الحاج داني… نموذج للكرم

رجل متوسط الطول نحيف الجسم فاتح اللون يميل إلى حمرة، عربي الملامح، لا يلقاك إلا بوجه باسم وبكل ترحاب وبشاشة؛ ذلكم هو الرجل الكريم الحاج داني محمد مدني الكاروري، رحمه الله وغفر له؛ فقد كان نموذجاً للكرم والجود. عاش الحاج داني في قرية “نكور” في محافظة بارا بولاية شمال كردفان. وبها درس القرآن في خلوة الشيخ محمد ود بيوضة. ينتمي الحاج داني إلى أرومة عزيزة النسب وعريقة الأصل في دار حامد. وقد اشتهر هذا الرجل بالكرم والزهد والتواضع بيد أن الكرم هو أبرز صفاته، جزاه الله عنا خيراً. رأيته أول مرة ونحن يومئذ أطفال صغار نرعى الغنم في وادي أم عليقة بين دميرة وأم حامد. كان الحاج داني قادماً من سوق خور جادين وما أن رآنا حتى أوقف دابته وأفرغ الماء من قربته التي لم تكن تفارقه أبداً ووضع عليه شيئاً من السكر و”الكسرة” البيضاء ودعانا إلى جنبه فشربنا وأكلنا حتى ارتوينا. وقد شاهدت نفس الفعل يتكرر منه بعد انتقال السوق إلى دميرة حيث كان يدعو الناس إلى مكانه ويقدم لهم نفس الزاد! وبما أن المجال لا يتسع لسرد حياة هذا الرجل الكريم كاملة سوف أكتفي بحكايتين عنه. لقد حكي لي والدي التجاني عمر قش، رحمه الله، أنه قدم إلى الحج في معية الحاج داني في عام 1942. وكعادته كان الحاج داني يقدم القرى لكل من يلقى من الحجيج في الأماكن المقدسة بلا منٍ ولا تفاخر ولا أذى؛ ليس هذا فحسب بل كان يطبخ الأكل ويقدمه للناس خاصة من كانوا معه في الحملة فاستغرب بعضهم وسأل الوالد قائلاً: هل أتيتم بهذا الرجل من السودان ليطبخ لكم فرد عليه الوالد قائلاً: هذا ابن عمنا داني محمد مدني وهو يطبخ من زاده ويقدمه للناس كما ترى! وحكى لي عمنا حامد ود مجازي الذي كان الذراع الأيمن لحاج داني في قرية نكور أنه قد مرت بهم سنة صعبة ضاقت الناس وقلت فيها المونة حتى بلغ سعر مد الدخن 13 قرشاً! وذات يوم وصلت إلى القرية حامولتان، إحداهما صغيرة والأخرى كبيرة. وطلب الحاج داني من عمنا حامد إكرام أولئك النفر فلم يجد في البيت دقيقاً. وعندما أبلغ الحاج داني بذلك قال له اذهب إلى الزريبة واذبح عنزاً للمجموعة الكبيرة، واذبح شاة واقسمها بين أهل البيت والمجموعة الأخرى. وعندما هم عمنا حامد بتنفيذ الأمر سمع صوت بعير قادم وإذا بامرأة تسأل عن بيت الحاج داني فدلوها عليه! سلمت المرأة وقال لها حاج داني “وصلتي يا بتي، نوخي الجمل واستريحي قدام” ولكنها اعتذرت بقولها إنها قادمة مع رفقة لا تستطيع أن تفارقهم واخطرت الحاج داني بأن أحد أصحابه من المزروب قد أرسل له جراب مليء بالعيش! أخذ عمنا حامد الجراب وقامت النسوة تطحن وتطبخ حتى أكل الجميع في تلك الليلة، فالكريم لا يضام. عاش الحاج داني عمراً قضاه كله في سبيل الله يطعم الطعام ويقري الضيف ويسقى العطشى حتى انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً في مطلع سبعينات القرن الماضي. ألا رحم الله الحاج داني محمد مدني ونسأل الله أن يسلك الأخ عبد الله داني هذا الطريق وتحياتي لهذه الأسرة التي عرفت بالفضل والكرم في كل من نكور والجمامة وأم ضبان بدار الريح.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..