الكذب بلاأرجل (4)

(تطوير الحراك الجماهيرى )
ان كان يقال فى الماضى : الكذب بلا ارجل، فانه قد اصبح اليوم ، فى زمن الواتساب والانترنت والاقمار الاصطناعية التى تصور دبة النملة ، شبحا ! فتمثيلية الاخ الذى عمل مديرا طبيا فى احد المستشفيات ، ثم مريضا فى مستشفى آخر ، ربما كانت ستمر بدون ملاحظة ان حدثت فى زمان غير هذا ، ولكن الاخ كشف فى نفس اليوم وبتاريخه الماضى .
وعلى أى حال ، دعونا نلج الى الموضوع المهم : اضراب الاطباء والروح التى بثها فى كل ارجاء المجتمع السودانى بديسبوراياته ! وهو بالتالى لم يعد اضرابا للاطباء الشجعان ، وانما ضربة البداية للنهاية . فقد اتضح بمالايدع مجالا للشك ، حتى للذين ظلوا يرون أملا فى التفاوض مع النظام برغم التجارب الكثيرة المريرة ، وبرغم الحاحنا على ان طبيعة النظام لاتسمح له بالتوافق مع الآخرين ، اتضح انه لايفل الحديد الا الحديد . ولكى يصبح اضراب الاطباء ضربة البداية فلا بد من مراجعة مسيرة المعارضة العريضة ، التى شارك فيها غالبية الشعب السودانى وباشكال متنوعة ومبتكرة ، بما يجعل الحديث عن دور الاحزاب والمنظمات والقوى المحاربة بالسلاح ، كشئ منفصل عن حراك الانسان العادى ، لامعنى له. وانما هو احد تكتيكات السلطة والجالسين على الحائط لتفكيك العمل المعارض فى جميع اشكاله . ومهما يكن من امر او امور فى الماضى فلنكن ابناء الحاضر المبشر . كيف نطور ما بدأ ليصبح طوفانا ؟
أولا : التدهور الذى حدث فى المجال الصحى وأدى فى نهاية الامر الى هذا الموقف العظيم من الاطباء ، ليس وحيد زمانه ، فقد شمل التدهور كل مجالات الحياة بدون فرز :
– هل التعليم أحسن حالا ؟
– هل الاقتصاد ومعايش الناس أفضل حالا ؟
– هل وضع الجيش السودانى بين المليشيات الحاكمة مما يرضى من له كرامة من الضباط والجنود غير المأدلجين ؟
– هل البنوك ? الاسلامية ? تخدم الناس والشريعة التى يدعونها ؟
– هل السياسة الخارجية للسودان : تجاه قضايا الحدود والعلاقات مع الدول عموما ابتداء من الجيران وحتى الاتحاد الاوروبى وامريكا فى حالة معقولة ؟
– هل احوال الناس عموما وخصوصا اللاجئين والنساء فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان ، احوال يمكن ان توصف بانها انسانية ؟
– هل هناك مكان فى السودان لم يصله فساد الجماعة ؟
– هل علمتم شيئا عن كونتينرات المخدرات التى دخلت البلاد ولم يعرف لها صاحب بعد ، أو كونينرات المواد المسرطنة المدفونة فى اماكن يتزايد عددها فى كل يوم ؟
– هل تعلمون شيئا عن الاتفاق الذى تم مع المملكة ومع الصين فى مجال الزراعة ؟
– هل تعلمون شيئا عن مادار بالفعل فى الحوار المكتوم فى قاعة الصداقة ؟
– وهل ….وهل …. وهل …؟!
من هنا نبدأ التطوير ، فكل من هذه المجالات يستحق ثورة وليس اضرابا . ثم انه لصمود اضراب الاطباء حتى يحقق أهدافه ، لابد ان يتحول التأييد والمساندة التى عبرت عنها غالبية القوى السياسية الحقيقية ، الى فعل .
كذلك فان الحراك الذى بدأ منذ مدة فى بلدان الشتات قد يجد زخما جديدا من الحراك الداخلى ، بل وما شهدنا من تحركات دولية من الاتحاد الاوروبى والامم المتحدة بل وبعض الدول الافريقية ، كما حدث مؤخرا بجنيف . هذا الزخم من الممكن تطويره من مجرد التظاهر الى اللقاءات الشخصية مع الجهات الدولية لكشف مزيد من الحقائق التى ربما تكون غائبة عن بعض هذه الجهات . وقد رأينا بالفعل التحول السريع فى المواقف بعد تقرير منظمة حقوق الانسان حول استخدام الاسلحة المحرمة . كذلك سيكون الوقت مناسبا لمخاطبة بعض الدول التى ينبنى موقفها من النظام على المصالح المشتركة فحسب مثل الصين وروسيا ، فهذه الدول من الوعى بمصالحها بالدرجة التى تجعلها تشم التغيير القادم باذن الله .
وهناك ايضا التحولات الداخلية التى نظن انها ستحدث خلال الايام القادمة ، وقد لاحظنا بالفعل بداية هذا الاتجاه فى الصحف السودانية برغم التكميم ، وكذلك مواقف بعض القوى السياسية ?الاعرافية- التى لها عين فى جنة القادم وعين فى نار الحاضر . ولابد من أخذ مواقف محددة من هذه القوى تساعد على تطوير الحراك :
– النوع الاول وهو القافزين من السفينة قبل الغرق : لهؤلاء نقول : اذا اردتم ان تلحقوا بسفينة القادم فلابد من نقدكم نقدا واضحا وصريحا لماكان ودوركم فيه . بل وأكثر من هذا ، لابد من فضح كل المعلومات التى تعلمونها مساعدة فى انضاج الحراك . وبغير هذا فلا مكان لكم .
– النوع الثانى هو اصحاب المواقف القوية داخل تنظيماتهم التى اتخذت مواقف مع النظام ولكنهم لم يطوروا هذه المواقف بالخروج والانضمام الى ركب المعارضة بشكل واضح . المثال لهؤلاء هم قادة حزب الميرغنى الذين فصلهم ابنه ويريد الوالد ارجاعهم . هؤلاء يمكن ان يكملوا موقفهم الجيد برفض الرجوع الا اذا خرج الحزب من تحالفه الحالى مع النظام . وبهذا فهم يحافظون على كرامتهم ويدفعون بالحراك الجماهيرى خطوات الى الامام .
وهناك جانب على قدر كبير من الاهمية ، وقد اشرت اليه عديدا من المرات فى مقالات سابقة : الا وهو عدم معرفة الناس الاجابة على سؤال اساسى : ماذا بعد ازالة النظام ؟ هناك اجابات هلامية من قبل فصائل المعارضة على ها السؤال المحورى ، والذى اعتقد ان الاجابة عليه تمثل نسبة كبيرة من اسباب نضمام الناس الى ركب المعارضة . فتجارب الانتفاضتين الماضيتين لاتبشر بخير . والحقيقة ، والسؤال هذه المرة لقوى المعاضة : اين هى البرامج التى تحدثتم عنها مرات ولم نرى لها وجودا ؟
وجانب آخر لا يقل أهمية ،وهو الاعلام ودوره المفقود تماما فى الجانب المعارض ، والمستغل بافضل صورة لدى النظام . لاأظن ان احدا ينكر ما اصبح يلعبه الاعلام من أدوار جعلته السلطة الاولى وليست الرابعة . ويكفى فقط ان اشير الى الدور المتميز الذى تلعبه الراكوبة وراديو دبنقا ، برغم شح امكانياتهما . واستغرب فى ان كل المعارضة بطولها وعرضها ، بصادقها وفاروقها وبمنتشريها بالملايين فى الشتات ، لا تستطيع انشاء قناة فضائية ، استطاع افراد انشاءها . ياجماعة الخير ? كما يقول اهلنا فى الخليج ? الاتتفقون معى بان هبة سبتمبر ربما كانت قد نجحت لو ان هناك قناة تخاطب الناس مقابل اكاذيب النظام ؟
وعل أى حال ، ولضيق الوقت ، ارجو ان تتمكن المعارضة ، أو حتى الافراد ذوى الامكانيات ، ان يساعدو راديو دبنقا والراكوبة على توسيع دوريهما . وكذلك مد هاتين الوسيلتين بالمواد الحية عن تطور الاوضاع . ولاباس من مشاركة اصحاب الرأى من المتخصصين الاعلاميين بمقترحات توسع من الجهد الاعلامى فى هذه الظروف المواتية . وفى هذا المجال نحاول ايضا الاستفادة من القنوات الدولية المتعاطفة مثل البى بى سى وفرنسا 24 وغيرها ، وبالله التوفيق .