتو يا ناس جبهة مشاكلني في شنو ) و كذلك يستدلون بتحالفه مع معطم القوى الناقمة على النظام في جبال النوبة والنيل الازرق و شرق السودان و جعله معركة الجنوب جزء و ليس كل المعركة و ان تراجيديا مقتله كانت عملا مدبرا للتخلص منه لانه وحدوي و لن يحقق لها مبتغاها في تقسيم السودان .
و يستدل من يصفونه بالانفصالي بحق تقرير المصير لجنوب السودان و عدد من خطاباته كخطابه الذي القاه بالانجليزية في رومبيك في اواخر مايو 2005 حيث قال فيه مخاطبا المواطن الجنوبي ( would you like to be second class citizen in your on country , it is absolutely your choice ) و يمكن ترجمتها الى العربية ( هل تريد ان تكون مواطن من الدرجة الثانية في بلادك ، لك كامل الحرية في اختيار مصيرك ) و كذلك يتحدثون عن مجموعة رسائله الى جوزيف لاقو اثناء مفاوضات اديس ابابا 1972 و تطرقه لما اسماه ( arab chauvinism ) و غيرها من المصطلحات التي تأول كمعادية للوحدة و الانصهار في دولة واحدة مع المجموعات العربية و ان تحالفه مع جميع الجهات الثائرة كان كنوع من الاستغلال لها و ضرب بعضها ببعض لاضعاف جميع الاطراف وهو ما يدعم الاتجاه الانفصالي و ليس الوحدوي كما يزعم الاخرون .

هل كان دكتور جون قرنق وحدوي (2-2)

[email][email protected][/email]

في الحقيقة ان محاسبة الرجل بخطاباته امر غير منصف فلا يمكن ان يتحدث قرنق لجنوده قبل دخولهم المعارك عن الوحدة و ان هذا الذي تقاتلوه الان فيقتلكم و تقتلونه هو اخوكم و شريككم في الوطن الكبير و لكن بطبيعة الحال سيخبرهم بصورة حماسية عن الحرية و تحرير ارض الجنوب من ( المندكرو ) و تحرير الجنوبيين من الاستعباد ، و ايضا محاسبته باتفاقية السلام الشامل و حق تقرير المصير الذي قاد الى الانفصال ؛ فاتفاقية السلام الشامل لم يضع فيها لا قرنق ولا علي عثمان حرفا غير التوقيع بأسميهما فالاتفاقية كانت امريكية بكل ما فيها و قد قدمها الامريكيين في عام 2002 كمقترح للحكومة و الحركة قبل ان تفرضها عليهم في 2005 .
بالنسبة لي لا اري الدكتور جون قرنق وحدوي صرف ولا انفصالي محض بل كان يتقلب خلده و فكره بينهما حسب تأثيرات البيئة المحيطة و نضوجه السياسي و الايدولوجي و قد عاش قرنق عدة مراحل بين الانفصال و الوحدة حيث كانت اولاهم في اوائل السبعينات وهو في بواكير الشباب يشاهد شعبه يعيش في حالة من البؤس و الاضطهاد كما خيل او صور له فكان خياره مصادمة هؤلاء ( الجلابة ) الغاصبين و انتزاع حقوق شعبه كاملة و اقامة دولة مستقلة .
المرحلة الثانية استمرت من منتصف السبعينات حتى اوائل الثمانينات و قد كان فيها قرنق وحدويا الا انه لا زال يصرخ مطالبا بانصاف الجنوب و بناء شراكة متكافئة مع الشمال في اطار دولة موحدة و قد انتهت هذه المرحلة بتزعمه للتمرد على الرئيس جعفر نميري و عاد انفصاليا لوقت وجيز و يبدو ان الهدف من تيني الانفصال في تلك الفترة الضيقة هو تحقيق مكاسب سياسية و ذاتية كالانفراد بزعامة الجنوب الثائر و جلب الدعم للحركة الوليدة من الغرب و الشرق الناقمين على الرئيس نميري وقتذاك .
لم يلبث في تلك الفترة طويلا فسرعان ما عاد وحدويا مؤمنا و لكن حاملا بين يديه بعض الشروط مثل العلمانية و كبح جماح هيمنة الثقافة العربية و اعادة تشكيل السودان وفق اسس جديدة ليس فيه سيادة لمجموعة اثنية معينة بل تتشاركه جميع المجموعات العرقية المتواجدة ، و كان خلال هذه المرحلة وحدويا مؤمنا بها ايمانا مطلقا و سعى لتحقيقها بجميع الوسائل الممكنة عسكريا كان ام سياسيا .
في اواخر حياته اصيب قرنق بالاحباط بعد ان شاهد مشروع السودان الجديد يحتضر امام عينيه و علمانية الدولة قد قبرها نظام الرئيس عمر البشير الاسلاموي فعزم امره نحو الانفصال و في مخيلته كانت الدولة الوليدة دولة المواطنة و الحقوق الخالية من امراض و تناقضات الأم و لكن القدر كان يقظا فمنع تدفق انهار الخيال و التخطيط الى ارض الواقع و مات انفصالي الهوى و قد خلف من ورائه فكرا ثاقبا لن يموت .
و اجمالا يمكن اعتبار دكتور جون قرنق من اكثر الناس ايمانا بالوحدة على اساس سودان السودان المستقبل و موته على ملة ساترنينو لاهور يسأل عنه نظام الرئيس البشير الذي سد كل منافذ الامل و وقف عائقا بين البلاد و الدولة المدنية الحديثة .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحدثت عن سطحية تناول موقف الدكتور قرنق من الوحدة ثم إتخذت السطحية ذاته منهجا لتحليل خطاباته مجردا لها من نصها و زمانها و مناسبتها

  2. الشهيد جون قرنق لو كان انفصالى ما كان قتل فى طائرة موسيفينى الواطى العميل ولكا فاز فى انتخابات الرئاسة الم تشاهد الملايين التى استقبلته فى الساحة الخضراء واقسم بالله لو كان عايش لصوت له لميلاد السودان الجديد وليس لسودان العهر والدعارة السياسية والقذارة والفساد بتاع الحركة الاسلاموية السودانية بت الكلب وبت الحرام واصلا انحنا مما بارينا الاعراب بقينا دولة زبالة وحثالة وعاهرة وداعرة والله الله الله على ما اقول شهيد!!!!

  3. وحدوي انفصالي صار الامر للتاريخ كانت تجارة وتمت بس شوفوا منو قبض الثمن وللاسف لنفسهم وليس للبلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..