أمننا الغائب وأمن إسرائيل الحاضر

رأي

أمننا الغائب وأمن إسرائيل الحاضر

حسن أحمد الحسن

ألقت حادثة الهجوم الإسرائيلي الثالث على شرق السودان، ضمن سلسلة الهجمات المتواصلة التي بلغت ثلاث هجمات إسرائيلية ضد البلاد وأمنها، ألقت بظلالها على دور المؤسسة الأمنية، وقدرة القوات المسلحة الدفاعية في مواجهة مثل هذه الاعتداءات المتكررة.
فالهجوم الأخير يطرح عدة تساؤلات من حق أي مواطن طرحها، باعتباره حلقة ضمن سلسلة هجمات تواترت على المنطقة، دون اهتمام رسمي سياسي أو إعلامي يرقى لمستوى الحدث.
ومعلوم أن تكنولوجيا الدفاع والعدوان قد بلغت شأوا بعيدا، حيث أصبحت الجيوش التقليدية بمعداتها الكلاسيكية صفرا على الشمال، وفي بلد مثل السودان تنفق فيه الدولة أكثر من 60 في المئة من ميزانيتها على الأمن والدفاع، يتساءل الناس عن جدوى هذا الإنفاق في وجود عجز دفاعي وغياب معلوماتي أغرى إسرائيل بمد ذراعها عبر سياحة عدوانية تنال من الأحياء والأشياء، بحجة الحرص على أمن مواطنيها، فيما يصبح المواطن السوداني ضحية غياب من يدافع عن براءته في وجه العدوان.
ولعل من المؤسف أن يتم تركيز الصرف الأمني الذي يتعاظم على حساب التعليم والصحة والخدمات، على الأمن السياسي للنظام وتعبئة العقل الأمني نحو الداخل بكل فروعه، وأن تتجه ميزانيات الدفاع للمباني والأثاثات والامتيازات، بينما تستباح حدود البلاد وسيادتها وحرمتها، في غياب كامل للمتابعة والرقابة الأمنية الخارجية.
لا أحد يطالب السودان بأن يكون من حيث التكنولوجيا العسكرية والتقنية العالية في مجالات الدفاع بمستوى الجيش الإسرائيلي المسنود من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هناك بالضرورة تدابير أساسية لا بد من اتخاذها حتى لا يبدو المشهد الدفاعي مثيرا للسخرية، وهي تدابير سياسية وأمنية وعسكرية قد تكون معادلا موضوعيا لصلف العدوان الخارجي.
هذه التدابير تبدأ بإيجاد حل سلمي وعادل للأزمة في دارفور واستتباب الأمن في البلاد، مما يحّول اهتمامات القوات المسلحة إلى دورها الأساسي في حماية التراب السوداني، والانصراف إلى مواكبة التطورات التكنولوجية في مجالات الدفاع التي تتواءم مع حجم وطبيعة السودان وموقعه الاستراتيجي.
وإيجاد توافق سياسي داخلي يؤسس لحياة ديمقراطية وتبادل سلمي للسلطة وسيادة لحكم القانون، يحقق الاستقرار ويفتح آفاق الاستثمار والتنمية، ويحّول اهتمام الأجهزة الأمنية من مطاردة المعارضين وشباب الناشطين والبلوغرز في شوارع الخرطوم، إلى متابعة ورصد مستنير لمهددات الأمن الوطني وأنشطة عملاء أجهزة المخابرات الأجنبية الذين يتحركون بكل حرية في البلاد، والعمل على تطوير آليات المتابعة الاستخبارية، سيما أن السودان بعد انفصال الجنوب سيكون أكثر عرضةً للاستباحة وتصدير المعلومات لقيام دولة منفصلة كانت شريكة بالأمس تملك نصف معلومات الدولة الأم.
ووضع سياسة خارجية توائم بين المساندة السياسية والمعنوية لحركات التحرر والمقاومة ضد العدوان الإسرائيلي، وبين عدم السماح بأن تكون الأراضي السودانية متلقيا أو ممرا لأية أنشطة غير قانونية وفق تصنيفات القانون الدولي.
وأن يسعى السودان إلى تطوير اهتماماته الدفاعية عسكريا وتكنولوجيا ومعلوماتيا، خاصة في منطقة البحر الأحمر، وأن يسعى لخلق شبكة أمنية
لأمن البحر الأحمر وتبادل المعلومات، بمشاركة كل من مصر والسعودية واليمن واريتريا لمراقبة الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر.
وما نتوقعه بوصفنا مواطنين أن يحرك هذا العدوان الإسرائيلي ساكنا في الحكومة وفي جهاز الأمن والمخابرات والقوات المسلحة، لإعادة النظر في أولوياتهم إزاء هذه الاختراقات الأمنية والاستهداف المباشر لأمن الوطن والمواطنين، وأن تنصرف أجهزة الأمن إلى مهامها الأساسية الخارجية.
وأن يتم توظيف ميزانيات الأمن والدفاع التي تقتطع من قوت المواطنين وصحتهم وتعليمهم، في تطوير قوات ذات تقنية مواكبة للتطور في مجالات الدفاع. فلم تعد العبرة بالكثرة العددية، ولكن بالقدرة والفاعلية وسرعة الحركة وتوافر المعلومات، وهي أبجديات في عصر العلم والمعلومات.
٭ كاتب سوداني مقيم في واشنطن

الصحافة

تعليق واحد

  1. تأكد يا استاذ حسن ان هنالك من قبض ثمن هذا "التعاون ضد الارهاب" في اروقة جهاز الامن وحكومة "الانقاذ", والامثلة كثيرة من كارلوس, مروراً بالمحاولة الفاشلة ضد بن لادن التي ادت لهروبه من خيانة الكيزان, الى ابو مصعب الزرقاوي, واخيراً اغتيال الاشقر وريث المبحوح الذي تزعم الصحف الاسرائيلية اليوم (راجع الراكوبة) بنجاح العملية ضده ومساعده. ولا يخفى عليك التعاون الوثيق الذي يتم بين جهاز الامن السوداني وال سي اي ايه ومن خلفها الموساد طبعاً, وكم اثنى الجانب الامريكي على الجانب السوداني لتعاونه التام في امور كهذه, وما خفي اعظم, فكم من رجالات الانقاذ يمتلك جنسية امريكية؟ وانت تعلم وانا اعلم ان حامل الجواز الامريكي محظور عليه العمل في خدمة حكومة "اجنبية" وفقاً للقانون الامريكيو وهذا مكتوب في شروط سحب الجنسية بالجوازو ان اردت التأكد, ولكن اولئك يعملون كوزراء وخبراء في حكومة الانقاذ, ويبقى السؤال كيف يستوي ذلك؟ والحكومة الامريكية تعلم, فلابد ان يكون هنالك من غض الطرف من الجانب الامريكي, ولكن لأجل اية غاية؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..