موظفون ولكن.. وطنيون

ما إن تطالب مسؤولا بدعم الدولة للصناعة الوطنية إلا ويفاجئك ذاك المسؤول بأمرين.. استفهام استنكاري يقول.. إن الدولة قد تركت الحبل على الغارب وغادرت السوق مفسحة المجال للقطاع الخاص.. فكيف تطالبونها بدعم الصناعة الوطنية..؟ سؤال محير.. ولكن ما هو أكثر حيرة منه ذلك المسؤول الذي يفاجئك بسؤال وهو يرمي للإجابة على سؤالك.. في ظني أنه ليس أسوأ من المسؤول الذي يرفض الدعم.. إلا ذلك المسؤول الذي يسألك بدوره.. كيف ندعم الصناعة الوطنية..؟ وأعترف أنا نفسي أنني في كثير من مجادلاتي مع مسؤولين في مواقع مختلفة وخبراء اقتصاد.. كنت نمطيا وأنا أمشي في ذلك المسار التقليدي مطالبا الدولة بمطالب من شاكلة.. إلغاء الرسوم أو تخفيضها على الأقل.. حظر استيراد تلك السلع التي يمكن إنتاجها داخل البلاد.. أو على الأقل رفع رسوم الوارد عليها بما يجعل المنتج الوطني في وضع تنافسي أفضل.. ولكنني اليوم فقط قد أدركت أن دعم الصناعة الوطنية ليس مجرد قرارات أو إجراءات اقتصادية تتخذ هنا وهناك.. كما أدركت أن دعم المنتج الوطني أيا كان ذلك المنتج هو أمر عصي أو في حاجة إلى إجراءات معقدة وتكاليف باهظة على خزانة الدولة.. في ظل موارد شحيحة أصلا.. كلا.. لقد اتضح أن هذا الدعم هو في الواقع.. حالة معنوية.. إحساس بالوطنية.. وبقيمة هذا الوطن.. وأن الأولوية ينبغي أن تكون لكل ما هو وطني..!
عثرت على نموذجين.. ولعل الصدفة وحدها هي التي وضعت النموذجين في مجال واحد.. قد لا يمكن تصنيفه في خانة الصناعة الوطنية حرفيا.. ولكن مصطلح صناعة الطيران يظل حاضرا حين نتحدث عن النقل الجوي.. إذاً، نحن نتحدث عن صناعة لها منتجها الملموس.. فما الخدمات إلا ضرب من ضروب المنتجات يقدمها المنتجون لمستهلكيهم أو عملائهم.. سمهم ما شئت..!
النموذج الأول.. وعذرا إن استخدمت أسماء أو أشرت لجهات دون أن استأذنها.. شركة تاركو للطيران وهي شركة معروفة حققت من الإنجازات ما بلغ بها اليوم امتلاك أربع عشرة طائرة.. فهي ليست في حاجة للترويج مني.. الشاهد أن هذه الشركة حفيت أقدام مسؤوليها طوال عام ونيف للحصول على تصريح الهبوط في مطارات دولة من دول الإقليم من دون نتيجة.. علما بأن إحدى شركات تلك الدولة تطلق عددا من الرحلات يوميا نحو ومن مطار الخرطوم.. توجيه بسيط من مدير سلطة الطيران المدني الكابتن أحمد باجوري بمعاملة طيران تلك الدولة بالمثل.. لم يقل إن هذه شركة قطاع خاص لا شأن لنا بها.. بل هو ودون أن يغادر مقعده قدم أكبر دعم لصناعة الطيران في الوطن.. فقد انقلب الوضع هناك وتغيرت المعاملة.. فببساطة حين يحترمك وطنك يحترمك الجميع.. وهكذا قدم باجوري درسا في الوطنية.. لم يكلفه شيئا غير إعلاء حالة الإحساس بالوطن في دواخله.. فكانت النتيجة مذهلة..!
وغير بعيد من هذا.. فقد وصل إلى سدة القيادة في شركة الخطوط الجوية السودانية رجل قادم من قلب صناعة الطيران خبير فيها تدرج في مراقيها.. ولم يأت بقرار سياسي.. لذا كان تعامل المهندس حمد النيل يوسف مختلفا مع الأشياء.. نظر فوجد أن من سبقوه كانوا يتعاملون مع القطاع الخاص كحالة من الدرجة الثانية.. مأخوذين بوهم أن هؤلاء يهددون الناقل الوطني.. فكسر القاعدة وقرر اعتبار القطاع الخاص ندا ومكملا لدوره لا خصما عليه.. فانفتحت إمكانات سودانير أمام تلك الشركات.. ولأول مرة مزق الرجل فواتير الدولارات التي كانت تذهب في الصرف على الطائرات المستأجرة من الخارج وطواقمها الأجانب.. فقرر الاعتماد على الشركات الوطنية.. ألم يقل إنها مكملة لدور الناقل الوطني وليست خصما عليه..؟ فوفر مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الدولارات التي كانت تمتصها الشركات الأجنبية.. ثم فتح الباب لتنشيط الشركات الوطنية مقدما لها دعما لا يقدر.. فقط لإحساسه بالوطن بشكل يختلف عن آخرين.. لا يرون الوطن إلا مناصب ومزايا وحوافز..!
إذاً.. هذان رجلان.. هما مجرد موظفين في الدولة.. لا تحيط بهما بهرجة السياسة.. ولا مطلوبا منهما ضخ شعارات.. ولكنهما قدما نماذج في الوطنية تصلح أن تكون نهجا يدرس.. فاستحقا وسام الوطنية

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. نحنا في بلد وزير الصناعه عندو مصانع خاصه ؟
    وزير الصحه عندو مستشفيات خاصه؟
    وزير الزراعه عندو مزارع خاصه؟
    وزير الاسكان عندو عقارات وراضي خااااصه
    وزير الماصلات عندو يصات
    وزير ……عندو………..
    وزير ووووووووووووو

    كل شي في السودان اصبح خااااص لرجال الدوله
    حسبنا الله ونعم الوكيل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..