مطلوب خبراء أجانب… يا للعجب!

لفت انتباهي خبر طالعته ضمن أقوال الصحف السودانية الصادرة بتاريخ الجمعة 1 يوليو2016 أي بالتزامن تقريباً مع الذكرى السابعة والعشرين لثورة ” الإنقاذ”، مفاده أن بعض النواب يطالبون بخبراء أجانب لإخراج البلاد من الوضع الراهن! وهذه، بكل تأكيد، مطالبة من جهات على إطلاع تام بمجريات الأمور؛ لأن هؤلاء هم نواب الشعب المنتخبون الذين يمثلون الرقيب والمحاسب لأداء الأجهزة الرسمية!
ولذلك فإن كلامهم يعني بصريح العبارة أنّ البلاد تشهد أزمات ومشكلات يحتاج حلها لأشخاص مخلصين لا يخشون في الحق لومة لائم، والأمة السودانية حبلى بهؤلاء، ولكن للأسف الشديد فإن معظمهم يوجد الآن في جامعات الخليج ومستشفيات بريطانيا العظمى وغيرها من مرافئ الغربة والمؤسسات والهيئات الدولية المرموقة، وهم الأجدر بحل مشكلات البلاد؛ نظراً لخبراتهم المتراكمة وعلمهم الغزير، سيما وأنهم من ذوي الدراية والإلمام بمجريات الأمور الاقتصادية والسياسية والعلمية وفق المعايير الدولية المعتبرة. ولذلك فإن البلاد ليست بحاجة لخبراء أجانب ولا لتدخل أجنبي أو عودة الاستعمار في شكله الجديد، تحت مظلة العولمة، وهيمنة الشركات الكبرى والأجنبية، أكثر مما هو مشاهد حالياً من تدخل دولي، غير مفيد ولا مرغوب، تحت ذريعة مراقبة الأوضاع، بسبب الحروب والتمرد في بعض أجزاء الوطن، بقدر ما هي بحاجة للاستفادة من الكوادر الوطنية المؤهلة التي أشرنا إليها، ولكنها فضلت الهجرة ومعاناة الاغتراب بينما أهلهم ومواطنوهم يتعرضون للظروف التي جعلت النواب المحترمين يتقدمون بهذه المطالبة! وهذا الوضع يستدعي، في المقام الأول، دراسة الظروف التي أوصلت السودان لهذا الوضع المؤسف بكل المعايير المعمول بها دولياً. فكثيراً ما نسمع بأن السودان هو سلة غذاء العالم وأن البيئة الاستثمارية في البلاد مهيأة لجذب لرؤوس الأموال من كل حدب وصوب، وأن الجامعات السودانية تخرج آلاف الشباب كل عام؛ إلا أن ذلك كله لم ينعكس أيجاباً على معيشة المواطن ولم يحدث تحولاً يذكر من حيث التنمية والنهضة والإنتاج، مقارنة مع بعض دول الجوار الإفريقي التي لا يتوفر لها معشار ما نملك نحن إلا أنها بالتصميم والعزم والشفافية وصلت إلى معدلات ملحوظة من التنمية في وقت وجيز. ومن تلك الدول، على سبيل المثال لا الحصر، الجارة أثيوبيا ورواندا، هذه الدويلة التي عصفت بها حرب أهلية ضروس، ولكنها نهضت من كوبتها وتناسى أهلها جراحات الماضي، ووضعوا مستقبل بلادهم نصب أعينهم؛ فادهشوا العالم بأسره بما حققوه من معدلات نمو في وقت قياسي. وهذا نتيجة متوقعة لأن الحكومة الرواندية تتبنى سياسة مالية متعددة الجوانب، للحد من الفقر، من خلال تحسين التعليم، والبنية التحتية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ومتابعة الإصلاحات الموجهة نحو السوق، وإصلاح الخدمة المدنية، والعدالة في توزيع المشاريع التنموية والخدمات على الرغم من الكثافة السكانية التي لا يوجد لها مثيل في كافة دول القارة. نحن، يا حضرات السادة النواب، لسنا بحاجة لخبراء أجانب ولكننا بحاجة إلى اتفاق على ثوابت وطنية تمثل مرتكزاً لعلاقة الدولة بالمواطن، ولعل الحوار الوطني يفضي إلى هذا المتطلب، إذا صدقت النيات، ويتيح لأبناء الوطن فرصة المشاركة في نهضة بلدهم ليس بالشعارات الرنانة ولا الوعود التي صارت كوعود عرقوب؛ بل بخطط ودراسات قابلة للتنفيذ بعيداً عن تسييس الخدمة المدنية، وتشجيع الرسمالية الوطنية بتقديم الحوافز وفتح الأسواق الجديدة إقليمياً وعالمياً عبر علاقات وممارسة دبلوماسية راشدة تمكن السودان من الدخول في شراكات ذكية، مع بيوتات التمويل والخبرة العالمية، دون رهن مقدرات الوطن وموارده للأجنبي؛ من أجل زيادة الإنتاج التي هي المخرج الوحيد من وضع البلاد الراهن، ومن ثم نتمكن من انعاش إجمالي الناتج المحلي، وكبح جماح التضخم وتحسين الوضع المعيشي للمواطن؛ بزيادة فرص العمل وتوفير مدخلات الإنتاج والتسويق. وإذا حدث فهذا فسلنا بحاجة لخبير أجنبي؛ إذ تتوفر لدينا خبرات كبيرة مهدرة بسبب سوء الإدارة والمحسوبية والجهوية وانعدام الشفافية. وهذا لا يعني أن نوصد الأبواب أمام كل قادم إلينا؛ إذ أن الحكمة ضالة المؤمن وحيثما وجدها فهو أولى الناس بها؛ ولكن المقصود أننا لا ينبغي أن نسلم زمام الأمر لجهات أجنبية قد يكون لها أجندة خاصة تتضارب مع مصالحنا الوطنية، وهذا وارد بكل تأكيد! وعلينا أن نعلم أن النهضة إنما تتحقق بسواعد أهل البلاد إذا توفرت لهم أسباب النجاح من وجود أنظمة مشجعة على العمل وعلاقات إنتاج مرضية بين أصحاب العمل والعاملين وبين الحكومة ورجال الأعمال والمنتجين. ومع هذا، هنالك من يقول إن مشكلة تتمثل في غياب الجاهز الإداري الفاعل على الرغم من أننا ورثنا من المستعمر نظام إداري متميز؛ لكننا أضعناه بتسييس الخدمة المدنية. وهنالك من يقول بأننا بحاجة لنموذج تنموي ونهضوي، يضع في الحسبان موارد البلاد وحاجاتها، ويستفيد من الكوادر البشرية الوطنية، مستعيناً ببعض الخبرات الأجنبية ذات التجربة التخصصية. بينما يرى البعض الآخر أن السودان ينبغي أن يعتمد على سواعد بنيه وخبراتهم وتأهليهم، مع توفير بيئة اقتصادية مناسبة وجاذبة للخبرات ورؤوس الأموال، وإدخال التقنية وأساليب الإدارة والنظم الحديثة! مجمل القول: إن حديث السادة النواب ينذر بوضع خطير يتطلب التحرك العاجل والمدروس لإيجاد مخرج من أزمات البلاد المتكررة والمتجذرة. وأول المطلوبات هو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في البلاد بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي شارك فيها كثير من السودانيين بمختلف ألوان طيفهم وانتماءاتهم الإثنية والجهوية؛ ولذلك تصلح لأن تكون نقطة انطلاق قابلة للتحسين، وبالتالي فإن الكرة الآن في ملعب الإنقاذ والمؤتمر الوطني، بصفته الحزب الحاكم والمهيمن، وعليه تقع مسؤولية الأخذ بزمام المبادرة وإلا كانت العواقب وخيمة حتماً. ولعلنا نستفيد من تجارب الدول التي أشرت إليها ونضع الخلافات جانباً، وننظر لمستقبل السودان من منطلق المصلحة العليا للوطن؛ وفي هذا الصدد نلفت الانتباه إلى ما تصلت إليه قوى نداء السودان من مقررات تفيد بأنهم سيوقعون على خارطة الطريق المقترحة، ونتمنى أن تشمل المبادرة بنوداً اقتصادية مثمرة وألا تنصب فقط على اقتسام كعكة السطلة بين الفرقاء، وإذا حدث ذلك فسيكون مجرد تأجيل للصراع حول كراسي السلطة وسيكون الوطن هو الضحية!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا سيد محمد يا طيب انت – نحن عندنا دوله متكاملة الاركان مساحتها اكبر من مساحة فرنسا – تدعى كردفان – وبها موارد اضعاف موارد فرنسا ولكن انسانها الطيب الكريم يعيش تحت مستوى خط الفقر – انسانها مجهجه وتعبان وحيران وجيعان وما عارف يعمل شنو – ارجو منكم وجميع القيادات المستنيره ان تكتبوا عن هذه الدوله المغلوبه على امرها وكيفية الانعتاق بها عن ربقة الجهل والتخلف والمرض والانتهازيه التي تعاني منها من بعض الادعياء واللصوص والحراميه وخلينا من الجماعه اللي في الخرطوم لا يهمنا ياتوا بخبراء بتاعين نووي ولا خبراء بتاعين زراعه لا يهمنا كثيرا…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..