مقالات سياسية

أسباب منطقية ..!

?الثوار يملأون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء? .. تشي جيفارا ..!
(1)
في الهند عوَّلت ثورة الملح التي قادها المهاتما غاندي على مطلب بدا في حينه بسيطاً مقارنة بإضرام ثورة (المطالبة بحق الهنود في استخراج الملح!) .. مسيرة بضع عشرات لبضعة أسابيع، مسافة مئات الكيلومترات، منبعها الشارع ومصبّها البحر، تعاظمت بانضمام الآلاف من كل الطبقات والفئات والطوائف للمشاركة في تمرّد سلمي (على وجود مستعمر وليس على سياسات حكومة وطنية) تمخضت عن استقلال الهند! .. كان غاندي ومانديلا وغيرهم – من الرموز الوطنية – ضمائر متصلة ألهمت ثورات شعوبها وملأت فراغ الكراسي بعد انتصارها، لذلك جنبوا بلادهم شرور العنف الذي يعقب اندلاع الثورات، ولكن من سوء حظ هذا الشعب ومن حسن حظ هذه الحكومة أن زُرَّاع الربيع العربي من الجيران إلى الإخوان يعيشون اليوم خريفاً سياسياً مبنياً للمجهول..!
(2)
لو قدرت الحكومة أن سنوات الانتظار والحاجة هي قنابل ثورة موقوتة في أيدي العاطلين لأدركت ضرورة تدخلها العاجل لضبط الفوضى الوظيفية، والعثور على صيغة متوازنة لعلاقة المهنية بالإنتاج في هذا البلد الظالم أهله! .. ظاهرة الشاب العاطل في أي دولة هي كارثة اجتماعية تنتهي بإحدى ثورتين، أما ثورة على القوانين والأعراف والأخلاق (في مصر صارت كلمة عاطل مرادفاً لتعريف المتهم في معظم قضايا السرقة والاغتصاب)، وأما ثورة سياسية تطيح بالنظام الحاكم الذي تسببت سياساته بانتشارها! .. ولو قدرت حكومة السودان خطورة تكاثر أعداد العاطلين، حق تقديرها، لشملت كل شاب عاطل بترضية سياسية (الشباب العاطلين هم خام الثروة ووقود الثورة، وليس قادة الأحزاب الذين ما عادوا يملكون من شئون التغيير سوى ثرثرة المنابر والتلويح بما لن يكون) ..!
(3)
لاحظ معي أن عدم قبول الرشوة ينبغي أن يكون الأصل في سلوك صاحب الوظيفة العامة، وأن عدم استغلال الموظف العام لوظيفته من أجل مصالح خاصة هو الأصل، وأن قبول الرشوة – المال الحرام – هي المتغير .. لكن شيوع ثقافة الدهشة من رفض المال (الحرام) في هذا الزمان الرديء، والتي تمتد جذورها التاريخية إلى ما قبل قصة (ميسون الكلبية) رافضة المال (الحلال) بكثير – شيوع هذا العرف الفاسد – حوَّل قبول الرشوة كوسيلة لتغلب الموظف العام على أعباء الحياة إلى عرف فاسد (ثابت)، فأصبح رفض الرشوة هو المتغير(المدهش) في شمال الوادي وجنوبه على حد سواء .. غياب المؤسسية .. انعدام الشفافية .. المحاسبة .. ومساواة الجميع في الحريات .. ضبابية فصل السلطات .. القهر الوظيفي .. تنمر الرئيس وخوف المرؤوس .. شمولية نظم إدارة المؤسسات .. شيوع ثقافة (الأنا ماليَّة) بين الناس .. تلك هي ? في تقديري – (أهم) أسباب انتشار الفساد في السودان الذي تبشرنا تقارير (منظمة الشفافية الدولية) بأنه في ذيل قوائمها! .. في الصين العقوبة الرادعة لجرائم الفساد – استغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية، وقبول الرشاوي .. إلخ .. – هي الإعدام (وليس الأبعاد أو تغيير المناصب)! .. الفساد المالي يدخل في قبيل الفساد في الأرض .. والدواء الناجع لمحاربته ليس الاكتفاء باتباع سياسة (كسر القلة) على الطريقة المصرية .. بل بتشريع قانون (كسر الرقبة) على الطريقة الصينية .. فهل من مُذَّكر ..؟!

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. التحيات للأستاذة منى وارجو أن تسمح لي أولا بالقول أنها في تقدري تأتي ضمن فئة قليلة ، يقل عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة ، من الكتاب الصحفيين الذين يحسنون الكتابة من حيث الشكل والمضمون والعمق . وفيما يتصل بمحاربة الفساد فأحسب أن علاجه يكون في ضبط ” نظام العمل ” – السيستم – بما فيه من إجراءات وتوزيع صلاحيات ومحطات الرقابة والمسائلة وغيرها حيث أن ذلك هو ما يؤدي لمعالجة الأمراض التي تفضلت بالإشارة اليها ( غياب المؤسسية .. انعدام الشفافية .. المحاسبة .. ومساواة الجميع في الحريات .. ضبابية فصل السلطات .. القهر الوظيفي .. تنمر الرئيس وخوف المرؤوس .. شمولية نظم إدارة المؤسسات )، وليس نظام كسر الرقبة وإن كانت العقوبة ضرورية في ضبط ” نظام العمل” ولا بد أن تكون ضمن أدوات السيستم. لكن صدقيني أن مثل هذا الذي أتحدث عنه لا يمكن أن يوجد في ظل أي نظام شمولي ! فمثل هذه الأنظمة عدوة بالضرورة للمؤسسية ولحكم القانون ،فهنالك دائما في هذه الأنظمة الشمولية ( الرئيس ) الذي يفوت توقيعه في أتخن حائط ، وهنالك الزبانية ،وهنالك شراء الولاءات ، وهنالك وهنالك …. فلا تعشمي سيدتي في زوال الفساد في ظل مثل هذه الأنظمة ، تحياتي وتقديري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..