الهبوط والترقي في فهم الخطاب القرآني

الخطاب القرآني يحوي خطابين وليس خطابا واحدهما أولهما مصدر الخطاب وهو العقل الكلي المحض والثاني هو أثر الخطاب وهو العقل الفردي النسبي ، فهو تفاعل بين العقلين بمحاولة نزول الأول وارتفاع الثاني ليلتقيا في منطقة وسطى ، هي الفهم ، ووسطية هذه المنطقة نسبية ؛ لذلك ورغم أن العقل المحض واحد إلا أن العقل الفردي متعدد الى درجة السيولة وهناك مئآت من المناطق الوسطى ، هذا يعني -في واقع الأمر- تعدد الخطاب القرآني وليس وحدانيته ، وهو يجب أن يتسم بالمرونة الكافية حتى لا يصل إلى منتهاه بالتقاء كافة العقول الفردية في منطقتها هي الوسطى، ومن ثم فإن البعض قد يرى بأن هذه معجزة والبعض يرى أنها إشكالية ، المعجزة في اتساع المدلولات للآية الواحدة وما يحيط بها -بل وبكل كلمة منها- من ظروف وأوضاع ، ولكن البعض الآخر الذي يرى أنها إشكالية ينظر فقط الى العقل الفردي ويعتبر أن الخطاب القرآني كان لابد أن يتوحد لتتوحد الأحكام . ويحاول المجددون أن يقفوا بين الطرفين فيثبتوا بعض نصوص الخطاب ويقيدونها ويجعلون باقي النصوص مرنة وقابلة للاندياح والسيلان ، وهم في ذلك يقعوا في ذات اشكالية أثر الخطاب او ما يتلقاه العقل الفردي من عناصر وأحكام ﻷن تثبيت وتجميد بعض أجزاء الخطاب ليس له أساس منه هو نفسه ، حتى فيما يتعلق بفلسفة التوحيد وأقول فلسفة ﻷنني استبعد وصولي إلى نهائية العقل الكلي المحض.
فهمنا للخطاب القرآني على مستوى الهبوط والارتفاع بين العقلين يهيئ لنا فرصة معالجة النزعة الراديكالية في تفسير الخطاب من جهة ؛ وييسر لنا مرونة كافية لمعالجة الخطاب الواحد لوقائع متعددة ومختلفة باختلاف الزمان والمكان والظروف.
تأتي السنة ليست كهبوط للعقل الكلي المحض كما هو سائد بل كارتفاع للعقل الفردي النسبة ؛ فهي في فروض معينة تتدخل لتقويم هذا الارتفاع أو زيادة درجته صعودا ونزولا ، ولو فهمنا السنة من هذه الزاوية فييكون ذلك علاجا للإشكالية القديمة جدا بين التيار السلفي السني والتيار التحديثي الليبرالي ، فستكون السنة مصدرا لتشكيل العقل السفلي الفردي أو موجها له أو مجرد معين على الارتفاع الى مستوى العقل الكلي ، حتى لا تتعدد خطابات النص الواحد نزولا بل يظل النص أحادي الخطاب العلوي ولكنه بعيد عن شمولية الخطاب السفلي أو النابع من محاولة ارتقاء العقل الفردي الى الأعلى ، هذه مرونة كافية لمعالجة إشكاليات كثيرة من ضمنها إشكالية التعارض بين القرآن والسنة ، واشكالية النسخ بينهما ، واشكالية أيضا داخل نطاق وحدود النص العلوي كما هو الحال مثلا بين نصوص سورة التوبة وآية السيف وآيات الولاء والبراء وباقي النصوص المسالمة والمتعايشة.
إن معرفتنا بعملية الهبوط والارتفاع مهمة جدا لتقليل نسبة التزمت في طرح المفاهيم البشرية للخطاب العلوي على أنها تكتسب تقديسا غير مبرر . فهي محاولات في أفضل فروضها لا تحوي تأكيدا لنفسها على الصواب والخطأ بل تؤكد فقط على نسبيتها . إن الخطاب هابط قمته ألف لام ميم ووسطه أيات متشابهات وآخره آيات محكمات هن أم الكتاب.
19 أكتوبر2016
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عزيزي الكاتب , حسب اعتقادي ,الموضوع لا علاقة له بالخطاب (العلوي) او (السفلي) كما ذكرت و في الحقيقة لا تعارض بين القرءان و السنة بل الامر عبارة عن شرح السنة للقرءان او تخصيص السنة لدلالة بعض النصوص القرءانية .

    مع التحية

  2. السنة من حيث انها سنة ليست فيها إشكالية، المشكل في الطريقة التي جمعت بها بعد اكثر من مائة و خمسون عاما و خراب مكتبة بغداد و الاحاديث الشاذة,لا يجوز ان تعتبر مقدسة و يجب أن تخضع للقرآن و الوزن التصنيفي و العقلي.

  3. إقتباس:

    الخطاب القرآني يحوي خطابين وليس خطابا واحدهما أولهما مصدر الخطاب وهو العقل الكلي المحض والثاني هو أثر الخطاب وهو العقل الفردي النسبي…إنتهى

    الخطاب القرآني يحوي خطابين…!!؟؟ ذكر الكاتب أن القرآن ما هو إلا خطاب يحوي خطابين..؟؟

    يمكننا إعادة الصياغة لتكون كالآتي:

    نجد أن مصدر الخطاب في القرآن هو العقل الكلي المحض ، بينما نجد أن أثر هذا الخطاب يقع على العقل الفردي النسبي ، ويتجلى الفهم ليكون المنطقة الوسطي التي يتدنى فيها العقل الكلي المحض ويرتقي فيها عقل الفرد النسبي…الخ

    اللغة العربية لغة بيان يا دكتور…إن لم تكن مبيناً في قولك راح شمار في مرقة ، وتجنب التعقيد واقصد التسهيل فالأول لا يعني الحذاقة بينما الأخير يصيب الهدف من الكتابة ويكسبنا نحن القراء الزمن.

  4. المحكم : المحكم هو اللفظ الواضح الدلالة على معناه.
    والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه أو احتاج إلى بيان أو رد إلى المحكم…
    المثاني: إختلف فيه المفسرون و أوردوا فيه تفسيرات معقدة و غير منسجمة مع المعني البسيط و هو :ثنائي.
    قال تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )
    مثاني :إذن القرآن فيه آيات غير محكمة تحتاج إلي تبيان لعدم وضوحها عند النظرة الاولي و بعد التدقيق يتضح المعني الآخر.

  5. أرجو أن تقرأ مقالي القادم و تعلق عليه..أصا الاسنان و سر الوجود (2) فهو مرتبط بما تقول و شكرا

  6. عزيزي الكاتب , حسب اعتقادي ,الموضوع لا علاقة له بالخطاب (العلوي) او (السفلي) كما ذكرت و في الحقيقة لا تعارض بين القرءان و السنة بل الامر عبارة عن شرح السنة للقرءان او تخصيص السنة لدلالة بعض النصوص القرءانية .

    مع التحية

  7. السنة من حيث انها سنة ليست فيها إشكالية، المشكل في الطريقة التي جمعت بها بعد اكثر من مائة و خمسون عاما و خراب مكتبة بغداد و الاحاديث الشاذة,لا يجوز ان تعتبر مقدسة و يجب أن تخضع للقرآن و الوزن التصنيفي و العقلي.

  8. إقتباس:

    الخطاب القرآني يحوي خطابين وليس خطابا واحدهما أولهما مصدر الخطاب وهو العقل الكلي المحض والثاني هو أثر الخطاب وهو العقل الفردي النسبي…إنتهى

    الخطاب القرآني يحوي خطابين…!!؟؟ ذكر الكاتب أن القرآن ما هو إلا خطاب يحوي خطابين..؟؟

    يمكننا إعادة الصياغة لتكون كالآتي:

    نجد أن مصدر الخطاب في القرآن هو العقل الكلي المحض ، بينما نجد أن أثر هذا الخطاب يقع على العقل الفردي النسبي ، ويتجلى الفهم ليكون المنطقة الوسطي التي يتدنى فيها العقل الكلي المحض ويرتقي فيها عقل الفرد النسبي…الخ

    اللغة العربية لغة بيان يا دكتور…إن لم تكن مبيناً في قولك راح شمار في مرقة ، وتجنب التعقيد واقصد التسهيل فالأول لا يعني الحذاقة بينما الأخير يصيب الهدف من الكتابة ويكسبنا نحن القراء الزمن.

  9. المحكم : المحكم هو اللفظ الواضح الدلالة على معناه.
    والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه أو احتاج إلى بيان أو رد إلى المحكم…
    المثاني: إختلف فيه المفسرون و أوردوا فيه تفسيرات معقدة و غير منسجمة مع المعني البسيط و هو :ثنائي.
    قال تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )
    مثاني :إذن القرآن فيه آيات غير محكمة تحتاج إلي تبيان لعدم وضوحها عند النظرة الاولي و بعد التدقيق يتضح المعني الآخر.

  10. أرجو أن تقرأ مقالي القادم و تعلق عليه..أصا الاسنان و سر الوجود (2) فهو مرتبط بما تقول و شكرا

  11. دكتور آمل

    قرأت كتاب نظرية آذان الانعام لكني لم اقتنع به كله,لكن إن سمح لك وقتك و قرأت السلسلة المتواضعة التي أكتبها فستري بصورة غير مباشرة وجوه الاختلاف بين طرحي و طرحه.

  12. لد ي تعليق واحد علي كتاب آذان الانعام,الكاتب المرحوم عماد وقع في نفس مأزق التصورات التوراتية من حيث قصة الخطيئة الاولي و ربطها بالجنس و لذا فسر الشجرة بالجنس,لكنها في مقالي اصل الانسان (2) طرحت و بنص القرآن أنها فعلا شجرة ثمار عادية و لكنها كانت فقط لآدم و زوجه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..