إلى وليد الحسين ومن في وضعه

أخاطب هنا وليد واسرته … وكل سوداني في وضعه الأسري قدم أو قادم إلى أمريكا …
لا أشك أنك قمت ، بعد تمحيص ومقارنات ، وبناءا على أولوياتك ، بتحديد المدينة التي اخترتها للعيش فيها من بين آلاف المدن الأمريكية … ولا أشك أن أي مدينة هنا قد تلبي كل قائمة أولوياتك … مما يجعل أمر الإختيار بينها صعب … وليس لي نصيحة في هذا الشأن … ولكن من بين أولوياتكم بالطبع أولوية جودة تعليم أطفالك … وهذه الأولوية هي دافعي للكتابة هنا …

المهاجرون مثلنا يلمون بمعلومات ويجهلون غيرها … هنا أنبهك إلى أمر يكتشفه أمثالنا بعد مضيء وقت غالي … وبعضهم لا يكتشفه أبدا … ! وهي تحديدا بخصوص المدارس وما يجري في داخلها …وأحسب أنك قد تحتاج للمعلومات التالية في وقت ما ، إن لم يكن الآن …

معلوم أن في كل مدينة هنا توجد مدارس ممتازة “مرموقة” وأخرى جيدة وغيرها متوسطة وغيرها بائسة تقدم بالكاد الحد الأدنى المطلوب … وقد يفيدك معارفك المقيمون في المدينة ، وكذلك قوقل والنت عموما ، بالمدارس “الممتازة” … ويفيدوك بوجوب أن يكون سكنك في “المنطقة المحددة” لتلك المدرسة الممتازة (School zone) حتى يحق لأطفالك الإلتحاق بها … وبوجوب التأكد ، قبل إيجار سكنك ، من أن السكن هو في نطاق المدرسة المعنية ، حتى وإن اضطررت لمراجعة مكتب المدرسة لتأكيد معلومة مكتب العقارت … فقد يفصل شارع صغير سكنك من نطاق مدرسة ما فتحرم منها … ونطاق المدارس هنا متعرج ليس له شكل منطقة منتظم ، ولا اسم حي معين ، ولا يعتمد على المسافة من المدرسة … فقد يضم سكنا ولا يضم غيره أقرب منه مسافة … وسوف تعلم بأميال أقرب مسافة سكن يستحق بعدها التلميذ خدمة الترحيل بالبصات من وإلى المدرسة فتقرر قبل الإستئجار إن كنت تريد ترحيل البصات أو المشيئ أو توصيل أطفالك بسيارتك … كل هذه معلومات معلومة لأغلبيتنا …

لكن هناك أسرار لا يعلمها إلا القليلون ممن قدموا حديثا إلى أمريكا … وشخصيا قد علمتها بالتجربة المرة وبحكم عملي استاذا عدة سنين في التعليم العام هنا في أمريكا في سنيني الأولى … وأذكر منها واحدة في هذه العجالة .

أتيت نيويورك قبل 15 عاما أو يزيد .. وكانت أصغر أطفالي بنت أبدأ بقصة إحدى تجاربها … اخترنا سكننا بالقرب من مدرسة متوسطة “مرموقة” ! … وكانت الدراسة قد بدأت قبلها بأسابيع … وبعد أول يوم في المدرسة ، بالسنة السادسة ، عادت بنتي باكية منفوخة من الحرقة قائلة : “الفصل لعب وكواريك بس .. ما فيهو قراية … واحدين يطلعوا ويمشوا فوق الأدراج ، والمدرس مخليهم علي كيفن … أنا تاني ما ماشة المدرسة دي …”

تفاكرنا … وقررنا أن تقوم هي بقيادة المعركة ، لا نحن أبويها … أن تذهب إلى المدير في الصباح وتقول له نفس ما قالت لنا …

وكانت : بنت من الملونين دامعة تهز المدير الأبيض هزا.. فينادي نائبه ليأخذها إلى فصل “أعلى” من الفصل الذي كانت ألقيت فيه يوم أمس بناءا على لونها فقط … !! وهكذا استمر نضالها حتى استقرت ، بالإحتجاج وآدائها معا ، استقرت في أعلى فصول الصف مكانة ، ويسمونه “الفصل الماسي” (the Diamond Class) … عندها فقط علمنا أن المدرسة ، التي حسبناها “مرموقة كلها” كما يشاع عنها ، بها أربعة طبقات … تضاهي طبقات المجتمع الهندي ! فتحت “الماسي” كان “الذهبي” ، ثم مسميات مضلله لما تحته من طبقات في كل صف …

هذه بداية قصة بنتي الصغرى … معركة ، فوق معركة … حتى انتصرت لنفسها ولنا بييل … أما قصة أختها الأكبر فكانت حرب فوق حرب … أربعة سنوات حسوما في ثانوية “مرموقة” أيضا !!… ألقوا بها أول الأمر في فصل من “الضباع” غالبيته ملونين… حتى أنقذها استاذ ذو ضمير بآدائها ، فترفعت إلى أعلى حتى أرفع فصل في الصف… وواصل غيره بإصرار كل عام جهودهم لهزيمة الملونة لصالح منافسين أثنين لها ، أبيض ويهودي ، (الطلاب 92 في المائة بيض ) حتى استسلموا أخيرا بدخولها هارفرد وحيدة من مدرستها وبعد 13 عاما من من سبقها لهارفرد من مدرستها . (ليس هذا تفاخرا مني … وكيف لي أن أتفاخر على أحد وقد ترعرعت تربالا وكنت أعيش على قطع القش وجلبه فوق حماري من الجزيرة لبيعه في سوق المدينة البعيدة !… وعلى “قبض” الحطب سباحة في دميرة الأزرق وبيعه … لا ، ليس تفاخرا … بل تثبيت وتشجيع لوليد واسرته وكل قادم منا إلى الدنيا الجديدة … تشجيعا لهم لتحري الأشياء بدلا عن تصديق القوم والوثوق بهم … وللحصول على المعلومات ، المخبأة عمدا أو غير ذلك ، والإستعداد لمعارك وحروب لا تنتهي … فإن ناتج الصبر والثبات هنا مجزي ومكافيئ . فإن لم يرفعك جهدك ومقدراتك في أمريكا ، فلن يرفعاك في غيرها . والحفاز : “الغبينة والمعلومات” كما أقول لمن حولي!)

أحمد إبراهيم
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ما قصرت الاخ أحمد ابراهيم جزاك الله كل الخير وان شاء الله يحفظ ابنائك في تلك الدنيا العجيبة ،،،، بالطبع وليد قرأ الموضوع وسيستفيد ،،، وسنستفيد منه نحن كذلك اذا حطت بنا الحال في واحدة من هذه البلدان في المستقبل فعلا الابناء هم رأس المال ،،،

  2. ما قصرت الاخ أحمد ابراهيم جزاك الله كل الخير وان شاء الله يحفظ ابنائك في تلك الدنيا العجيبة ،،،، بالطبع وليد قرأ الموضوع وسيستفيد ،،، وسنستفيد منه نحن كذلك اذا حطت بنا الحال في واحدة من هذه البلدان في المستقبل فعلا الابناء هم رأس المال ،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..