مقالات سياسية

الى المؤتمر السادس للحزب الشيوعى : اذا كان الخلاف فكريا : فأين الفكر فى كل ماقيل؟!

قرأت الكثير ان لم يكن كل ماكتب حول الخلافات فى الحزب الشيوعى السودانى . واعتقد ان المشاركة الواسعة من شيوعيين وغير شيوعيين بل وبعض قيادات أمنية ، شئ ايجابى ، يدل على الاهتمام والتقدير للحزب ومايقوم به . ولكنى لا اريد ان اواصل اتجاه الحديث عن ما حدث من فصل الشفيع ورفاق آخرين لسببين : الاول هو ان القضية التى يجب ان تطرح وتناقش هى أكبر من الافراد والهيئات الحزبية التى تذهب وتجئ الا وهى قضية بقاء الحزب ووضوح رؤاه وبرامجه بالشكل الذى يجعله ? كما كان دائما- موضعا لثقة الشعب . والثانى ، هو ان لا احد يدرى بالتأكيد تفاصيل ما حدث ليحكم فى صحة المواقف بصورة موضوعية . واظن ان ترك الامر برمته للمؤتمرالذى هو السلطة العليا يغنينا عن التجاذب فى مالاطائل وراءه .
ولأن القضية فكرية بامتياز ، فسابدأ بهذا المقال سلسلة من المقالات لابين ان المظاهر التنظيمية والفردية ومظاهر الصراع على مراكز القيادة ، ماهى الا انعكاس لذلك الصراع الفكرى الذى لم يبرز بصورة واضحة وربما لم تتح له الفرصة للظهور بشكل ايجابى ومعافى.
لاشك ان ماحدث فى العقد الاخير من القرن العشرين من تفكك للمعسكر الاشتراكى بصورة لم يكن يتوقعها حتى ريجان ، ومااحدثه ذلك من صدمة للماركسيين بل ولكل ثوريى العالم ، كان هو بداية ما وصل اليه الحزب الشيوعى السودانى وليس وحده ! بل اعتقد ان الحزب السودانى كان افضل من حاول معالجة الامر بفتح مناقشة عامة استمرت لاكثر من عقد من الزمان ، ابتدرها الزميل نقد وساهم فيها من بعد الكثيرون مساهمة ثرية . غير ان اخطاء المعالجة بدأت اثناء وخصوصا بعد انتهاء المناقشات . ففى اثنائها جاءت مساهمة الخاتم بصورة تنظيمية ، اذ نشرت فى مجلة الشيوعى ، وبالرغم من انها ? فى رايى ? كان من الممكن ان تزيد الامر ثراء لو ان الخاتم ظل داخل الحزب ليناقشها مع الآخرين ، الا ان الخاتم تعجل الانقسام لسبب أو آخر . جاء بعد ذلك ملخص المناقشات الذى كان عادلا وموضوعيا ، غير ان عدم الاخذ بتوصيات اغلبية الذين شتركوا فى المناقشة من جانب المؤتمر الخامس ، كان فى رأيى هو الذى وضع خميرة الخلاف الفكرى . فمثلا ، ممااذكره فى ذلك الملخص ان الاغلبية كانت ترى تغييير أسم الحزب . لكنى علمت ان أحد كبار القادة قال : هذا الامر لن يتم الا على جثتى !
سأبحث هذا الموضوع من الناحية الفكرية بعمق وتفصيل اكبر فى مقالات قادمة ، ولكنى أسأل المتمسكين بالاسم عن قيمته اذا لم يحدد المحتووى بشكل قاطع : فالحزب الصينى لايزال يحتفظ بالصفة مشيرا الى اليسار وهو يتجه يمينا ! وهناك حزب فى امريكا يسمى الديموقراطى …الخ وهل ينكر هؤلاء ان هذه الصفة تمثل كفرا لدى الكثيرين الذى نحاول الوصول اليهم ببرنامج يهمهم ! حكى احد الاصدقاء انه كان فى صحبة عدد من الرجال والنساء فى سفر بالسيارة ، وانه عندما تعرضت السيارة لخطر تصايح بعض الركاب بطلب مساعدة المكاشفى والميرغنى فقال هو لاحدهم : قل ياالله ، فردت علية احدى النساء : ياولدى انت شيوعى ولاشنو ؟! فتصور !
الآن ، وبعد الهزة بل الزلزال الذى حدث يقول مفكرون يساريون كبار : ان الماركسية اثبتت الآن انه لا يمكن تخطيها اكثر من أى وقت مضى . وايضا اصبحت هناك الف ماركسية وماركسية ، فبأى هذه الماركسيات يلتزم حزبنا ؟!
احببت بهذه الاشارات السريعة ان اشير الى ان الثوابت التى اهتزت ، وان لم تؤثر على اساسيات الفكر الماركسى ، الا انها تحتاج الى المراجعة على ضوء التطورات العلمية والفكرية ، الى جانب ماافرزته ثجربة التطبيق الذى كان ، وليس الانكفاء على شعارات لاتسمن ولاتغنى .
لاننسى قبل كل هذا مامر به حزبنا من رزايا تهد الجبال ، غير ان اساسه ظل ثابتا :
فهناك تجربة الانقسام حول الموقف من مايو الذى ذهب بقيادات كبيرة للجانب الآخر وذهب بقيادات عظيمة الى الدار الآخرة . وكانت النتيجة فرض اختفاء قسرى على الحزب لم يكد يفوق منه حتى جاءت طامة الانقاذ الكبرى ، فانقطع بذلك تواصل الاجيال وفرص اعداد الكوادر فكريا وفى النشاط العملى .
ان اهتزاز الاساس الفكرى للحزب نتيجة لتلك الاسباب وغيرها ، هو سبب رئيس فى مايحدث :
حتى بداية السبعينات لم يكن هناك غير اللونين الابيض والاسود لدى الماركسيين . ومع ذلك فتحت القيلدة الفكرية لعبدالخالق ومن بعده نقد دأبت قيادة الحزب على محاولة شق طريق خاص للتطبيق الماركسى على الواقع السودانى ، بل والابتعاد بقدر الامكان عن تاثيرات القيادة الاممية للحزب الشيوعى الروسى . ونورد هنا نموذجين ناصعين للصراع الفكرى : اولهما موقف الحزب من الصراع الاممى الفكري الذى ادى الى انقسام الحركة الشيوعية العالمية واتبعته انقسامات فى كتير من الاحزاب الشيوعية على نفس الاسس ، من ضمنها انقسام ” القيادة الثورية ” فى السودان . وقد اتضح الموقف الفكرى الصحيح بعد ذلك .
النموذج الثانى هو الصراع الذى حدث بعد ثورة اكتوبر حول مسالة تكوين الحزب الاشتراكى، الذى حسم ? فى تقديرى ? بصورة خاطئة وبتدخل خارجى !
ومن اسباب الاهتزاز الفكرى ايضا التطبيقات الاقليمية للاشتراكية : العربية ، الافريقية … الخ .
فاذا اقتنعنا من كل هذا بان الخلاف الفكرى هو السببب الرئيس لما يحدث من خلافات تأخذ اشكالا غير فكرية ، افلا يستدعى ذلك ان يكرس جل المؤتمر السادس لوضع اسس لوحدة فكرية ، وذلك برغم المعوقات والحفر التى تتمثل فى :
– محاولات اعداء الحزب من كل حدب ولون
– الوضع الداخلى للحزب الناتج عن كل الظروف التى مر بها والتى اشرنا لها بشكل مقتضب
– الوضع السياسى العام ، الذى هو فى مرحلة معقدة وحرجة تحتاج لمن يمتلك القدرة لوضع خارطة الانقاذ وقيادة انفاذها
السؤال الذى ينتظر الاجابة من المؤتمر السادس : هل سيخرج بحزب قادر يتمكن من التوحد وتحقيق الشعار الذى طال طرحه ” جعل الحزب قوة جماهيرية كبرى “؟
……………………………………………………………………………….
? احب ان اشير للمساهمات الفكرية الجيدة للاساتذة: تيسير حسن ادريس وهبانى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..