الوفاق الوطني و التصرف الصحيح و التصرف الحكيم

مياه كثيرة تمر تحت الجسر في الوطن العزيز هذه الايام و أهمها الحوار الوطني بتوضيحاته و تصريحاته و مخاوفه و أهميته و تفاصيله و مقاطعيه, شئنا أم أبينا فاذا نظرنا للصورة الكلية الشاملة فان الوضع كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معني و صار من الاهمية مكان أن نجد حلا و الحل هو التغيير و السناريوهات كثيرة قبل أن ندلف اليها فلندخل الي مكتبة و نستعرض عناوين بعض المؤلفات السودانية السياسية علي الارفف: الديمقراطية في الميزان ,الكتاب الاسود,صراع السلطة و الثروة في السودان . السودان و النفق المظلم,الانقلابات العسكرية في السودان و النخبة السودانية و ادمان الفشل . هذا غيض من فيض و اللائحة طويلة,أعتقد أن الكتاب أحيانأ يقرأ من عنوانه!!!
الفترة التي قضاها الانقلاب العسكري والاسلام السياسي و نظام الحزب الواحد المتمكن في السودان هي سبع و عشرون عاما حسوما لن تكفي هذه الزاوية المتواضعة لتبيان ما حدث فيها فأنتم تعلمون و خلال هذه الفترة حدثت متغيرات كثيرة محليا .
أهمها تدهور الاقتصاد الوطني و معاناة المواطن و تفشي الفساد و الاحباط و سيطرة المليشيات المساندة أم المعادية و انفصال الجنوب ثم تداعيه نحو الاحتراب الداخلي المستعرو تنامي الاحساس الجهوي , لا ننسي تراكم المظالم و الاحن و توافر السلاح خارج الاطر الحكومية.
اقليميا
تزايد المطامع في أجزاء عزيزة من أرض الوطن مثل حلايب و أراضي الفشقة و المطامع المستترة لاريتريا في شرق السودان و قضية سد النهضة و تعقد العلاقات مع دول الجوار,انتشار الارهاب في بعض الدول المجاورة نتيجة لا فرازات ثورات ما سمي بالربيع العربي و انتشار ظاهرتي جماعات داعش و بو حرام.
عالميا
الاسلاموفوبيا و تصاعد الصراعات الاثنية و الطائفية و اضطراب الاقتصاد العالمي و تزايد نفوذ جماعات الضغط و تدخل الامم المتحدة و التلاعب بقضايا مثل الحريات و حقوق الانسان (لا اقصد أنهم دائما مخطئين) لكن الخرمجة موجودة.
أشتم رائحة صوملة في الطريق و بالمناسبة لا أحد و لا أشطر عراف و محلل كان يستطيع التبؤ بما حدث في الصومال , شعب كله من اثنية واحدة تقريبا يتكلم نفس اللهجة (العفر) و نفس اللغة الاجنبية الرسمية (الفرنسية) هم مسلمين و علي المذهب الشافعي, أذن ماذا حدث؟ فقط صراع سلطة وو لاءات عشائرية و دقي يا مزيكا ,هناك أسباب أخري مساعدة علي إذكاء الصراع لكن قصدي هنا أن ما يجمع الصوماليون أكثر مما يفرقهم.
تصوروا ماذا يمكن أن يحدث هنا الآن ؟ سيفتح صندوق بندورا و هو في الميثولوجيا الإغريقية صندوق حُمل بواسطة باندورا يتضمن كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن،و وقاحة ورجاء.
خاطرة
في الذاكرة تجربة لي أيام الديمقراطية الثالثة , كنت أعمل ضابطا بالشرطة و في أحد الشوارع كانت هناك عربة تقف في الممنوع و يبدو علي صاحبها أنه رجل متعلم بالفراسة يعني , لم أحفل بالموضوع لآن الامور لدينا بالسودان ماشة بالبركة لكن المشكل أن الرجل كان يسد الطريق و تراكمت السيارات خلفه و تعالي صياح الناس و سبابهم و و أبوق سياراتهم و نظروا الي و أنا بالزي الرسمي فلم يكن من بد من التدخل تكلمت معه بصورة مهذبة (يا أخينا أنت واقف في الممنوع و قافل الشارع لو سمحت حرك عربيتك ) قال لي (انتوا حركاتكم دي ما بتخلوها ما البلد ديمقراطية ياخ) قلت له( الديمقراطية لا تعني الفوضي).
و لا زلت أذكر كم الاضرابات و الاعتصامات الفئوية كحق ديمقراطي لكن وضعنا الاقتصادي كان لا يسمح , و حل جهاز الامن القومي و ترك البلد مع كل التحديات و المخاوف التي تحيط بها بلا جهاز أمن لاكثر من عام, كان قرارا عاطفيا بحق أرضي الكثيرين, نحن شعب تحركه العواطف و قد أستغل العاطفة الدينية أصحاب الحركة الاسلاموية و حركوا مظاهرات مليونية لا أعتقد أن بامكانهم تسييرها الآن, هذا من وجهة مشاهدات شخص كان يعمل بالامن .
ما أود قوله هنا أن كل الديمقراطيات عندنا كانت شائهة و علي ولاة الامر معرفة الاسباب و تلافيها كي لا نستنسخ نفس الاخفاقات و في تقديري أن ديمقراطية و ستمنستر قد لا تناسبنا فنرجو أن يوفق مفكرونا لمعرفة ما يناسبنا من أنموذج يستصحب ادارة التنوع باحترافية.
ملحوظات
كثير من سياسيينا يأتون السياسة و في ذاكرتهم صراعات الماضي منذ أيام الجامعة و النشاط الطلابي.
كثير من الاحزاب و الحركات المسلحة لديها إرتباطات و أجندة و برامج خارجية .
ماذا نصنع بشأن الجرائم و المخالفات والاعتداء علي المال العام و الفساد؟
استرداد المال العام حتي آخر قرش أولوية لكن اذا انصرفنا للمحاكمات و القضايا و المحامون و الجلسات فلن ننجز شيئا و أمامنا الكثير لنرفع المعاناة عن كاهل الشعب و نلحق بركب التقدم هي نظرة كلية شاملة و هذا الامر متروك للشعب ليحكم قيه عن طريق برلمانه المنتخب و القادر عن طريق هيكليته و مؤسساته علي تحديد البرامج والاولويات, تجربة نلسون مانديللا في المصالحة و الوفاق قد تكون أنموذجا يدرس بواسطة المختصين لو قبلت.
لنا في قصة سيدنا موسي مع العبد الصالح أسوة حسنة هي عنوان مغزي هذا المقال و هو الفرق بين التصرف الصحيح و التصرف الحكيم فاحتجاجات سيدنا موسي كانت نابعة من فهمه للتصرف السليم أما تصرفات العبد الصالح التي كانت نابعة من الهام الهي فقد كانت نابعة من التصرف الحكيم .
قد يكون العمل العسكري أو الانتفاضة أو المحاكمات أو التطهير أو كسر العظم في المفاوضات تصرفات صحيحة لكن هل هي تصرفات حكيمة؟ لست أدري لكن هي دعوة لان يقوم الكل بعمل (تقدير موقف) و هو تعبير عسكري بليغ يعرفه اخواننا في القوات المسلحة و اذا لم يخني التعبير فهو جمع كل المعلومات المحيطة و تحليلها قبل اتخاذ أي قرار أو القيام باي تصرف لضمان حصول النصر أو الخروج بأقل خسائر ممكنة و نرجو أن يكون تقدير الموقف سودانيا بمعني أن يفكر الكل كواحد.
أذا ضاع الوطن فلن يذهب الاتحاديون و الاخوان المسلمون الي مصر و لا البعثيون الي العراق و لا الشيوعيون الي موسكو و لا الوهابيون الي مكة و لا الحركة الشعبية جناح الشمال الي جوبا و لن تذهب حركات دارفور المسلحة الي ليبيا أو جوبا و هلم جرا و سنبكي يوما وطنا لم نحسن التصرف في شؤونه و شعبا صبورا لم نفهم كيف نخدمه .
صلاح فيصل
[email][email protected][/email]