أبو عبيدة حسن .. ينادي ..شوفو ..لي ..حلل ..!

عندما كان الشغف بالروايات يتملكنا في فورة بواكيرالشباب و الولع بالقراءة الورقية هو سيد الموقف الثقافي..كنت أطالع قصة شفيقة القبطية للكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي صّور فيها باسلوبه الروائي حكاية تلك الراقصة التي شغلت المحافل في شبابها بجمالها و سعة ثروتها و ذيوع صيتها ..ومثلما سمت الى قمة المجد ..إنحدرت الى قاع االتسول نتيجة ضعف صحتها وبعد أن ذهبت كل ثروتها بدداً وتوارت من دائرة الأضواء الى عتمة ذاكرة الناس .. الى درجة أن عدد من سار خلف جنازتها كان إثنين فقط أحدهما الحانوتي و الآخر زوجها السابق الذي تكفل بتكاليف التجهيز للدفن .!
وحينما مّر نعشها بأحد المقاهي التي كان روادها يتساقطون تحت أرجلها إعجابا في أوج شهرتها الآفلة.. سأل أحد الجالسين ..النادل .. جنازة من هذه .. فرد عليه الصبي ..إنها الست شفيقة يابيه ..فتسأل الجالسون بصوت عدم التذكّر مرة واحدة .. شفيقة مين ؟
بالأمس ونحن نطالع قناة الخرطوم وهي تستضيف الفنان الشعبي أبوعبيدة حسن الذي إنزوى خلف ستور النسيان لمايزيد عن الثلاثين عاما بعد أن كان نجم الشباك الأول الذي كانت تنفتح له كل ستارات المسارح إنحناءا بالترحيب في سبعينيات القرن الماضي .. وقد بدأ في حالة من البؤس وإعياء المرض !
وأذكر أنني عندما كنت متدربة صحفية وأنا طالبة أدرس الإعلام جئت لأستأذن بالذهاب مبكراً من دار الصحيفة استاذي الراحل حسن ساتي الذي كان يشرف على تدريبي ..وقلت له اليوم سنقيم حفلاً كبيراً لإستقبال الطلاب والطالبات الجدد بالجامعة سيحيه أبوعبيدة .. فقال لي إذهبي و هذه فرصة لتجري معه حوارا فهو يشغل الساحة بجدارة وتفردَ عن أقرانه هذه الأيام !
وبعد نهاية الحفل استطعت بصعوبة أن أصل اليه وسط تزاحم المعجبين والمعجبات ..فأعتذر بلطف أن لدية أكثر من حفل في بقية هذا اليوم وانه جاء لحفلنا بعد أن أنهى حفلا نهاريا ..فقلت له الله يكون في عونك ..فرد ضاحكا باسلوبه البسيط .. والله أحيانا يكون عندي أربعة ..قولي خمسة ارتباطات في اليوم الواحد!
ذات السؤال وجهته لي إبنتي الكبري المولودة في بداية الثمانينيات ولم تسمع بالرجل .. فقالت لي ونحن نشاهده في الصورة البائسة التي بدأ عليها في الشاشة .. ابوعبيدة مين يا أمي !
فأبوعبيدة الآن كما ذكر صديقه الذي تم اللقاء في منزله لعدم إمكانية وأهلية منزل ذلك الفنان لعمل التسجيل حيث لم تبلغ الكهرباء المنطقة التي يقيم فيها عشوائيا في راكوبة كما ذكر ذلك المعجب الوفي وهو يحكي بنبرة وأسى كيف استطاع أن يصل الى ذلك المكان في السادسة مساء وقد قصده في العاشرة صباحا لصعوبة المواصلات !
وكانت زوجة ابوعبيدة تحكي عن ذكرياتهما وحياتهما معاً من دون تخلي عن تعفف صمودها مع رفيق دربها في محنته بكل وفاء من عاشت معه الرخاء ومن غير سؤال لأحدعن حارة سكنهم النائية وقد تحجرت دموعها وراء ابتسامتها التي إنتزعتها عيون الكاميرا غصبا عنها ..رغم أن المذيع الشاب قد حاول بسذاجة أسئلته و طريقة حواره الفطيرة أن يستنطق الزوجين بمذلة الإستجداء للضمائر الحية من معجبي الفنان القابع بعيداً عن الأضواء ولم يتذكر دور الدولة ومسئؤليتها تجاه المبدعين الذين طواهم جور الزمان ..مثل ابوعبيدة الذي ذهب نظر إحدى عينه وراء تلك الغشاوة البائنة فيها وتراجع سمعه فاستعان بسماعة في أذنه !
إنها دروس وعبر لكل من لم يغتنم رياح فرصته التي قد تكون الوحيدة في حياته…فالثروة والشهرة والصحة هي كالشمس في دورانها تغيب عن البعض بعيداًلتضيءفي نهارات آخرين .. ولله في خلقه شئؤن وحكمة!
ومع ذلك فليس من الإنصاف أن نترك الرجل وحيداً في بقية مشوار عمره وهو الذي يكابر في مصارعة المعيشة القاسية رغم وهن الأيادي وتيبس الأصابع بممارسة الرسم وعمل أقفاص الدواجن وصناعة طنابر الغناء الذي إنصاع له في زمان العز وبهرجة الأضواء حينما رقص معه الناس في الشارع العريض وهو يهديهم عقد الجواهر طليق الصوت ومعافى البدن وفي منعة شبابه وعنفوان طموحه الفني .. وتأبى له وتمنع في مرحلة الإنزواء خلف ظلال النسيان وهو الآن يستصرخنا جميعا دولة ومعجبين و أصحاب مال وخير.. شوفو..لي ..حلل !
[email][email protected][/email]
نجيب محفوظ لم يؤلف كتاباً باسم شفيقة القبطية واذا كنتي تقصدي قصة الفيلم فهي من تأليف محمد مصطفى سامي
سئل احد كبار الفنانين لماذا يغالى فى اجره فاجاب انه يخاف من المستقبل بعد ان رأى الحال التى وصل اليها بلبل السودان ابراهيم عبدالجليل ومعاناته فى اخر ايامه.وهذا ماحدث مع الفنان المبدع ابوعبيده حسن الذى كان يوزع الفرح فى ليالى الخرطوم .لا يجب ات تكوت مشكله رعاية المبدعين مسئولية الافراد بل هى مسئولية الدوله. ولكن اذا كانت الدوله لاتقوم بواجبها فعلينا جميعا مد يد العون لشخص قدم كل جميل ( ياعقد الجواهر يالضواى وباهر ..ياالخليتنى اهتف بحبك واجاهر) التحيه والعرفان للفنان ابوعبيده وفرج الله قريب