أجراس الحرية: لدينا حلم!ا

أجراس الحرية: لدينا حلم!

رشا عوض
[email protected]

(ما من عقيدة أو مذهب أو نظام أو تنظيم خاصم الحرية إلا وقصمت ظهره! وما من محاولة ادعت تجاوز النظام الديمقراطي التعددي إلا وكانت خلفه! هذا هو درس التاريخ، وذلك لأن الديمقراطية خلاصة حكمة الشعوب في بحثها الدائب وكفاحها الطويل من أجل احترام حقوقها في الكرامة والمساواة والعدالة وحكم القانون وفي المشاركة ومساءلة الحاكمين.
الديمقراطية ليست مجرد مهرجانات انتخابية، إنها ثقافة في الأدمغة قبل أن تكون بطاقات في صناديق الاقتراع، وهي كفالة لحقوق الإنسان السياسية والمدنية، كالحق في التنظيم وحرية التعبير، والحق في التظاهر السلمي والمحاكمة العادلة، وفي حرمة الرق والتعذيب؛ إلى اخر ذلك من الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إضافة إلى كفالتها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في الرعاية الصحية والاجتماعية والحق في التعليم وفي العمل، كما تشمل الحقوق الثقافية بكفالتها للمجموعات الثقافية والاعتراف بحقها في احترام ثقافاتها وفي التوسل للمعرفة بلغاتها الأم، إضافة إلى الأجيال الجديدة من حقوق الإنسان كالحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة معافاة ومستدامة والحق في الحصول على المعلومات ونشرها، وحقوق المجموعات الخاصة كالأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي بلاد كبلادنا حيث تبددت سني ما بعد الاستقلال في إعادة إنتاج التخلف وفي القمع والقهر القومي الطويل والمر، تنتصب الديمقراطية بأبعادها المتعددة والشاملة: كديمقراطية في العلاقات بين القوميات، وكحق في التنمية، وديمقراطية سياسية واجتماعية وثقافية، وكديمقراطية في الأسرة والمسلك الشخصي، تنتصب الديمقراطية بكل هذه المعاني باعتبارها القيمة الأعلى والأولوية القصوى.
وإذ تنطلق الصحيفة من الديمقراطية باعتبارها المرتكز الفكري والسياسي، فإنها تسعى لنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن تصبح صوتا للمهمشين، كل المهمشين، سواء لأسباب جغرافية تنموية، أو لأسباب عرقية أو ثقافية، أو لأسباب طبقية، أو بسبب النوع(تهميش النساء) أو بسبب العمر(الأطفال والشباب والمسنين).)
هذه هي الرؤية الحاكمة لصحيفة أجراس الحرية التي تضمنها نصا ميثاق يشتمل على سياستها التحريرية تمت صياغته بإحكام ومناقشته باستفاضة في هيئة تحرير قوامها صحفيون وكتاب القاسم المشترك الأعظم بينهم هو التوجه الديمقراطي والانحياز لقيم الاستنارة، أجراس الحرية هي جزء من مشروع وطني كبير هو مشروع توطين الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في السودان، وهو مشروع له جبهات عمله المتعددة، وكشركاء في مشروع “أجراس الحرية” بأفكارنا وعواطفنا ومعارفنا قد تشرفنا بالتفاعل مع قضايا الوطن جنوبا وغربا وشرقا وشمالا بالخبر والتحقيق والحوار والتقرير والتحليل والمقال من منبر طالما حلمنا به وتمنيناه، صدر العدد الأول من “أجراس الحرية” في اليوم السابع من شهر أبريل عام 2008م، وهاهي اليوم تطفئ الشمعة الثالثة من عمرها، وهو عمر قصير بحساب السنوات، ولكنه عمر مديد بحسابات القيمة المعنوية للتجربة وثرائها الإنساني، وبينما نحن نودع عاما ونستشرف عاما جديدا؛ نجد أنفسنا في حيرة “خلّاقة” بين عشرات الأفكار والأحداث والقضايا التي تصدرت الحياة العامة في البلاد في الأعوام الثلاثة المنصرمة أيها الأجدر بأن نتوقف عنده طويلا ونجعله محور الحديث ونحن نحتفل بالعيد الثالث لمشروعنا! أم نترك القضايا جانبا ونجعل المناسبة وقفة تأمل في مسيرة الصحيفة نفسها فنضع أداءنا المهني وإنجازاتنا الملموسة في تمثل رؤيتنا وخدمة مشروعنا والاهتمام بقضايا”المهمشين” الذين تمنينا أن نكون صوتا لهم يحكي معاناتهم ويعكس مشاكلهم ويساهم في حلها، نضع كل ذلك تحت مجهر الفحص والتمحيص بصورة نقدية صارمة عرفانا لقراء الصحيفة المخلصين الذين أودعوها ثقتهم واحترامهم منذ صدورها إلى الان، أم أن الأجدر أن نتوقف عند العقبات والمتاريس التي وضعها “أعداء الحرية” في طريق الصحيفة محاولين عبثا إطفاء نورها وإطفاء نور كل الأقلام الحرة في مختلف الصحف عبر الرقابة الأمنية وعبر المصادرة وعبر الضغوط المالية وحجب الإعلان، ووقفتنا عند هذا الجانب بالذات تجعلنا نعلن بكل فخر وثقة أن أجراس الحرية نجحت بامتياز في امتحان الثبات في موقفها من قضية الديمقراطية ومناهضة الاستبداد والانحياز للمهمشين والمستضعفين، والدليل على ذلك أنها صودرت من المطبعة عشية عيدها الثالث وذكرى الانتفاضة المجيدة! فقد صودرت من قبل جهاز الأمن يوم أمس الموافق السادس من أبريل!
ورغم أهمية كل هذه القضايا فثمت قضية حسمت الحيرة في الاختيار بشكل قاطع إذ أننا نحتفل بالعيد الثالث لصدور الصحيفة وقد صوت شعب جنوب السودان بنسبة 99% لخيار الانفصال وتأسيس دولته المستقلة، وهذا يجعلنا نشعر بالحزن لأن الصحيفة بذاتها مثلت جسرا للتواصل بين الشمال والجنوب، ومن أهم أهداف السياسة التحريرية لها دعم خيار الوحدة الطوعية على أسس جديدة، وهذه الأسس الجديدة لا يمكن توفرها إلا بالتحول الديمقراطي في سياق مشروع وطني كبير، وقد أخفق السودانيون في إنجاز هذا المشروع لأسباب فصلناها في مقالات سابقة، حزننا على انفصال الجنوب إن كان له وجه إيجابي فهو أنه يزيدنا تصميما وإرادة على التمسك بميثاقنا ورؤيتنا الحاكمة لأنه ثبت بالتجربة أن غياب الديمقراطية يعني تناقص السودان من أطرافه وتمزقه إربا إربا، وبالتالي فإن استقلال الجنوب لا يعني انتهاء رسالة أجراس الحرية بل على العكس يؤكد على أهمية هذه الرسالة وحاجة السودان الشمالي لمشروعها.
وسنظل نقرع أجراس الحرية بلا كلل أو ملل من أجل السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، من أجل الاستنارة والعقلانية والتسامح والمساواة، ومن أجل إنصاف المستضعفين ومن أجل كل القيم التي تنشيء الحضارات وتسمو بها،
وسنظل نقرع أجراس الحرية بلا كلل أو ملل ضد الظلم وضد الاستبداد وضد الفساد وضد التهميش والاستغلال، وضد العنصرية ، وضد الإرهاب والتطرف،
وكل عام و”الأجراس” بخير، وكل عام وتحية الإخاء والمحبة والإجلا ل للزميلات والزملاء العاملين فيها، التحية للقيادة التحريرية والمحررين والكتاب، والتحية للطاقم الإداري والفني، والتحية للعمال، والتحية للقراء الكرام
وختاما لا نقول حققنا ما يرضي طموحنا، ولكننا نستطيع أن نقول كان لدينا حلم وشرعنا في تحقيقه، لم نصل إلى ما نريد ولكننا قطعنا مسافة في الاتجاه الصحيح، ولا يهم أين نحن الان بل المهم في أي اتجاه نحن نتحرك، وما دمنا نتحرك نحو الحرية فنحن في الاتجاه الصحيح.

تعليق واحد

  1. (وختاماً لا نقول حققنا ما يرضي طموحنا,ولكننا نستطيع أن نقول كان لدينا حلم وشرعنا في تحقيقه,لم نصل إلي ما نريد ولكننا قطعنا مسافة في الإتجاه الصحيح,ولا يهم أين نحن الان بل المهم في أي إتجاه نحن نتحرك,وما دمنا نتحرك نحو الحرية فنحن في الإتجاه الصحيح)…والله أبلغ تعبير قرأته مؤخراً ولا شئ أضيف
    كل عام والأجراس بألف مليون خير وإن كره المنافقون وكل عام وأنت يا رشا الحب والصحة والعافية…

  2. الأستاذة رشا … التهنئة من القلب لأجراس الحرية … ونقبل أياديكم جميعآ حبآ وتقديرآ وعرفانآ لإعتلائكم منصة الحرية لتعليم الناس أعظم دروس التضحية فى سبيل الحق والواجب والوطن … وهنيئآ لنا ولأجراس الحرية بأمثالك … ودمتم .

  3. التهنئة الخالصة لأجراء الحرية (منبر الحرية الصادق) والقائمين عليها أجمعياً. إنها حقاً أجراس تقرع بقوة وقد استطاعت أن تسمع كل من ليس به صمم. والتف حولها كل الأحرار وأصحب العقول النيرة والغايات الوطنية النبيلة.. إنها حقاً أجراس الحرية ونداء الحرية وملتقى احرار بلادي كتاباً وقراء ، إنها صوت المهمشين الظامئ ابداً للجرية والمساوة والإخاء والعدل والوئام لوطن يسع الجميع
    نعم استاذة رشاء لديكم حلم لكل أهل السودان وسوف يتحقق الحلم طالما أنتم سائرون وصامدون والأخرار على درب النضال معكم غداً سنصل ويتحقق

  4. ليس من الطبيعي ان تكون طبيعي في ظرف عير طيبعي و لكن لابد من التطبيع مع الظروف بغرض البحث عن فبص افضل والا ستكون مقاومة الرياح بتكلفة اكبر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..