النظام …والوصول إلى ذروة الانهيار الإداري

بسم الله الرحمن الرحيم
ركز الناس كثيراً في مناحي الفشل المتعددة من النظام ..على الفساد والانهيار الاقتصادي والاخلاقي .. ..لكن ما لا يشار إليه بتفصيل يستحقه دون أن يعني ذلك عدم وجود إشارة.. هو الانهيار الاداري.. لقد تم تداول بدايات المشكلة مع سياسة التمكين التي عمت كل مفاصل الدولة ..والإدارة جزء أساسي منها..لكن دعونا نحاول التطرق إلى مآلات هذه السياسة في المجال الاداري.. فقد تم تشريد عشرات الآلاف من الخدمة العامة فيما سمي زوراً بالصالح العام. لصالح تمكين المحسوبين على النظام..ورغم أن الفشل قد لازم التجربة من بدايتها..إلا أن النهايات أصبحت مأساوية أكثر مما تم تصوره في البداية..ونستطيع القول ان النظام الإداري قد وصل ذروة مظاهر انهياره..ولم يكن ذلك وليد صدفة بالطبع ..ولكنه كان نتاجاً طبيعياً للسياسة سيئة الصيت..
ورغم ضعف خبرة الكثيرين ممن تم اسناد الأمر لهم ..إلا أن قوة السلطة كانت تجعل القرارات نافذة ..بيد أن وجود عدد من اللجان المساعدة في كل وزارة أو مصلحة ..من غير المرئيين ..كان من دواعي الإرباك للعاملين الذين يلاحظون اتخاذ خطوات أو قرارات لم تتم الاستنارة فيها برأيهم مهما كانت درجة تأهيلهم ..ما أزهدهم عن أي مبادرة ..وكان بداية حقيقية ومتوقعة في أزمة الإدارة والخدمة العامة..فأصبح الموظف العام مجرد منفذ طائع وسلبي لسياسات لم يساهم في وضعها..وهنالك عوامل أخرى فاقمت الوضع بمرور السنين..وأهمها..
? ترقي الجيل الأول من الممكَنين ..وصعودهم إلى المراتب الوزارية والدستورية الأخرى..فيلاحظ أن كل الوزراء الولائيين والمحافظين والمعتمدين لاحقاً ..كانوا من المهنيين ..وبترقيهم ..آلت الساحة إلى جيل ثان لم يتعود على وضع السياسات ..بل تلقيها من عل وتنفيذها ..ما جعلهم قليلي الخبرة وكبيري الحماس.. واتخذوا قرارات كارثية أضرت بالخدمة العامة في جميع المناحي
? طبيعة النظم الشمولية التي تجعل رأس النظام ممسكاً بكل شئ..ويكفي تعليق سالب منه لقلب كل ترتيب أو قرار تم اتخاذه على مدي شهور..وانعكس ذلك على الوزراء الذين يخشون من مخالفة الرئيس ويسعون لخطب وده ورضاه.. فأصبح تدخلهم في عمل مديري الوزارات أمراً طبيعياً ..خاصة مع كثرتهم الناجمة عن الترضيات والمحاصصات القبلية والسياسية مع موقعي الاتفاقات مع النظام.. وما تدخل الوزراء في كشوفات الموازنة والتنقلات التي ظهرت في أكثر من ولاية مثل الخرطوم وكسلا إلا مظهراً لذلك..وهذا يستتبع ضعفاً في بيناً في الادارات ..وقس على ذلك نزولاً لأدنى المستويات الادارية…وهذا ينطبق على علاقة الولاة بالوزراء الولائيين ومديري الوزارات والادارات..بل أصبح معتاداً أن يقوم وزراء حتى بالتوقيع في طلبات هي من صميم مهام موظفين..
? سلطات الولاة في التعيين للإدارات اللعليا في الوزارات .. تجعل الولاة متحكمين فيمن يتم اختيارهم.. حتى بمخالفة ترشيحات الوزراء المنصوص عليها كخطوة سابقة للتعيين..يجعل مديري الوزراء أكثر ولاءً للولاة ..وكثيراً ما تحدث احتكاكات بينهم والوزراء ..ويزداد الأمر سوءاً نتيجة سياسة تجعل المدير العام من غير حزب الوزير..ويؤدي ذلك إلى مفارقات غريبة..فوزارة التربية في ولاية كسلا مثلاً..بها ثلاثة في الدرجة الأولى الوظيفية رغم أن الهيكل الإداري يحدد واحداً فقط..والنتيجة لأن هناك اثنان في درجة مدير عام بكامل مخصصاتهم وهم في منازلهم..نسبة لاستحالة الاحالة للصالح العام حالياً..وقس على ذلك أي اعفاءات لمديرين عامين في كل السودان
? ما سبق يجعل الإدارات السفلى تحت رحمة ومزاج المدير العام الذي قد يتلقى التعليمات من الوزير وحتى الوالي في كل شئ حتى تنقلات العاملين مثلاً..إذا لم نتحدث عن التدخلات الأمنية..بالنتيجة يكون الإداريون من أكثر الناس هشاشة وانحناءاً للسلطات ..وللمفارقة محاولة إظهار القوة لمن هم دونهم..والنتيجة الحتمية ..هي الانهيار الإداري الكامل الذي سيسمع دوي سقوطه في أجل أقرب مما يتوقع الجميع
[email][email protected][/email]
ما سمي بالصالح العام خلق فجوة بين أجيال الموظفين في الخدمة العامة مما قضى على تجارب وخبرات تراكمت على مر السنين منذ عهد الاستعمار الانجليزي الذي اشتهر بنظامه الاداري الفذ الذي جعل دولة صغيرة المساحة (الجزر البريطانية) تحكم ثلثي العالم
يا عم ! سائق السفينة او الطائر يدرس و يمرن سنين عددا. سائق اللورى والتكسي يتحصل اولا على رخصة ، بعد امتحان. ولكن سواقت بلد مساحته مليون ميل لم تتطلب الا مغفل وبليد سهل الانقياد ، كالبشير باختيار الترابي.