في انتظار المهدي

سيدي الإمام السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، بات الطريق امامك سالكاً في رحلة العودة، خاصة ان صوتك بالموافقة على خريطة الطريق اصبح مادة اعلامية ووجبة دسمة في مجالس الحكومة ومؤتمرها الوطني. سيدي الإمام ينتظرك المؤتمر الوطني ومجموعة الحوار الوطني اكثر من انتظار جماهير (الامة) وانصار المهدي بمقدمك. كل الساحة السياسة تفهم تماماً أبعاد هذه العودة واستحقاقاتها، ويدركون تماماً أن سياسة المناورة والتكتيك الزمني انتهت وتبددت يوم ان اعلنت الموافقة بالتوقيع على خريطة الطريق, اما قولك سيدي الامام ان قرار عودتك للخرطوم تتخذه آليات واجهزة حزب الامة، فهذه مناورة كبرى ان لم نقل (كذبة) اما (الوسطية) المزعومة فهي لا تستحق كل هذه الهجرة والحرمان, ولهذا فإن قرار عودة الصادق المهدي بيد الصادق المهدي, فلم يحدثنا التاريخ ولا آداب الممارسة الحزبية الداخلية في بلادنا بأن (حيران) الزعيم هم الذين يفرضون عليه الرأي او يقترحون عليه الحلول او يلزمونه باتخاذ قرار شخصي، فالتجربة الحزبية لدينا علمتنا او بالاحرى كشفت لنا ان الأجهزة الحزبية ومكوناتها السياسية والقيادية والشورية هي مجرد وهم تتعارك فيما بينها وصولاً للذات العليا في الحزب, فأرجوك سيدي (الحبيب) والإمام لا تناور، فعد الى ممارسة هواياتك السياسية بالداخل، فلم يتبق من العمر شيء يسمح بالمناورات، فالمؤتمر الوطني لوح لك باشارته الخضراء، فهو ينتظرك لأن حوار(الشيخ) وقف في العقبة حائراً.
معطيات جديدة
معطيات جديدة تطل برأسها على المشهد السياسي السوداني بكل مكوناته وتفرض واقعاً جديداً وتحولات كبيرة في الحالة السودانية الراهنة، ولكن تظل قضية المحكمة الجنائية وتداعياتها هي المشهد الأبرز الذي يتجلى الآن بشكل واضح، وذلك في اعقاب الاتهامات المثارة بشأن فساد قضاة المحكمة الجنائية وانتهاءً بكرنفال الكرامة والعزة الذي نظمه المنتدى الافريقي انتصاراً للكرامة الإفريقية وتشييع الجنائية لمثواها الأخير. وتتبدى المعطيات أيضاً في شكل وطبيعة التحولات الموجبة في ملف دارفور بحسب منظور الحكومة السودانية، الأمر الذي جعلها ترفض تماماً مبدأ الابقاء على قوات اليونميد، ولكن للأمم المتحدة رؤية ورأي آخر، فهي مازالت تنظر الى دارفور باعتبارها منطقة محترقة تحتاج الى المزيد من الوقت والأمن، وبالقدر الذي يحقق الأمن السلام الاجتماعي ويفتح المسارات للمساعدات الإنسانية للذين تأثروا بالحرب الأهلية في دارفور، فهذا أيضاً مشهد آخر أفرزته المعطيات الجديدة في المشهد السوداني الكلي. لكن بالطبع فإن المعطيات والمشاهد الجديدة والمثيرة لن تنتهي من حياة السودانيين، طالما أن بلادنا زاخرة بالتناقضات والتقاطعات والمشاكسات والطموحات المشروعة وغير المشروعة لدى القيادات السياسية، فمثلاً من التحولات المثيرة ان تتحول قوات الدعم السريع الى قوة تقترب كثيراً من النشاط المدني بعد ان ملأت الساحة السياسية في مراحل سابقة ضجيجاً وصراخاً في سبيل تنفيذ مهامها الأساسية كقوة عسكرية خاصة لإنهاء آجال المتمردين وطردهم من مسرح دارفور، وربما تحققت لهذه القوة كل أو بعض اهدافها الامر الذي دفعها الى التحول الى مهمة اخرى لا تقل شأناً عن مهمتها العسكرية لحسم التمرد، وهي المكافحة لكل أشكال التهريب المادي والبشري واغلاق كل المنافذ في وجه المتاجرين بالبشر من الذين يتخذون من السودان معبراً لهجرة غير شرعية الى بلاد الاحلام في اوروبا وامريكا، ولهذا تحدثت التقارير الصحفية الايام الفائتة عن ضبط حوالى (600) مهاجر غير شرعي من الاثيوبيين في طريقهم الى ليبيا عبر الحدود السودانية المصرية, فتلك هي بعض مشاهد ومعطيات جديدة في المشهد العام. صراع(كركر) والمحلية
إن كان فعلاً سعادة الفريق احمد علي ابو شنب معتمد الخرطوم قد تكشفت له من خلف الحجب والاستار مظاهر فساد ومحسوبية واستغلال نفوذ واعتداء على الحق العام بمحليته، فليمض في رحاب مشروعه الإصلاحي لدك حصون المفسدين وتأميم مشروعاتهم الاستثمارية (الكيري) وإحالتها الى الحق العام, اما اذا كانت غضبة الجنرال هي مجرد غضبة فقط لا تسندها اسس او ضوابط قانونية، فعلى أصحاب الأكشاك والمحال التجارية في موقف (كركر) أن يستمروا حتى نهاية الشوط في الملاحقات القانونية ضد محلية الخرطوم، خاصة أن هؤلاء التجار الذين أزيلت محالهم قدموا مذكرة قانونية إلى المجلس التشريعي الولائي بالخرطوم طالبوا عبرها باسترداد حقوقهم المشروعة في السوق، فهم يعتقدون أن هذه المحلية ناشطة جداً في مجال الجباية وتوسيع مواعينها الايرادية بقانون أو حتى بدون قانون. لكن يبدو أن الذي لم يتحدث عنه الجنرال ابو شنب ولم يشر اليه لا من قريب ولا من بعيد في صراعه مع مشروعات (اللواء نمر) او من سبقه من المعتمدين لمحلية الخرطوم، أنه لم يكشف عن حقيقة ان الولاءات السياسية والتنظيمية والمحسوبية وإعلاء قيمة المصالح الخاصة علي حساب المصالح العامة هي دائماً معايير حاضرة وفاعلة في عملية تقسيم المنافع الاستثمارية والتجارية بالمحلية، مما يعني أن مبادئ الشفافية والكفاءة والعدالة هي قيم وفرائض غائبة في اية عملية استثمارية او تنموية او خدمية او تجارية تقدم عليها سلطات المحلية. وهنا يتبدى الصراع وتتصادم المصالح ومن ثم تتساقط الأقنعة فتنكشف العورات، فيظهر على السطح الف (يسع) آخر يسلك ذات الطريق وذات الوسائل في سبيل مصالح خاصة. تلك هي الحقيقة الصادمة والمؤلمة التي لا تحتاج الى أدلة او شواهد، حتى يعلم الرأي العام السوداني أننا دولة بلا شفافية وبلا عدالة، وأن ولاة الأمر فيها يديرون شأنها عبر فقه (السترة)، والا لماذا الصمت الآن حيال قضية شغلت الناس كثيراً الأيام الفائتة
(حياد).. ورؤية شمالية
ماذا يضير الحكومة السودانية لو أنها وقفت عند محطة (الحياد) حيال ما يجري من حرب أهلية بالدولة الجنوبية الوليدة؟ وهل بالضرورة أن تقف هذه الحكومة في جانب طرف دون آخر تبريراً لفرضية ان موقفها يعني الحق وما دونه هو الباطل, كانت هذه بعض سجالات ومناقشات وتجاذبات شهدتها ندوة اوضاع الجنوب الاخيرة بقاعة الشارقة بالخرطوم. واظهرت الندوة تباينات عديدة في الفكر والسياسة والاقتصاد والتجارة وحتى الثقافة، فمثلاً الدكتور الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية ابرز المتحدثين في هذه الندوة، كانت رؤيته مثار جدل كثيف بين المشاركين في الندوة، حينما طالب الحكومة بموقف محايد ازاء صراع (سلفا ومشار) بأن تقف على مسافات متساوية بين الاطراف المتصارعة والا تساند طرفاً على حساب آخر، بل مضى الدكتور الطيب الى أبعد من ذلك بأن تعمل الحكومة على صياغة رؤية استراتيجية محكمة وواضحة وشفافة فيها إعلاء لمصالح الدولة أكثر من مصلحة الحكومة. غير أن الدكتور الدرديري محمد أحمد المتحدث باسم المؤتمر الوطني واحد ابرز المفاوضين من جانب الحكومة، كان يرى في الكيفية التي يمكن عبرها ان تلعب حكومته دوراً موجباً في انهاء الصراع في الجنوب هو ان نعالج قضايانا الداخلية المتأزمة سواء في الأزمة السياسية والاقتصادية والمعيشية والامنية وغيرها من الازمات، باعتبار ان وصول السودانيين الى حلول وتسوية كل هذه المشكلات يعطي مؤشراً ايجابياً للإخوة الجنوبيين لمعالجة مشكلاتهم بطريقة غير مباشرة

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..