ذكريات معتقل علي جدار التاريخ الحلقة الرابعة(4)

20/12/2012

في العام 2012م كانت ولاية سنار في قمة الحراك الثوري المناهض لسياسات النظام القمعية، وكانت الولاية تحت حكم (هتلرها الجشع) ذلك الوالي الإنقاذي المقال مؤخرا، وكنا وقتئذن في صراع سياسي متشابك المحاور والدوائر بتعدد القضايا التي نثور لأجلها ونعمل لتفكيك عقدها، بدأ من التعليم والصحة والكهرباء والماء الي قضايا الزراعة والضرائب والجبايات وغلاء المعيشة وصولا الي الخطة الإسكانية لسكان مايرنو غرب (الظلط).
وكانت حكومة ولاية سنار تشمئز من أعمالنا التنويرية، ومنسوبي المؤتمر الوطني يقيمون الإجتماعات ليل نهار في دورهم وصوالينهم المعروفة، وكانت تقارير إجتماعاتهم تصل الينا قبل إنتهاء الإجتماع، وكنا نتعامل مع الوضع بما يقتضي مصلحة المواطن والبلاد.
ولم يفلح النظام في ردع ثورتنا لعدة اسباب، منها ما هو إنقاذي يدور حول المؤتمر الوطني، ومنها ما هو ثوري يخص المعارضة الشبابية الجديدة؟

ٱ/ المؤتمر الوطني الإنقاذي←

1- إنتشار الفساد المالي وسط شباب الحزب الحاكم وظهر في تقارير أمنية تم نشرها لمجموعة الأمنجية التي تحمل الرموز السرية (ساب (1) وساب (2).
2- عدم وجود قيادة تفقه التعامل مع متغيرات الوضع السياسي بعقلانية.
3- نشوب صراعات وإنقسامات داخل صف المؤتمر الوطني.
4- تضارب مصالح القيادة الولائية العليا والوسطى والصغرى للمؤتمر الوطني.
5- تدخل جهاز الأمن في صنع القرار داخل مكاتب الحزب الحاكم.

ب/ المعارضة الشبابية الجديدة←

1- ترابط الشباب وخبرتهم العالية في إدارة العمل الثوري التنويري.
2- تمكن الشباب من إنتاج وبلورة رؤية سياسية متكاملة حول واقع ومستقبل المنطقة.
3- تشكل رأي عام مناهض للنظام كنتاج لبيانات ونشرات المعارضة الجديدة.
4- كسر حواجز الخوف من بطش السلطة الحاكمة وإسترداد الثقة للمواطن وتسليمه سلاح التغيير.
5- تجريد النظام من ستر التستر علي تجاوزاته الإدارية وكشف محاولات إخفاء آثارها علي مستقبل البلاد.

كل هذه العوامل كانت تسوق بعضها البعض وتشد وتيرة الصراع السياسي المتحول من دهاليز الصمت ونكران الحقيقة الي فضاء الإجهار بها في سلسلة أحداث متواصلة منذ العام 2005م الي العام العام 2010م وما بعدها، وتمثل هذه الأعوام نقاط وعلامات بارزة في تاريخ بلادنا المعاصر، كونها شهدت حراك سياسي وثقافي وثوري غير مسبوق وبملامح مختلفة حديثة وجديدة علي الفضاء العام.
وبالطبع كنا ندرك أن التحولات الكبيرة التي جرت في المنطقة لن تلقي المفاهيم التقليدية والكلاسيكية القديمة، والتي تضع معاير ضيقة لتقيم السباق السياسي وتعتبر الرأي الحر (قلت أدب وجريمة) ونقد السلوك والفعل السياسي لبعض الشخوص والمنظومات السياسية بقرض إصلاح المسار ومواكبة التطور، هو نقض لتجاربهم وتاريخهم ورغم (إنعواج فكرهم وتخلف منظوماتهم) يعتقدون انهم معصومين من الخطأ، ولا يحق لغيرهم طرح ما بجعبته حتي لا يسدل عنهم ستار التاريخ.
كنا ندرك حجم التأخر المفاهيمي وما سنلقاه في محيطنا الإجتماعي، لكن لا احد يستطيع إيقاف مشروع التغيير الذي تبناه هذا الجيل الصاعد بوعي، مقررا الإلتزام بخطه الي نهايات الطريق، رغم إختلاف وجهات النظر وسط الشباب طبقا لإختلاف مدارسهم الحزبية والفكرية، إلا انهم يتعاملون بمفهوم الحوار البناء والإتفاق علي (الحد الأدنى) لجمع اعرض صف وطني برؤية مشتركة تعطي للجميع مساحات جيدة لممارسة حرياتهم.
وشهدت هذه المرحلة إنتاج ادبي وفكري كبير في مجالات متعددة مثل (الشعر – الغناء الشعبي والحديث – المسرح الكلاسيكي والحديث – الرواية والقصة)، مع إعادة تكوين روابط الأحياء والتأسيس لمفاهيم بناء منظمات مجتمع مدني وجمعيات ثقافية وإجتماعية وغيرها من الخطط المستقبلية الإستراتيجية.
لكن دعاة الرجعية بالتخندق السياسي والتزمت الفكري، لم يعجبهم ذلك، خاصة في ظل تفاقم الصراع السياسي في البلاد، والذي وصل الي حد تصريحات طائشة نسمعها هنا وهناك، تهددنا مرة بالتصفية وآخرى ببث الإشاعات السيئة،
ونتيجة لما ذكرناه آنفا، حدث ما لم أكن اتوقعه في يوم من الأيام، وهو محاولة فاشلة لإغتيالي في بلد عشت فيها جل عمري.
ففي إحدى الليالي الخريفية الجميلة، بينما نحن مجموعة من الشباب نتجول في شوارع المدينة من القهوة الي النادي، قررنا الخروج الي مقهى في الشارع الرئيسي المؤدي الي سنجة من سنار، وذهبنا الي هناك لنحتسي القهوة بطعم (البن البرازيلي) الذي لا يتوفر إلا عند المصريين العاملين بتلك المقهى الرائعة، ولأننا تعودنا علي الجلوس ليلا في هذا المكان، اصبح من السهل تتبع آثارنا ومعرفة مواقيت مجيئنا، فعندما دخلنا وجلسنا هناك بأريحية، دخل من خلفنا شاب يرتدي (بنطلون وقميص) أشعل (سجارته) ثم خرج مسرعا، ولم تعجبني نظراته وطريقة دخوله وخروجه، فحدثت رفيقا كان بمجلسنا فخرج خلفه ليجده يقول لزملائه (سعدون قاعد)، وكانت معهم عربة يقفون بجانبها، عاد الرفيق وابلغنا بما سمعه وتحركنا بسرعة تاركين (القهوة) ليوم آخر.
وبعد تقصي الحقائق عرفنا أن هناك من يتتبعنا، لكنا لم نبالي ولم نولي الأمر أدنى إهتمام.
بعد مرور يومين علي هذه الحادثة، حل علينا (عيد الفطر)، وعاد عدد من الشباب الي المنطقة لمعايدة أهلهم، وفي ذات الطريق الذي كنا نعبر به الي المقهى في وقت متأخر من الليل، مر شاب يدعى سعد مع اصدقائه قادمين من (مناسبة زواج)، وعندما وصل الي منتصف الطريق ناداه شاب قادم من الخلف باسم سعد، وعندما التفت ملبيا ندائه، سدد له ضربة علي وجهه (بساطور) فوقع مفترشا الأرض، وهرب الجاني علي متن (دراجة بخارية).
والمعلوم أن المجني عليه لا توجد بينه والناس عداوة، لأنه لم يأتي الي المنطقة إلا في الأعياد فقط، وبعد ايام قليلة من تلك الحادثة المؤسفة، وردتني معلومات بأن المقصود انا وليس سعد المجني عليه، ولم اتهم جهة بعينا نسبة لعدم توفر الدلائل المادية القاطعة حول هذا الموضوع.
في هذه الحلقة قصدنا رفع الستار عن حيثيات الحقبة الثورية التي خاضها شباب المنطقة من العام 2005م وفي العام 2010م مع قيام الإنتخاباب التي كانت تشكل ملحمة تاريخية، ومنها استمر النشاط الي أن تفجرت مظاهرة مايرنو ضد الظلم والتهميش والعنصرية.

* تلخيص»»»

? اردنا توضيح طبيعة العمل السياسي والثوري التنويري في ظل حكم دكتاتوري لا يؤمن بالحرية والديمقراطية.

? كما وددنا التوثيق لوعي جيل تجاوز كل المفاهيم التقليدية متقدما نحو ثورة التغيير من العهود الظلامية الي النورانية.

? هدفنا ايضا تمليك الجيل القادم وثائقنا لتفسير مغالطات التاريخ وفك طلاسم الحقبة الثورية السابقة، وذلك من أجل الإنطلاق من حيث وقفنا الي مرحلة جديدة ارفع من مرحلتنا.

? كما نهدف الي التنبيه بشكل ونوع التركيبة المفاهيمية التقليدية الإنكفائية المنكمشة التي كثيرا ما تدخل السياسة في العلاقات الشخصية لتبرر المصالح وتزرع الكراهية، وفيها الأراء الحرة تحاصر بالدين، ولو كانت أراء صحيحة لا تهدد قيم المجتمع.

? نسعى لبناء مجتمع واعي بقضاياه ويستطيع حماية مصالحه المدنية وحقوقه الوطنية ويشارك بايجابية في حراك الشعب السودانية من أجل التغيير.

? نعمل لدفع المجتمع نحو منابر الثقافة والحوار السلمي المتمدن ونقد التجارب التاريخية والراهنة بتجرد من سطوة العاطفة امتثالا للعقلانية.

? نعتقد أن تطور العمل السياسي والثقافي يعتمد علي قبول رأي الأخر والإبتعاد عن شيطنة المعارضة وفرض سلوك (الأنا) ومفهوم (من ليس معي فهو ضدي).

* رسالة»»»

أخيرا اتقدم بخالص التحايا لشعبنا علي امتداد السودان وخاصة ابناء جلدتنا في النيل الأزرق وسنار وكسلا وجنوب كردفان ودارفور، وهم يصارعون الموت من اجل حياة كريمة ويقفون بصمود بين الرصاص والكوليرا.
احي كل المجموعات الشبابية التي تعمل لإغاثة المواطنيين وتقديم الدعم لهم في مواجهة وباء الكوليرا الذي انتشر في بلادنا في ظل غياب دور وزارة الصحة.

سعد محمد عبدالله

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أخ / سعد لقد تابعت كل مذكرات حتى النهاية فكانت شيقة في المتابعة ومحزنة في ذاتها .. أحييك وأحي نضالك

  2. أخ / سعد لقد تابعت كل مذكرات حتى النهاية فكانت شيقة في المتابعة ومحزنة في ذاتها .. أحييك وأحي نضالك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..