الإنقاذ وفرص التحول الناعم

رأي

الإنقاذ وفرص التحول الناعم

حسن أحمد الحسن

اتفق عدد من المحللين السياسيين، على أن أي انفجار للوضع السياسي في السودان ضد النظام الحالي على طريقة العنف والعنف المضاد، سيفتح أبواب الفوضى في البلاد، في ظل وجود حركات مسلحة لها ثأر مع النظام، ووجود كميات من الأسلحة وتسرب أسلحة أخرى بسبب التطورات الجارية في ليبيا، وتداعيات الانفصال على حكومة الجنوب التي تواجه بدورها عجزاً إزاء قدرتها على السيطرة وبالتالي تحاول تصدير مشكلاتها للشمال.
وذلك بالطبع رغم وجود جميع المبررات والأسباب التي تقول المعارضة إنها موجودة وملحة بأكثر من تلك الأسباب التي أدت إلى التغيير في كل من مصر وتونس وما يجري في ليبيا.
الحزب الحاكم وحكومته بدورهما متنازعان بين رغبة الرئيس الذي من مصلحته استتباب الأمن وبعض العقلاء الذين ينظرون بأبعد من طموحاتهم الشخصية، من ناحية، وبين المتشددين الذين يرون أن تنازل الحكومة وتواضعها أمام الشعب والاستجابة لمطالب المعارضة سينال من مكاسبهم التي جنوها لأكثر من عشرين عاما.
أما من الناحية الأخرى، فالمعارضة نفسها متنازعة بين تيارين، تيار العقلاء الذين يمثلهم الأمة والاتحادي وبعض الشخصيات الوطنية، وتيار المواجهة الذي لا يرى خيراً في النظام والحوار معه، ويستشهد على ذلك بسيل من الاتفاقات والمواثيق مع النظام لم تساوٍ إلا قيمة المداد التي سكب عليها.
إلا أن الواقع يقول إن هناك متغيرات أساسية وتحولات في المنطقة لا يستطيع الحزب الحاكم تجاهلها أو تبخيسها تواجه الأنظمة «المسجلة خطر» وتلك التي لا تأبه لحقوق المواطنين وحرياتهم، أو تلك التي تتمسح بالديمقراطية وتفسرها على هواها، أو تلك التي عشعش الفساد في أروقتها واختلط فيها الحزب الحاكم بمؤسسات الدولة وحولها إلى فروع تنظيمية له، استباحت المال العام وموارد الدولة، وتلك التي تحول فيها القضاء إلى أداة في يد السلطة التنفيذية وأصبح فيها الأمن والمخابرات «سي السيد» بلا مساءلة قانونية وبلا قانون مفّعل، وتحول فيها الإعلام القومي إلى أبواق للدعاية للنظام والحزب والحاكم. ولعل هذه المظاهر وغيرها هي التي دفعت بالملايين بعد ثلاثين عاماً في كل من مصر وسوريا إلى الشوارع بتعاطف إقليمي ودولي لتقتلع تلك الأنظمة وتعيد الهرم المقلوب إلى موضعه الطبيعي.
لقد حكمت الإنقاذ السودان لأكثر من عشرين عاماً بيد مطلقة، وكل الذين شاركوا فيها من غير حزبها شاركوا وفق شروطها وتحت وصايتها أصابت، وأخطأت، خاصمت وقاتلت وصالحت وذهبت بالبلاد في كل اتجاه كقطار سندباد، وكانت الحصيلة مع تقدير كل المنجزات التي أنجزت على صعيد عدد من المشروعات خلال هذه الفترة الطويلة، ملفات استعصت على الحل فذهب الجنوب إلى غير رجعة بتضافر عوامل ذاتية جنوبية وسياسية واقعية وسند غربي وضعف تفاوضي، وأصبح الوضع الاقتصادي على كف عفريت دون رؤية استراتيجية قومية وأصبحت دارفور كالمعلقة تتأرجح بين تشدد حملة السلاح وعناد المفاوض الحكومي، مما حيَّر الوسطاء وأصابهم بالملل، وحول مقر التفاوض إلى منتجع للراحة والاستجمام.
وإزاء هذا الواقع السياسي ينتظم الحوار بين حزبي الأمة والمؤتمر الوطني حول أجندة أساسية تمثل (smooth transition) هي مطلب جميع السودانيين ومربط الفرس، أجملها زعيم حزب الأمة في الآتي:
«كتابة دستور جديد يكفل حق المساواة في المواطنة ويكفل حقوق الإنسان واللا مركزية الفيدرالية ضمن «6» ولايات للشمال مع تمثيلها في رئاسة الدولة وكفالة الحرية الدينية للكافة، مع التوفيق بين المواطنة والتشريع الإسلامي.
توقف ما سماه بالتوجهات العدائية نحو الجنوب، وإبرام معاهدة توأمة بين الدولتين.
وحل أزمة دارفور بما يستجيب لتطلعات أهل دارفور المشروعة المتضمنة في النقاط العشر الواردة في الأجندة الوطنية.
كفالة الحريات العامة وتكوين مفوضية مستقلة للمراقبة.
تطبيق برنامج اقتصادي إصلاحي، وأن يتم تحقيق العدالة عن طريق محكمة هجين وضمن حزمة إصلاحية يقبلها مجلس الأمن.
تكوين حكومة قومية جامعة موزونة التكوين وليست لأي حزب فيها هيمنة على مؤسسات الدولة الرسمية.
هذه المطالب أجمعت عليها المعارضة ولم تعترض على مناقشتها الحكومة وحزبها، وتنفيذها يعتبر الطريق الوحيد والآمن لتحول ناعم يجنب البلاد أي انفجار غير محسوب أو طوفان غير مأمون العواقب.
وكثيراً ما أشار حزب الأمة إلى أن المصلحة الوطنية تقتضي مواصلة الحوار مع المؤتمر الوطني ليمضي إلى نهاياته رغم انتقادات حلفائه في المعارضة الذين لا يختلفون على مطالبه المطروحة، ورغم تشكك تيارات عديدة في داخله من عدم جدوى الحوار مع المؤتمر الوطني في إشارة إلى سوابق حوارات مماثلة.
وأحسب أن الحزب الحاكم أمام تحدٍ أساسي بين نوازعه في الهيمنة واحتكار السلطة، وبين تحول ناعم يفتح أبواب الحرية ويؤسس لدولة مؤسسات ديمقراطية حقيقية تعيد التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وتغسله من أدران الماضي، وتؤمن له دوراً سياسياً متصلاً وفق سنن السياسة.
كما أن البديل الوحيد لعدم التوصل إلى اتفاق سياسي يحقق طموحات المواطنين ويؤمن البلاد إزاء ما يواجهها من تحديات حالية وقادمة من خلال الفرصة الحالية التي يقدمها حزب الأمة وشركاؤه في المعارضة، هو التردي وعدم الاستقرار والفوضى السياسية، وكما هو معلوم فإن السودان سيكون أكثر المتضررين لوجود مقومات نائمة حتى الآن لتلك الفوضى المسلحة.
فهل تغلِّب الحكومة وحزبها المصلحة الوطنية العليا على المكاسب الحزبية والشخصية؟ وهل تبادر بفتح آفاق جديدة لتحول سلمي ناعم؟ أم سيقبل السودان على واقع جديد لا يملك أحد طرفي المعادلة تشكيل نهاياته، وتنسكب زجاجة سمن المؤتمر الوطني على فضاء المجهول..؟!

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..