الحركة الشعبية : رحلة البحث عن السلام

إن اﻻشارات الأولية لتجديد إعﻼن الحرب قد سمعنا اجراسها تدق من الخرطوم، تلك العاصمة التي تشهد علي خطط النظام الحاكم التي تهدف هدم الدولة وتحطيم مبادرة السﻼم الشامل التي كنا نعمل ونؤمل في نجاحها، لكن المؤتمر الوطني الإنقاذي الإسﻼموي، ارسل إشارة توحي بأنه مقدم علي قتل وتشريد المواطنيين من جديد، ومحاربة وكل من يطالب بالتغيير في بﻼدنا.
وتأكد ذلك في توجيه رأسة الجمهورية، بفتح معسكراته الجهادية كقوات الدعم السريع وهي احدى فصائل المليشيات الحكومية.
اعتقد أن النظام اكمل ترتيباته للعودة الي ساحة المعركة لمواصلة الإبادة الجماعية. وبذلك يكشف عدم مسؤليته تجاه الشعب السوداني، وأنه ﻻ يبالي في الصرف المالي الغير محدود علي الحرب، رغم تقشف الإقتصاد السوداني وتفاقم الفقر في كل أنهاء البلاد، ويود النظام ارتكاب المزيد من المحارق البشرية في كل ربوع السودان.
فالعلقلية الإنقاذية مرتبطة تاريخيا بالعنف، وهو وسيلتهم للتسلط علي المجتمعات.
لقد ضيع النظام أخر الفرص التي أتيحت ﻹنتشال السودان سلميا من مربع الحرب الي فضاء السﻼم، ولم يترك النظام الإنقاذي أي خيار امام جماهير الشعب السوداني، سوى العمل علي إحداث التغيير بالإنتفاض الجماهيري ومواجهة جبروت الطاغية عمر البشير في ساحات النضال.
إن العبث السياسي والعسكري الجاري من قبل المؤتمر الوطني ﻻ يمكن الصمت حياله، وعلي الإتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، إتخاذ التدابير الﻼزمة ﻹجبار النظام الإنقاذي علي اﻹلتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والإمتثال لقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي بشأن الحوار في السودان، والإستجابة لنداء الشعوب السودانية التي تنادي بالتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بخصوص المتورطين في جرائم الحرب والتعذيب وعلي رأسهم عمر البشير.
إن لﻸيام القادمة خبايا سوف يكشفها النظام الحاكم، ولكنا ادركنا اتجاهها ومقصدها الإرهابي اﻵن نشاهد بوادرها، حيث بدء تغير واضح في الخطاب السياسي لدى المؤتمر الوطني، بعد فشل مسرحية الحوار الوطني في الخرطوم، والتي اظهرت مدى ضعف هذا النظام ونبذ القوى السياسية والشعبية لسياساته السادنة والغير منطقية.
علينا أن نواصل حراكنا الثوري من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، وعلينا أن لا نتوقف في رفض سياسة تقسيم مجتمعنا وإدخاله في صراعات قبلية وطائفية حرصا علي ترابط النسيج الإجتماعي السوداني.
فالحملة الإعلامية المصحوبة بالهجمات العسكرية علي مواقع ثوار الحركة الشعبية تعتبر عملية ماكرة لتعميق جراح الوطن وتعذيب المواطنيين وكسب وقت لتنظيم وترتيب مؤامرة جديدة تمد عمر الحرب حتي تستمر إستثمارات الإنقاذيين الذين يسترزقون بتجارة السلاح.
فمنذ إندلاع الحرب في السودان في نسختها الثانية في العام 2005م كانت رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال تهدف الي تحرير السودان من السياسات التي أدت الي تفجر الأزمة الوطنية وتفشي الظلم والقهر والإستبداد في كل ربوع الدولة السودانية، وما زال التاريخ القريب يحفظ المؤتمر الصحفي الشهير الذي عقده الرفيق مالك عقار قبيل نشوب الحرب، وقال فيه بصريح العبارة (أن الحرب لا فائدة منها ولن تكون في صالح السودان ولا السودانيين .. وأن السلام الشامل العادل سيظل خيار إستراتيجي لدى الحركة الشعبية).
ويذكر التاريخ القريب أيضا توقيع الحركة الشعبية علي الإتفاق الإطاري مع الحكومة بعد إنفصال جنوب السودان، والذي ضرب به النظام الحاكم عرض الحائط بعد ساعات من إبرامه، وفتح النظام فوه البندقية لتحصد ارواح الألاف من المواطنيين الأبرياء في النيل الأزرق وجبال النوبة/ جنوب كردفان ودارفور. ورغم كل ذلك لم تتوقف الحركة الشعبية عن المضي في رحلة البحث عن السلام، وكانت وفودها تجوب العالم ليل نهار للتعريف بقضايا السودان، كما انها لم تتراجع عن خيار الحوار لإيجاد حل شامل يخرج البلاد من نفقها المظلم، وكانت علي مدار السنوات السابقة تسير وفودها الي حيث منابر التفاوض برغم علمها بعدم جدية النظام في التوصل الي اتفاق سلام. وجميعنا شاهدنا وعايشنا السيناريوهات التي واجهتها الحركة الشعبية في صراعها مع حكومة الطاغية عمر البشير واخرها مسئلة (خارطة الطريق) وما صاحبها من رفض التوقيع عليها، ثم الضغط الإقليمي والدولي علي المعارضة، ثم تقديم المعارضة ملاحظات شفيفة وجوهرية حولها، ثم التوقيع عليها بوساطة من الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، والإنخراط بعدها في مفاوضات مباشرة مع نظام الخرطوم. وفي هذا الصدد شاهدنا بروز بعض التيارات السياسية في الداخل والخارج بعضها منتقدا توقيع الحركة الشعبية علي الخارطة من مجموعة نداء السودان، والبعض متسائلا عن ما حوته الوثيقة وما سحدث فيما بعد التوقيع، وآخرون يتحدثون عن تنازل المعارضة وفي مقدمتها الحركة الشعبية عن خطها المطلبي والتحرري المعلن آنفا، وبالطبع هذه نقاط يستوجب توضيحها بالنقاش الصريح.
ولذلك جاء المؤتمر الصحفي الذي عقد بأثيوبيا، وتحدث فيه الرفيق ياسر عرمان بوضوح وشفافية وجدد التأكيد علي مواقف الحركة الشعبية من قضايا الحرب والسلام والتحول الديمقراطي والغوث الإنساني لسكان مناطق النزاعات بمسار داخلي ومسار خارجي، وفي الجولة الأخيرة تقدم وفد الحركة الشعبية بتنازلات كبيرة حول هذه المسارات، كل هذا من أجل السلام والإستقرار وإصلاح الإقتصاد السوداني المنهار وقضايا آخرى ذات صلة، كمسائل وضعية الجيش الشعبي حال إبرام أي إتفاق سلام، ووضع المنطقتين ودارفور وغيرها.
والذي نود عكسه هنا هو تطابق مواقف الحركة الشعبية خلال مسيرتها الثانية منذ العام 2005م وقت انفصال الجنوب وتجدد الحرب في السودان، وهو سعي الحركة لتوحيد الرأي العام حول اهمية وقف الحرب والدخول في مراحل السلام من اجل بناء السودان.
لكن يبدو أن المؤتمر الوطني لا يريد التخلي عن سياساته ولا عن خطابه السالب لجلوس علي منضدة حوار حقيقي يعيد ترتيب السودان من جديد، وظهر ذلك خلال جولات التفاوض السالفة ويحدث الأن امام انظار الجميع، وما تجيش الإعلام الحكومي للترويج عن الأكاذيب إلا جزء من خطط الحكومة لإفشال الجهود التي بزلت في أديس ابابا لتحقيق تقدم في ملف التفاوض. والمفاوضات الجارية حاليا علي وشك أن تصل الي النقاط الفاصلة، وعلي المجتمع الدولي الإنتباه لهذا الأمر، والضغط علي النظام حتي يتعامل بمسؤلية حيال قضية السودان المتشابكة، وعلي باقي القوى السياسية الواقفة علي خط التماس، أن تراجع مواقفها وتحسب الأمور بواقعية وتأخذ في تحليلها وتفسيرها للراهن السياسي، اولوية وقف معاناة السودانيين، وفيهم ذوي العقول الناضجة والمتفتحة التي تستوعب الأمور بعقلانية، وعلي جماهير شعبنا مواصلة الضغط علي النظام عبر التدفق الي الشوارع بالمظاهرات والإعتصامات والإضراب عن الأعمال، لأن ذلك سيدعم موقف المعارضة، وسيؤجل برحيل العهد الظلامي الذي عشناه في ظل حكم المؤتمر الوطني، واثق في مقدرة السودانيين من تجاوز أزماتهم بجدارة.

سعد محمد عبدالله

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..