هل خرج الشعب التركي فعلا من أجل حماية الديمقراطية ضد انقلاب العسكر؟

أثار الصراع على السلطة بين حكم حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ والمؤسسة العسكرية التركية الكثير من الإسقاطات في الدول العربية.

لقد ذهب الكثيرون، انطلاقا من الإسقاطات والرغبات الخاصة والدفينة والأفكار التي تدور في رؤوسهم هم فقط، إلى أن الشعب التركي خرج ليحمي الديمقراطية. غير أن كل المعلومات الواردة من أنقرة واسطنبول وبعض المدن الأخرى، تؤكد أن الشعب التركي لم يكن له أي علاقة لا من بعيد ولا من قريب بكل تلك الأحداث، وبالذات بمحاولة الانقلاب الناجمة عن صراع السلطة.

والمعروف أن الشعب التركي قال كلمته في احتجاجات ميدان “تقسيم” في 2013 وانتهى الأمر. أما النخب التركية فهي لا تخاف إردوغان ولا حزبه ولا أنصاره. إذ أنها تردد كل انتقاداتها لإردوغان في الداخل والخارج وتواجه المنع والاعتقال وفرض الغرامات المالية. وهي تفعل ذلك منذ سنوات وليس فقط في وقت محاولة الانقلاب أو بعده. إضافة إلى أن الأحزاب السياسية المعارضة لسياسات إردوغان لم تخرج طوال فترة الانقلاب ولم تعلن أو تصرِّح بأي شئ.

في الحقيقة، كل ما حدث أن إردوغان وحزبه قاما بإنزال أنصارهما إلى الشوارع في تقليد مشابه لتقاليد الاحتجاجات والانتفاضات العربية. والهدف من ذلك، هو ظهور القائد أو الزعيم بمظهر الشخصية ذات الشعبية، ومن أجل إضفاء صبغة “شعبوية” على “الانتصار” وهزيمة الخصوم، وإثبات الجماهيرية الواسعة للزعيم أمام الدول الأخرى، وبالذات في الغرب. ومن ثم يمكن كتابة التاريخ أو بالأحرى تزويره ليؤكد على أنه قد تم القضاء على “المتمردين” وعلى “الانقلابيين” بمساعدة الشعب وفي إطار ثورة شعبية واسعة النطاق رفضت “الاستبداد العسكري” و”حمت الديمقراطية”.

في الحقيقة أيضا، هذه “عركة” بين نظام سياسي استبدادي (يميني ديني متطرف) وبين مؤسسة عسكرية تريد أن تحافظ على مكاسبها ومصالحها ونفوذها السياسي وأوضاعها المالية والسلطوية.. مؤسسة لها باع طويل في الانقلابات تحت مسمى الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالتالي، فهذا صراع في داخل السلطة نفسها. وقد بدأ إردوغان على الفور، وبمساعدة وسائل الإعلام الحكومية التركية وحكومات دول الخليج بوسائل إعلامها، بالشروع في تصوير الأمر وكأن الشعب التركي عن بكرة أبية نزل إلى الشوارع ليحافظ على المكاسب الديمقراطية والمدنية والعلمانية.

المسألة تتلخص في أن الانقلاب كان مفاجئا. أي أن الشعب لم يكن يعلم أي شئ. وهو أيضا انقلاب قام به جزء من المؤسسة العسكرية. بمعنى أن هناك انقسامات حادة في تلك المؤسسة، كما في مؤسسة الرئاسة نفسها. لكن المثير للتساؤلات أن إردوغان تمكن من إدارة هذا الانقلاب، بل والنجاح في القضاء عليه، ثم استثماره جيدا بالتشغيل “اسطوانة” نزول الشعب إلى الشوارع، ووقوف المعارضة السياسية ضد الانقلاب. وهو الأمر الذي لم يحدث على أرض الواقع، أو حدث جزئيا لأسباب معاكسة تماما للأسباب التي تحاول السلطة السياسية تصويرها وإقناع الرأي العام بها.

إن انتقاد المعارضة ورفضها الانقلاب العسكري، لا يعني، ولا يمكن أن يعني قبولها باستبداد إردوغان، ونهمه للسلطة، والتخلص من معارضيه السياسيين. ولا يعني أيضا أنهم يعادون إقامة أي نظام عسكري، من أجل حبهم لإردوغان وسياسات حزبه. الأسباب مختلفة تماما، وليست لها علاقة بإردوغان وحزبه ووسائل إعلامه.

إن قمع إردوغان لاحتجاجات ميدان “تقسيم” في 2013 كان إحدى المراحل المهمة للغاية لانفصال النخبة عن المشروع الإردوغاني. وكانت هذه الاحتجاجات بنتيجة الانعطافات السياسية الحادة لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ، الذي تحوَّل إلى قوة رجعية بامتياز خلال ما يقرب من 10 سنوات من الحكم. وبالقضاء على احتجاجات “تقسيم” في اسطنبول والتي كانت قد امتدت لمدن أخرى حتى وصلت إلى أنقرة وديار بكر، بدأت تظهر آثار الفساد السياسي، وتورط النخبة السياسية التابعة للحزب الإسلامي الحاكم في قضايا وجرائم تتعلق ببنية المجتمع والدولة معا، على رأسها استغلال السلطة والفساد المالي والاجتماعي. وظهرت في نهاية المطاف نزعات الحكم الفردي لدى إردوغان، وانتهاج سياسات شعبوية بمغازلة القوميين تارة، ومغازلة الجيش تارة أخرى، ومغازلة “القطيع” تارة ثالثة. أضف إلى ذلك، توريط البلاد في مغامرات مع التنظيمات الدينية في الشرق الأوسط وانتهاج خطاب تمييزي ? عنصري ضد الأقليات الدينية والعرقية، وإطلاق مقولات تهدر من كرامة المرأة وإعلان الوصاية الدينية في دولة ذات دستور علماني.

وتحولت دولة الوصاية العسكرية السابقة إلى دولة وصاية دينية وقمع سياسي للنخب في وسائل الإعلام والقضاء والجامعات، بل وامتدت الأمور إلى شكل من أشكال “الشللية” السياسية والعقائدية حتى في الأجهزة الأمنية. وبالتالي، فالحديث يدور الآن عن السقوط السياسي لإردوغان، حتى وإن ظل لبعض الوقت في السلطة. لقد اهتزت مؤسسة الرئاسة في تركيا، وأصبح إردوغان مدينا حتى للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية (على الأقل للجزء الذي ساعدة في مواجهة محاولة الانقلاب المشكوك فيها). غير أن الأخطر، هو أن تركيا ما بعد محاولة الانقلاب، لن تكون تركيا ما قبل تلك المحاولة التي ستتضح خيوطها في ما بعد.

أشرف الصباغ
روسيا اليوم

تعليق واحد

  1. الرجاء الدقة فى المعلومات يا صديقي قصة ميدان تقسيم كالاتي: ميدان تقسيم كان مكتوبا عليه باللغة العثمانية أى بالحروف العربية غير مسلم محلة سي أى منطقة غير المسلمين حيث أقام فيه بيوت الدعارة و القمارو ما زال حتي اليوم خميرة عكننة للمسلمين في اسطنبول و حاول اردوغان عندما كان مديرا لبلدية اسطنبول بناء مسجد في الميدان فرفض الاهالي ذلك و ألان أراد أردوغان و هو رئيس الجمهوية أن يرسم بناية عثمانية قديمة في الميدان فرفضت الاحزاب العلمانية و جماعة فتح الله غولن وتسببت في كثير من الاحتجاجات و ظلت جماعة الكيان الموازي هي التي تدعم المحتجين بالطعام و الشراب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..