نحو ثورة هادئة

أخشى ما أخشاه هو أن نصل إلى مرحلة الثورة الفرنسية التي مضت في انتقامها من الماضي انتقاما بشعا لعبت فيه المقصلة دورا هاما في إطارة الرؤوس .
لقد ولدت الحركة الإسلامية في حكمها أحقادا شديدة نتيجة التعذيب والقتل والاغتيالات والاستفزاز اللفظي ونشر العنصرية والجهوية مما جعلها أبشع نظام حكم مر على السودان وبالتالي أثارت أحقادا وضغائن شديدة عمرت بها الصدور . إنني أخشى من ثورة انتقامية تطال الحركة الإسلامية وتقصيها ، وخشيتي ليست على الحركة الإسلامية ذاتها ولكن خشيتي على السودان ككل ، فإن أي ثورة قادمة يجب أن يدرك قوادها بأن السودان متعدد الآيدولوجيات وأن اقصاء طرف يعني استمرارنا في الدائرة المغلقة ، من صراع بين الإسلاميين والعسكر. فالإسلاميون ليسوا رقما سهلا في المعادلة بل لهم وجود محل اعتبار ويعدون من المكونات التي لا يستهان بها وأن إقصاءهم يعني عمليات انتقامية واسعة النطاق لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة وهذا ما لا يكرس سوى لمبدأ القوة والعنف في الوقت الذي نحتاج فيه إلى ترسيخ النهج الديموقراطي السلمي ؛ وهذا ما لن يتم إلا بتجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة نقية نسلم فيها بأخطأء الماضي ونتوعد فيها متعهدين بعدم تكرار ذات الأخطاء. وهذا ما حدث في أوروبا حينما أرهقتها الثورات الانتقامية وفي النهاية وصلوا إلى نتيجة واحدة وهي أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في هذا الوضع وعلى هذا النحو.
إن بناء دولة القانون والمؤسسات يحتاج منا إلى تجرد وإيثار وتجاوز ، ويحتاج بالتالي إلى حكمة وليس إلى دماء ساخنة وهذا يذكرني بمقولة قانونية شهيرة وهي أن إفلات مجرم من العقاب خير من إدانة متهم بريئ ، فالانتقام يقوض مفاهيم العدل فنحتكم إلى محاكمات صورية وسفك للدماء بلا طائل من ذلك كله سوى استيلاد المزيد من العنف وعدم العدالة وفقدان الثقة بين مكونات الشعب.
إننا نحتاج الى تضحيات جمة ؛ تضحيات بالأرواح والمفاهيم والآيدولوجيات لتعبيد طريق الديموقراطية ؛ ولننعم أخيرا باستقرار سياسي يكون قرة أعين لنا.
19 يوليو2016
[email][email protected][/email]