يا وطني العزيز يا أول و آخر

الدنيا تمور هذه الايام كغلي المرجل ..لا ندري أهي هكذا أصلا أم هي ثورة المعلومات و الاتصالات التي جعلت العالم قرية صغيرة..تفتح نشرة الاخبار فتأتيك النشرة تقريبا بكل أخبار الدنيا و معظمها أخبار سيئة..لو لا نشرة الاخبار ربما ما علمنا أو علمنا بعد وقت طويل..من المهم أن نعلم فلسنا بمعزل عن مؤثرات ما يجري.
ما يهمنا من كل هذا ما يجري فى السودان و ما يجري حولنا و ما تعنيه كلمة الاسلام نسبة لانتشار الاسلاموفوبيا كنتيجة للارهاب المقترن بالاسلام ظلما و نسبة لاقتران الاسلام بالتخلف و الرجعية و نسبة لاستغلال الاسلام لظلم المسلمين.
أسفي علي ما يجري في السودان منذ الاستقلال و حتي الآن..اسوأ فترة مرت علي وطني العزيز هي منذ 1989 و حتي الآن عندما أمسك بمفاصل الدولة الاسلام السياسي ممتطيا سلطة الجيش و السلطة الدينية و القهر و التسلط متسببا في تدمير الخدمة المدنية و معظم المؤسسات الناجحة و تدهور الاقتصاد و نزيف العقول و تفشي الفساد و المحسوبية و غسل الاموال و و الحروب الاهلية و المقاطعة الاقتصادية و فشل السياسات و عدم التخطيط و عدم وضوح الرؤي .
ساءت حياة المواطن المسكين نتيجة للتضخم و الغلاء الطاحن و تحرير السوق الذى لم يستفد منه الا أرباب التمكين و صار الخبز مشكلة و العلاج مشكلة و التعليم مشكلة و الكهرباء و الماء و ترهلت الخرطوم بسكانها حتي فاق عدد سكانها الكتلة الحرجة نتيجة للهجرة و النزوح من الريف و الاطراف و التنافس الديموقرافي و صار توفير الخدمات لها بكفاية من رابع المستحيلات..حلم السوداني الآن هو الفرار بالهجرة..خمس مليون مغترب شرعي و أثنين مليون مغترب غير شرعي من أبناء السودان بالخارج (الجملة سبع مليون)..ارتفعت سن الزواج و أرتفعت نسبة الطلاق.
أحزاب الحكومة و أحزاب المعارضة لم تع الدرس جيدا.. الدرس هو ببساطة كما قال المسيح عليه السلام (من قتل بالسيف فبالسيف يقتل) .. ما لم نتفق علي نبذ العنف و تحريم الانقلاب العسكري فلن تنجح في السودان ديمقراطية..الاحزاب تقول أن الديمقراطية لم تمنح وقتا كافيا في السودان و أن الجيش كان دائما هو الحاكم .
لا أعتقد ذلك فبعد الاستقلال حدث خلاف سياسي بين الاحزاب فالجماعة عزموا الجنرال عبود علي استلام السلطة..فاستلمها و كنكش فيها فثارت ثائرة أكتوبر ثم أتي مايو علي جناح اليسار ثم انقلب اليسار علي نفسه بحركة هاشم العطا ثم حاول اليمين بهجوم الجبهة الوطنية علي الخرطوم بما سمي بالمرتزقة ثم انقلب نميرى عل نفسه و صار مع اليمين و دخل في صراع فكري بدأه صوفيا ثم احتواه الاخوان المسلمون و بدأوا مخططهم منذ عهد نميري ..ثار الشعب علي نميري و أتت الديمقراطية الثالثة بعد أنقلاب ابيض ترأسه الرجل الصالح سوار الذهب و أتت ديمقراطية كسيحة لم يتمسك بها الشعب و كان الجو مهيأ لانقلاب و كانت هناك ثلاثة أنقلابات تتسابق داخل القوات المسلحة و كان الاخوان الاكثر استعدادا ففاز انقلابهم1989 ثم بعد عدة سنوات اشترك حزب البعث في انقلابين و فشلا..خلال كل هذا الوقت كان التكنوقراط من أبناء الاحزاب المختلفة يحكمون فالجيش وحده لا يستطيع أن يحكم.
سمعنا عن كثير من المحاولات لرأب الصدع بين أبناء الوطن الواحد لكن كيف و أحزابنا نفسها منقسمة علي نفسها و زعماؤها يتناحرون و يختلفون ..الاسلاميون منهم المؤتمر الوطني و الشعبي و الاصلاح الآن و الاخوان المسلمون و الاتحادي منقسم و حزب الامة منقسم و الشيوعي تتنازعه الخلافات و الجنوب انفصل و ألان مرشح للحرب الاهلية و الحركات المسلحة لا أدري كم عددها و هم كثر من أبناء دارفور.
الحكومة و عراب حزبها و قيادييه و مفكريه عرفوا أن الامور ليست في صالحهم و لا صالح الوطن و المعارضة المسلحة و غير المسلحة كذلك..كلهم عصروا علي الشعب شديد يدفعونه للانتفاضة و الكل مستغرب لماذا لا تحدث انتفاضة؟؟
الشعب يشعر بضبابية الموقف لانه انتفض كثيرا و الامور دائما تسير نحو الاسوأ..قبلا استغل شوقه للاستقلال من قبل الاحزاب ثم حبه للديمقراطية ثم حبه للعيش الكريم ثم عاطفته الدينية و الحال ياهو ذاته الحال.
الحكومة تعتقد أنها في موقف قوي لانها تمكنت من السلطة و الثروة..أى سلطة و أي ثروة و الجنيه يتهاوي كل يوم و الشعب ليس مقتنعا بما يجري بعد أن أنكشفت كل الستور؟؟الحكومة أيضا تعتقد أنها في موقف قوي نتيجة لحوجة الغرب لها لمعالجة أثار انهيار الدولة الوليدة في الجنوب و خوف الغرب من انهيار شمال السودان و حوجة الغرب لمكافحة أثار تمدد داعش و بوكو حرام في شمال ووسط أفريقيا..المعارضة تعتقد أن موقفها قوي لان الحكومة تضعف كل يوم.
لكن يا سادتنا و يا كبراءنا هل فكرتم في المواطن المسكين الذي يتعالي أنينه كل يوم أم همكم الكراسي فقط ؟ كلكم حكومة و معارضة تعقلوا و اتفقوا علي كلمة سواء قبل أن يضيع السودان و أنسوا الجدل الفكري و السفسطائي فلن يستطيع أحد أن يغير عقيدة أحد الا أن يشاء الله كما أن هذه ليست أولوية..و أنسوا معركة كسر العظم فهي لن تكسر سوي عظام المواطن الذي يعاني أصلا من هشاشة العظام.
انقلاب تركيا الفاشل فيه عظات و عبر كثيرة.. الديموقراطية حولت تركيا الي دولة ناجحة و قد أفشل الانقلاب الشعب التركي وطالب عبر برلمانه بمنع أسبابه المتمثلة في منظمة عبدالله قولن المتغلغلة في كافة مفاصل الدولة التركية..صرف النظر عما يمثله عبدالله قولن ف(أي مملكة منقسمة علي نفسها لا تنجح).
بالرغم من وضوح ما حدث بأنه انقلاب أنبري الكثيرون لدينا بالسودان بأن ما حدث تمثيلية لتصفية خصوم أردوغان السياسيين!!!!!
صلاح فيصل
[email][email protected][/email]